طلال سلمان

على الطريق ثرثرة فوق بحيرة ليمان (6) حوار بين الخارجين على الحوار

البحيرة هادئة بعد.. والنسمات المنعشة ببرودتها تهز صفحتها هزاً رقيقاً محدثة بعض التجاعيد في الوجه الرمادي الساكن عند الضفة، وضباب كالدخنة يغلف المنظر كله ويستر ما يحجب محدداً لك مدى الرؤية ومضيعاً الأبعاد والاتجاهات وحقائق الجغرافيا والحياة… تماماً مثله مثل الجو الذي يفرضه عليك هذا المؤتمر بإقفال الأفق وطمس المعالم حتى لا تعرف الطريق إلى مستقبلك، وتمضي بقية عمرك تكافح لتبقى وليكون لك ما تبقى من يومك.
على الكورنيش المتعرج المحروس بصفين من الأشجار العارية غصونها بعد في انتظار الورق والزهر ومن ثم الثمر، تتنزه مجموعات من الكهول والعجائز وبعضهم ينزه كلابه، فلوزان منتجع للمتقاعدين أصلاً، يجيئونها ليختفوا في سكينتها ومعهم ما “هبشوه” في بلاد أخرى بالسمسرة والصفقات وتقديم مختلف أنواع الخدمات للقادرين على الدفع بسخاء.
وأسراب من الحمام تمرح متنقله بين قرميد وآخر، وقد يستقر بعضها على الشرفة مطلقاً هديله الشجس والمثير للشجون… لكن الغربان وطيور القاق سرعان ما تجيء تسبقها أصواتها المنكرة وراياتها السوداء فتفسد عليك خلوة التأمل والتذكر وتطرد الأطياف الحبيبة والأليفة التي كنت قد استدعيتها لتهون عليك مصابك بالمؤتمر والمؤتمرين.
والمؤتمرون في مواجهة إنجازهم العظيم: اللاشيء. وهذا يعني تفاقم الانقسام إلى حد الانفصال والقطيعة بحيث لا يبقى من جسر إلا مدافع الحرب الأهلية.
ولكنهم مقبلون على الدنيا يتمازحون ويتضاحكون، يتصافحون ويتعانقون، يتداعى بعضهم إلى موائد البعض الآخر، ويبدون الضجر لطول المدة ويتفقون على أن أقصى ما يمكن أن يكون هدنة، يليها دور انعقاد ثالث في مدينة سويسرية أخرى، ثم يتبارى المستشارون في سرد المعلومات السياحية أو التجارب الشخصية لينتهوا إلى تزكية هذه أو تلك من عواصم الكانتونات الـ 23 التي يضمها هذا الاتحاد الفريد.
البحيرة هادئة بعد، والمؤتمر في شبه إجازة بقوة التعذر واستحالة الوصول إلى حل، وغياب العقل أو خفوت صوته أو انعدام السمع.
على إن هناك خارج قاعدة المؤتمر رجالاً تضج صدورهم ورؤوسهم وخواطرهم بالقلق، ويدورون بمخاوفهم يحاولون عرضها والتنبيه من مغبة الفشل المحتوم من دون أن يخفي التخوف كلية تلك السعادة الضمنية المتأتية من ثبوت صحة منطقهم وتقديراتهم: فها هم الآباء العجائز يوقعون وثيقة يقرون فيها بأنهم أعجز من أن يجدوا الحل وأصغر بكثير من الأزمة التي تسببوا في خلقها.
*إذن هي فرصة العمر لكي يقفز جيلكم إلى المقدمة… أهكذا تقدرون؟
-لنأمل في أن تكون كذلك، وهيا نعمل بسرعة لاستثمارها.
*كيف والآباء يسجنون الجميع معهم في الكهف ويمترسون على مدخله بسيوفهم فيمنعون دخول الهواء والشمس إليه، وأنتم لهم خاضعون؟!
-نرجو أن تتفهموا وضعنا وأن تقدروا ظروفنا. إننا في أزمة ضارية ونحتاج مساعدتكم لكي نتخطاها.
