طلال سلمان

على الطريق تنتظر القاهرة وتنتظرك

ليس ضرورياً ان تستخدم اية وسيلة للمواصلات. الطريق واضح كتاريخ مفتوح. تنطلق من خندقك حيث كانت معسكرات جيش الاحتلال البريطاني. تخترق ميدان التحرير. ميدان التحرير. تمر بميدان ابراهيم باشا الذي تعرفه اراضي الشرق جميعاً حتى كوتاهية.
تتقدم اكثر. هذا عابدين القصر الذي اشتهر بعرابي الذي هز العرش فيه اكثر مما اشتهر بأسماء الملوك الذين اقاموا فيه. عرابي على حصانه ومن حوله الضباط، ومعهم الانذار. عرابي. تكمل المشوار. حيثما اتجهت تنتظرك صورتك، فأنت كل هؤلاء المحتشدين في سيدنا الحسين، في السيدة زينب. انت موكب الطلبة المهيب على جسر الجامعة يتصدى للقمع فينتصر عليه بالشهادة.
الوجوه من حولك اليفة، تعرفها وتعرفك منذ مليون سنة، يعرفك الشجر، يعرفك تراب الأرض، يعرفك غبار الزمن، تعرفك الأسماء التي لا تموت والتي تحوم فتملأ الهواء ووجدانك، الفسطاط، عمرو بن العاص. الازهر. المعز. قطز – الظاهر بيبرس. احمد بن طولون. صلاح الدين الايوبي. سليمان الحلبي. سليمان الحلبي. سليمان الحلبي. سعد زغلول، محمد فريد، سيد درويش. طه حسين. محمد حسنين هيكل. احمد حسن الزيات. عبده الحامولي. سلامه حجاجزي. زكريا احمد. ام كلثوم. العقاد . السنهوري. احمد شوقي. حافظ ابراهيم. خليل مطران. القناة. فدائيو القناة. جمال عبد الناصر. القناة. تأميم القناة. حرب القناة. بور سعيد. بور سعيد. بور سعيد. الله اكبر. والله زمان يا سلاحي! الوحدة. الوحدة. الوحدة. عبد المنعم رياض. بحر البقر. نجع حمادي . بني مر. منشية البكري، والمسجد – الضريح – المزارح نكمل المشوار. العبور. العبور.
والنيل يلاغيك يطمئنك ويهون عليك. يخبرك صمته العميق ان الثوابت وحدها الباقيات وأما الطارئون فإلى زوال، ويصرفك مجراه عن الاوهام باعتباره الحقيقة الجغرافية – التاريخية – الانسانية ، السياسية – الاقتصادية – الاجتماعية.
والطمى يحتضن فصولا خالدة من قصة الحضارة. فهنا هنا كانت البداية، وهؤلاء الذين بالجلابيب هم البناة والشهود والامتداد.
والنيل يخبرك عن رشيد وعن المنصورة. وعن لويس التاسع، وعن الصليبيين القدامى : من تواطأ معهم اندثر، وبقي فقط من حاربهم وانتصر عليهم بقوة الحياة ذاتها، بقوة الارض والناس البسطاء أبناء الارض واصحابها وأسيادها.
والنيل لا يتوقف ولن يتوقف.
ودربك الى مقصدك طويل. لكن العنوان يعرفك. تعرفك المشربيات والصيبان السمر والبنات بالضفائر السوداء والطرحة، تعرفك أنفاسك والحواري التي أنجبت “الزعر” الذين قاوموا نابليون وحموا بأسمالهم اسم مصر وسمعتها.
انت تنتظر مصر. ومصر تنتظرك أنت.
والمهم ان تبدأ المشوار، وأن تتخطى الحواجز جميعا من حولك، ان تحطمها. فحيثما ضربت ستصيب السادات وحلفاءه الصليبيين الجدد، ابتداء من اسلام آباد مروراً بأنقرة والعواصم التي اكل الحكام اسماءها، وانتهاء بآخر بائس عربي يمتصه القهر لعجزه عن الحركة في مواجهة خيانة القرن العشرين.

Exit mobile version