طلال سلمان

على الطريق تفضلوا… لقمع المؤامرة

… وعندما تأكد له، بالدليل الحسي الملموس، وللمرة المليون، إن “الدولة” قد انتهت تماماً، قام “رجل الدولة” – الوحيد في لبنان؟ – فوقف عند رأسها ورثاها، ورثى نفسه والقلة المتبقية من أمثاله، ثم آوى إلى قوقعة حزنه الكبير.
وكان رثاء رشيد كرامي لدولته جليلاً يليق بنظام فريد كالذي كان، وبطبقة ممتازة بغبائها النادر: “أعطيت ملكاً” فظلت تلتهم من أطرافه حتى انهار على رأسها فقتلها وعلى البلاد فدمرها تدميراً.
وكان رشيد كرامي منصفاً فلم ينسى أحداً من “ذوي الفقيدة”، ولم ينس أمراً أو شيئاً من أشيائها الحميمة: المؤسسات، وعلى رأسها الجيش وقبله البرلمان، والأجهزة جميعاً، و”الأقطاب” و”الأطراف المعنية” وبينهم قادة الميليشيات وزعماء الطوائف من “أكلة الجبنة” المعروفين.
وهكذا أسقط رشيد كرامي نفسه كرمز أخير لوحدة السلطة، بل للسلطة إطلاقاًن بل للدولة… وربما للنظام كله، تاركاً الذين زرعوا الريح يحصدون العاصفة، محدداً مسؤوليتهم بإعلان خلو طرفه من المسؤولية عما جرى ويجري وسيجري وهو الأخطر والأقسى.
لم يعد رشيد كرامي حاكماً. لم تعد السرايا مقر الحكم ومصدره.
الصورة الآن أوضح ما تكون: الميليشيات هي السيد، تقتل، تنهب، تخرب، تعبث فساداً في كل ناح، و”الدولة” تتفرج وتنتظر الأمر منها: هاتوا ملالات لنغطي الهجوم على ضبيه أو المسلخ أو الفنادق أو الكرك! فتجيء الملالات صاغرة! خلصونا من الجيب المزعج في حوش الأمراء! فتتحرك الدبابات، وتضرب المدافع ويؤكد “المغاوير” كفاءتهم القتالية لسكان الحي الفقراء الذين تجرأوا على حماية وجودهم في منازلهم بقوة السلاح!
الصورة الآن أوضح ما تكون: لا دولة، لا سلطة، والحكم – عملياً – لقادة الحرب الأهلية، أبطال الانفصال، العاملين لشطر لبنان بقسمته إلى وطن قومي ماروني ومستعمرة إسرائيلية… تأكيداً وتكريساً لإيمانهم بالعروبة عامة، ونضالهم لنصرة القضية الفلسطينية خاصة.
الصورة الآن أوضح ما تكون: المؤامرة على المصير العربي الواحد مكشوفة، مجسمة، ورموزها البشرية تعلن عن نفسها وعن مهمتها بلسانها، ولا مجال للالتباس. فلابيار الجميل “احتل” مخيم ضبيه خدمة لفلسطين، ولا اختار كميل شمعون الصدام المباشر مع المقاومة الفلسطينية إعلان لشأن العروبة وتوطيداً لأركانها.
إنها مؤامرة في لبنان، ولكنها موجهة ضد كل عربي في كل أرض عربية.
إنها المؤامرة.
وبالتأكيد فإن شعب لبنان سيستمر، عبرحركته الوطنية، في قتاله البطولي ضدها، وسيدفع مزيداً من الشهداء، ربما عشرة آلاف آخرين، وربما أكثر،
وسيستمر شعب فلسطين، عبر حركة مقاومته المسلحة، في نضاله لإسقاطها،
ولسوف تتأكد وحدة المصير، كل يوم، بين جماهير شعب لبنان، بطوائفها المختلفة، وجماهير شعب فلسطين، بمسلميه ومسيحييه، هذه الوحدة التي تعمدت بالدم الغزير الذي أريق ويراق منذ عشرة شهور أو يزيد.
لكن العرب مطالبون بدور حاسم، من أجلهم هم، ومن أجل مستقبلهم هم في أقطارهم، كما من أجل شعب لبنان وشعب فلسطين وثورته.
ومن حق رفاق السلاح اللبنانيين والفلسطينيين أن يلتفتوا الآن إلى إخوانهم العرب قائلين: يكفينا قتالاً نيابة عنكم. المؤامرة أكبرمن قدراتنا والميدان فسيح فتفضلوا إليه.
تفضلوا لتقاتلوا معنا، لا لتتوسطوا من أجل… أن نموت رمياً بالرصاص بدلاً من السحل.
أتسمعون؟! تفضلوا مقاتلين ضد المؤامرة والمتآمرين، لا متبرعين بالبطانيات والخيام أو كوسطاء من أجل الحوار، فالمؤامرةتقمع ولا تحاور.
… وحتى رشيد كرامي، المتحفظ جداً والرصين جداً والهادئ جداً، قال هذا… وبلسان عربي!

Exit mobile version