*وكيف نساعدكم وأنتم حاسمون في خياركم. لقد ذهبتم إلى إسرائيل ولم تأنوا إلينا، ولم تتذكروا وجودنا إلا بعدما خيب العدو أملكم واستغنى عن خدماتكم فأسقط مشروعكم السياسي؟
-فلنحرص على اتفاق الحوار هادئاً، رجاء، إن لم تساعدونا أنتم، والآن ، فلن يكون ثمة حل، لا لكم ولا لنا ولا للبنان، وربما للمنطقة كلها. حسناً فلنتفرض إننا أخطأنا في الماضي فهل تطاردوننا بمطلب الحساب إلى الأبد؟! ثم من قال لكم إننا كتلة واحدة صماء متراصة وراء الخيار الإسرائيلي؟! وحين ذهب بعضنا إلى إسرائيل كان الظرف مختلفاً، كان الفلسطيني يقف حاجزاً بيننا وبينكم، وفي وقت آخر صار السوري هو الحاجز.
*هكذا أنتم أبداً تقيمون التحالفات مع أي كان إلانا، وهذا يعني إنكم لا تتحالفون مع أحد إلا ضدنا.
-عندي من الشجاعة ما يكفي للاعتراف بأننا تحالفنا بالفعل بداية مع الفلسطيني، ثم مع السوري ضد الفلسطيني، ثم مع الإسرائيلي ضد السوري، ثم كانت الخيبة حين توهمنا إن بالإمكان أن نتحالف مع الأميركي ضد الإسرائيلي فلم نحصد غير السقوط الذريع.
*ومن يضمن إنكم لا تريدون الآن عبر إبداء هذه الرغبة في الحوار مجرد هدنة تمكنكم من العثور على حليف جديد يعينكم علينا… بل إن بينكم من يجاهر منذ هذه اللحظة بأنكم ستضحون بالكثير من شعاراتكم من أجل تجديد التحالف مع السوري، ليس حباً به أو اقتناعاً بصحة موقفه، بل لأنكم تفترضون بأنه الطرف الوحيد القادر على “لجمنا وتأديبنا” بما يمكنكم من إعادتنا إلى بيت الطاعة… أي إلى حظيرة الولاء لبيت الكتائب المركزي وأصحابه من آل الجميل.
-إنكم لا تعرفون عنا ما يكفي! نحن عالم مجهول بالنسبة إليكم، إنكم لا تسمعوننا. إنكم تنظرون إلينا دائماً عبر الكتائب وآل الجميل، ولكننا لسنا كما تتصورون وتفترضون. لقد كنا في الأصل كتائبيين لكننا الآن شيء آخر مختلف ومتميز إلى حد التناقض. إن فادي فرام وإيلي حبيقة وسمير جعجع وكريم بقرادوني وميشال سماحة وغيرهم كثير “حزب جديد” وليست مراءاة أو خديعة أن نقول إن بيار الجميل وكميل شمعون لا يمثلاننا، أما أمين الجميل فحسابنا معه عسير، فنحن أقسى عليه منكم، إنكم تؤاخذونه على أخطاء ارتكبها بحقكم والبعض منكم يسميها جرائم ونحن نراها كذلك… ولكن تقييمنا نحن لهذا الرجل أبأس بكثير وحكمنا عليه أقسى مما تظنون، يكفي أن أقول إننا نرى إنه دمر الحزب و”القوات” من أجل رئاسته، وها هو يدمر البلاد من موقع الرئاسة ويدمر مستقبل المسيحيين في المنطقة.
*الآن جاء دوري في المطالبة باتفاق الحوار، لا تبيعوننا أوهاماً. لقد اكتسبتم الكثير من الخبرة عبر التجربة فصرتم بارعين في توزيع الأدوار والمواقع… وهكذا يجيئنا البعض محاوراً في حين يرفع آخر في وجهنا الهراوة الإسرائيلية، ويقصد ثالث منكم إلى دمشق ليستعديها ضدنا ملوحاً لها بتجديد التحالف معها (بل إن شمعون وصل إلى حد الحديث عن اتحاد فيدرالي مع سوريا)، وفي الوقت ذاته تصدى لنا آباؤكم ليضعونا في مواجهة خيار كريه: أما الجمود والتعفن وإسقاط أي مطلب للاصلاح أو التطوير أو التغيير واما التقسيم والكانتونات وتمكين إسرائيل من إدامة احتلالها للجنوب… كل ذلك في ظل رئيس الجمهورية منكم.
– بل هو كان منا ولم يعد الآن كذلك.
* طريف ما تريد إيصالي غليه. فأنتم لم تعودوا ما كنتم، ومن في إسرائيل الآن منكم مستعدون لأن ينتقلوا غداً إلى دمشق والعكس بالعكس، وبيار الجميل وكميل شمعون لا يمثلانكم، وأمين الجميل صار في موقع الخصم، فمع من إذن تريدوننا أن نتفاهم؟! من بقي منكم يمثلكم حقيقة.
– ألم أقل لك إننا في أزمة، ودعني أصارحك بما هو أخطر، إننا ضد أمين الجميل لأنه قبل بالخيار الإسرائيلي، لم نكن ضد العلاقة مع إسرائيل بالمطلق ولكننا سلمنا بها كخيار اضطراري بل وقسري. لا تعد إلى لومنا، ذلك كان في الماضي ولا فائدة من الاصرار على تقديم الحساب عنه اليوم. ولكننا أبداً لم نرد أن نصل بالعلاقة إلى الصلح أو التحالف. كنا ننتظر أن يستعيدنا العرب. وحين فتح باب دمشق، وكنا بين من عمل لفتحه دفعنا أمين الجميل دفعاً إليه. لكن أمين الجميل ذهب وحيداً وتحايل حتى لا يأخذنا . إنه يريد عقد صفقة لحساب شخصه وحكمه ليس إلا. إنه يكرر لعبة الخديعة ذاتها مع السوريين. وغير صحيح إننا كنا ضد إلغاء الاتفاق مع الإسرائيلي ولكننا ضد هذه الخفة وضد القفز من الأقصى إلى الأقصى بغير تمهيد وبغير برنامج وبغير ثوابت تضمن الوصول إلى النتائج المرجوة وتحميها إذا ما تحققت من التبدد.
*ولكننا لم نسمع منكم عبر إذاعاتكم وصحفكم ونشراتكم وخطب المهرجانات غير عكس ما تقول مائة في المائة.
– هذه هي المصيبة، أنتم تحكمون على الكلام العلني ولا تدرون شيئاً عن النار التي تأكلنا. أنتم تحكمون على المواقف المخصصة للاستهلاك واحتواء جمهورنا. كيف كان يمكننا أن نبلغكم مثلاً إننا كنا ضد التورط في حرب الجبل وإننا كنا نريد حقاً التفاهم مع وليد جنبلاط؟! لقد بحت أصواتنا ونحن نطالب بأن يتسلم الجبل الجيش لننسحب محتفظين بمساحة سياسية كافية للحوار. لكن ثمة من خرب علينا واستدرجنا إلى الصدام، وبغض النظر عن إسرائيل التي هي صاحبة مصلحة في تفجير الأوضاع والعلاقات بين القوى والطوائف فإن الحكم تصرف بخفة لا نظير لها.. لعله افترض إن الصدام يضعفنا كلينا ويقويه ويعطيه موقع الحكم والمرجع فترك النار تتعاظم حتى أكلتنا وأكلته ومكنت لإسرائيل في صفوفنا كما في صفوف جماعة وليد جنبلاط.
* وأين كان آباؤكم الموقرون؟! واين كانت قياداتكم وفيها من ذكرت؟ كان شمعون مكوكاً على الطريق بين بيروت وتل أبيب وكان شارون ومن بعده أرينز في بيت بيار الجميل وكان بعض رموزكم في مكتبكم الرسمي في القدس المحتلة وكان فادي فرام ضيفاً دائماً في التلفزيون الإسرائيلي وكان أركانكم الآخرون يعقدون المهرجانات المطالبة بإدامة الاحتلال الإسرائيلي في جزين وغيرها الخ…
– هذا كله صحيح لكنه ماض ونحن إنما نتحدث عن المستقبل، عن المخرج، عن الحل.
* وهل يمكن لأي حل أن يهبط بـ “البراشوت” من السماء؟! ألم تؤثر هذه المعطيات والوقائع على صورة الحل العتيد وفرض نجاحه إذا ما توفر؟!
– بل طبعاً ولهذا جئنا ندعوكم إلى التواطؤ معنا ضد الغلط في النهج كما في الممارسة!
* ولكنها معركتكم ولا أحد يمكنه أن يخوضها بدلاً منكم وبالنيابة عنكم، اذهبوا فاحسموا أمر القيادة عندكم أولاً. إن بيار الجميل وكميل شمعون لم يكفأ لحظة عن الادعاء بأن “القوات” لا تخرج على طاعتهما… وبيار الجميل بالذات يدعي القدرة على طرد أي منكم متى شاء. حققوا انتفاضتكم الداخلية وأكدوا جدارتكم بالقيادة وبعدها يمكن أن يبدأ الكلام الجاد وبشرط أساسي مسبق: أن تكوننوا قد حسمتم أمر الخيار الإسرائيلي فعلياً.. فلا يعقل أن يطالبنا بيار الجيمل هنا بمساعدته عليكم بوصفكم أنتم جماعة إسرائيل ثم تطالبوننا أنتم بمساعدتكم على رئيسكم الأعلى باعتباره رمز التحجر والتعصب والانغلاق وبالتالي سبب وصولكم إلى إسرائيل، أو على ابنه الشيخ أمين باعتباره رمز الفشل والفرص الضائعة والتردد والتذبذب والنطنطة مما أضاعكم في ذلك السديم الممتد بين تحالف بائس مع الإسرائيلي وبين استعداد غير مشروط للارتماء في أحضان السوري مقابل البقاء في سدة الرئاسة.
– دعني أصارحكم بأننا لن نستطيع أن نحقق شيئاً إذا لم تفتحوا لنا الباب…
* وكيف نفتح لكم الباب والإسرائيلي يتأبط بعد ذراعكم؟
– صدقني إننا على استعداد لتركه، بل لقد تركناه فعلاً بالمعنى الاستراتيجي وعلاقتنا المتبقية معه الآن لا تتعدى الضرورة التكتيكية ريثما نرى موقعنا في خريطة الصراع السياسي كما عدلتها الحروب الصغيرة في الجبل والضاحية وبيروت.
* ولعلكم تقولون هذا الكلام ذاته الآن للسوريين، بل أنتم بلغتموهم إياه قطعاً، فإذا ما فتحوا لكم طاقة صغيثرة فستقفزون من فوقنا وربما على جثننا للوصول إليهم.
– دعني أصارحكم بأمر… إن الأساس في هذا الحوار إننا اكتوينا بالتجربة ولن نكرر الخطيئة المميتة التي ارتكبناها في العام 1976. إننا نعرف الآن إن سلامتنا ومستقبلنا والضمانات التي نطلبها ، كل ذلك لا يمكن أن يجيء إلا منكم ولا يمكن أن يعطيناه أحد إلا أنتم. إنما نعرض عليكم الآن أن نتفاهم في ما بيننا وأن نذهب معاً للتفاهم من ثمة مع السوري فلا يكون هناك مجال لأن يتواطأ أحدنا معه ضد الآخر.
*وكيف أصدقك؟! كيف ومدافعك ما تزال تضرب الضاحية والأحياء السكنية وتقتل كل يوم مزيداً من الأبرياء، كيف وأنتم تؤزمون الوضع بحيث يستحيل علينا هنا الوصول إلى حل؟
– لك كل الحق إن أنت لم تصدقني ولكنني أقولها لك بالعربي الفصيح: لقد كنا ضد ضرب الضاحية وحذرنا الحكم مرة ومراراً من أن ضرب الضاحية قد يلحق بها الكثير من الدمار ولكنه سيدمر أيضاً الجيش وما تبقى من صورة الدولة وسيعجل بتدمير ما تبقى من أسباب وجود لبنان وضمن ذلك طبعاً موقع رئاسة الجمهورية.
* ما أسهل نظم قصائد الرثاء تفجعاً على من قتل. إن بعض أنواع الرثاء لا تزيد عن كونها قتلاً ثانياً للضحية.
– لست ألومك لكنني برغم هذا كله أدعوك إلى مساعدتي لكي تخلصني مما أنا فيه. ساعدني فأرد لك الجميل غداً بمشاركتك في بناء لبنان الجديد على الصورة التي تتمناها.
* وكيف أصل إليك وأنت تقيم بيننا سدين: الأول استمرار العلاقة مع العدو الإسرائيلي، والثاني قيادتك التاريخية التي لا تموت ولا تزول وترفض أن ترتاح وتريح.
– لكن الخطوة الأولى يجب أن تكون اتفاقاً على الهدنة، فلنقم هدنة طويلة نسبياً، ستة أشهر مثلاً بكل الضمانات المطلوبة لها لتوفير الهدوء الضروري لاتصال الحوار وانتظامه… ولنتفق على إقامة هيئة تأسيسية لا علاقة لها بالحكم أو الحكومة تكون مهمتها الانكباب على رسم صورة لبنان المستقبل عبر حوار جدي وحار بين القوى الفعلية على الأرض وتحديداً بين “أمل” والحزب التقدمي الاشتراكي و”القوات اللبنانية” ومعهم بعض الوجوه النظيفة من شباب السنة والأرثوذكس والكاثوليك. ولقد يتطلب الأمر سنة أو سنتين، لا يهم، فلسنا في عجلة من أمرنا إذا كنا حريصين على مستقبل أولادنا خصوصاً وإن الله قد يرحمنا خلال هذه الفترة باستفقاد عبيده، فينقل إلى جواره من نراهم سداً في وجه الاتفاق!
* والاحتلال الإسرائيلي ؟! كيف أحاورك بينما أنا أقاتله بالسلاح في الجنوب وأنت ما تزال تتعامل معه من موقع الحليف وتنسق معه ضدي بل وتقوم له بدور “الكشاف” ومقدمة الهجوم والحارس الجسدي في الجنوب ذاته، كما تمكنه من الوصول إلى بيروت والاستقرار فيها عبرك؟!
– الحرب تلجئني إلى الإسرائيلي أما السلام فيغنيني عنه.
* وهل سيتركك تتقدم نحوي من أجل السلام؟! إذا لمس منك صدقاً في التوجه فلسوف يقتلك.
– هذا صحيح لكنني مستعد لتحمل المغامرة من أجل أولادي ومستقبل البلاد. المهم أن نتفق على الحل، لتكن هدنة وليجرب واحدنا الآخر.
* وهل رفاقك معك في هذا التصور؟
– لم أشاورهم ولكنهم في “الجو” فإذا لمست ايجابية منكم عدت إليهم لأخذ الموافقة.
* وتتكرر المهزلة. مؤتمرات الحوار من جنيف إلى لوزان، فإلى… يعلم الله أين ومتى؟ احسموا أمركم أولاً وتعالوا وستجدوننا في انتظاركم فليست الحرب هوايتنا، نحن الأكثر أولاداً في العالم ومن أجلهم قاتلنا ونقاتل ومن أجلهم أيضاً ننتظر بالشوق كله وصول السلام، لكننا لن نخدع مرة أخرى ولن نلدغ من الجحر ذاته عشر مرات.
هذه نتف من حوارات بين شباب كانوا في الظل على هامش المؤتمر، تعكس أفكارهم اتجاهاتهم وانتماءاتهم الحزبية.
ولأن الحوار ظل معلقاً ولأن أصحابه ليسوا أصحاب القرار وبالتالي القدرة على إيصاله إلى النتائج المرجوة منه، فقد أغفلنا أسماءهم ومواقعهم ثم حرصنا على نشره، لعله يفتح الباب لشيء أكثر جدية من هذا الذي عشناه على امتداد الأيام الثمانية داخل معتقلنا الفخم هنا في فندق “بوريفاج – بالاس” في أوشي – لوزان.
على إن السادة الآباء لهم بعد من النفوذ والهيمنة ما يمكنهم تعطيل أي حوار وعلى أي مستوى. فماذا تأمل ممن يعترض على “التخطيط العلمي” في مجال الحديث عن الاقتصاد الحر والمرن؟! أو ممن يعتبر إنه منع إسرائيل من الوصول إلينا جميعاً بأن ذهب هو إليها؟! أو ممن يعتبر إن الوطن يموت معه، فلا تكون بعده دنيا ولا حياة.
البحيرة هادئة بعد… والعتمة تجيء متسللة لتسدل ستارها على كل شيء، وقاعدة المؤتمر مقفلة الأبواب ومعتمة كعقول العديد من المؤتمرين.
ولا فجر إلا في بيروت أي حيث يبدأ الجنوب العظيم.

Exit mobile version