طلال سلمان

على الطريق ترحيل حكومة الطائف قبل إقرار اتفاق الطائف؟!

أخذتنا الهموم الأمنية والاقتصادية، وما أثقلها، بعيداً عن “الشرعية” فكدنا ننسى المهمات المطلوبة من الحكم.
وشغلتنا مباذل الوزراء والحكايا عن صفقاتهم وخلافاتهم حتى كدنا نسقط من حسابنا الحكومة كمرجعية سياسية معنية ومكلفة بالشأن الوطني العام،
وألهتنا سوالف الصراع على النفوذ والمناصب وحصص الطوائف بين الرئاسات الثلاث فكدنا نغفل عن تقصيرها في أداء دورها الطبيعي وتثبيت الأساس السياسي لوجودها وشرعياتها (القديمة – الجديدة) أي اتفاق الطائف،
كانت الذريعة مرة، وللجميع، الحرب على الشرقية،
ثم صارت الذريعة، وللجميع، الهدنة في الشرقية،
وكانت الشرعية منقسمة في موقفها من طرفي الحرب،
وها هي الشرعية مشلولة الحركة تجاه طرفي الهدنة وتجاه من طلبها ومن مولها ومن فرضها لكي يعيد المشكلة أو كرة النار إلى أحضان الشرعية،
في ظل الحرب صورت الشرعية وكأنها “مسؤولة” بحيث لا يجوز أن تكون طرفاً، و”غريبة” فلا تصلح حكماً، وعاجزة فلا تقدر أن تكون قوة الحسم ومصدر الحل الشرعي “للشرقية” كما هي في “الغربية”،
أما في ظل الهدنة فقد أدت الضغوط التي سرعان ما تبلورت في مبادرات أولاها آتية باسم الحبر الأعظم من الفاتيكان، وثانيتها آتية من طرف “الأم الحنون” في فرنسا، إلى إدخال الشرعية في بازار مفتوح بدت فيه وكأنها تساوم على نفسها، على حقوقها الطبيعية.
وبين أهداف “المبادرات” أن تتجمد الشرعية تماماً وتخضع حركتها لمزاج ميشال عون (وعالمه الروحاني أبي زيدان ، وشفيعه؟ مار الياس) فلا تفعل شيئاً بحجة الحفاظ على الهدنة وعدم التسبب في تجديد حرب عون – جعجع لإبادة المسيحيين!
وسط هذه المعمعة غاب الحديث عن اتفاق الطائف،
والأخطر: تجمدت الخطوات المطلوبة لتحويل اتفاق الطائف من مجرد وثيقة سياسية إلى نص دستوري صالح لأن يعتمد صيغة لحكم لبنان الجديد، أو صيغة لتجديد الحكم في لبنان.
الطريف إن المطالب بتنفيذ اتفاق الطائف، اليوم، يتجه بالمطالبة أولاً إلى أهل الطائف ومن ثم يلتفت إلى خصومه!
وإلى ما قبل أسابيع قليلة كانت لوحة أهل الحكم تعكس المواقف المتباينة بل المتناقضة الآتية:
*كان رئيس الجمهورية يتساءل يومياً: كيف تريدونني أن أحكم… هل كأول رئيس بعد الطائف أو كآخر رئيس لما قبل الطائف؟! إن كنتم تريدونني رئيساً للصيغة الجديدة فلتقر المؤسسات الدستورية التعديلات المطلوبة لتكون هي الصراط المستقيم، وغلا فسيظل إخلاصي الشخصي لاتفاق الطائف واجتهادي في أساليب تطبيقه هو المرجع والأساس!
*وكان رئيس المجلس النيابي يتهم الحكومة بالتقصير لأنها تأخرت في إنجاز مشروع التعديلات الدستورية المطلوبة،
وبالمقابل كان رئيس المجلس يتصرف وكأن ذلك الاتفاق قد اكتسب قوة الدستوري (الالهي)، وإن إقرار التعديلات في المجلس عملية شكلية لا تقدم ولا تؤخر، وكان يرى في نفسه مرجع المرجعيات جميعاً لأنه ولي أمر الطائف ومعتمد أهله ووكيلهم الحصري في لبنان.
*وكانت الحكومة تقول إنها تنتظر وزير العدل… ولعل وزير العدل كان ينتظر اكتمال عقد الحكومة بعودة الابنين الضالين جورج سعادة وميشال ساسين إلى حضن حكم اتفاق الطائف!
اليوم يبدو وكأن الآية انقلبت:
فالحكومة تتهم المجلس النيابي، برئاسته وأعضائه في التقصير الفاضح، وتكاد تتحدى رئيس المجلس أن يجمع أكثرية الثلثين الضرورية لإقرار التعديلات الدستورية وتستشهد بمسلسل مناورات المماطلة والتهرب والتسويف والتمييع للتدليل على صحة اتهامها للمجلس بالهرب من تحمل واجبه الطبيعي إزاء الاتفاق الذي أنجزه بنفسه برعاية ملكية في الطائف…
ورئيس المجلس يرد منطلقاً من أن اتفاق الطائف قدر أو حتمية… واين المفر وماذا ينفع الحذر مع القدر!!
اما رئيس الجمهورية فيتصرف وكأن الطرفين على حق، وفي انتظار أن يتوصلا إلى اتفاق (مستحيل؟!) فلا بأس من أن يستمر في العزف المنفرد ومن تقديم وصلات “الصولو”!
في خضم هذا كله، انطلقت نغمة المطالبة برحيل الحكومة.
ولقد طغت هذه النغمة، الموزعة الآن توزيعاً أوركسترالياً ممتازاً، على أحداث الشرقية واحتمالات مع بعد الهدنة، على جميع ما عداها من شعارات واستهدافات سياسية، حتى بدا وكأن حل أزمة الشرق الأوسط مرتبط برحيل سليم الحص من… بيته في عائشة بكار.
وللنغمة مصادر عدة داخلياً وخارجياً، وداخلياً هنا تشمل الحكم والحكومة،
وبالتأكيد فإن للنغمة أهدافاً متعددة، بينها الصحي والصحيح وبينها الخبيث وسيء القصد ولكن أخطر أهدافها إطلاقاً إنها تغير طبيعة الموضوع المطروح كمهمة عاجلة على هذا الحكم القائم باسم الطائف،
فالماء والكهرباء والقمامة، رفع الدعم عن الطحين ومكافحة الجرذان، لجم الدولار ووقف الصفقات المشبوهة، الإسراع في بناء الجيش وتنفيذ الخطة الأمنية لبيروت الخ… كل ذلك مهم جداً وعاجل جداً وحيوي جداً، ولكن الأهم والأعجل والأخطر والأكثر حيوية هو مصير اتفاق الطائف،
فبلا اتفاق الطائف يفتقد الحكم كله، وليس الحكومة، مبرر وجوده وعلة استمراره ومصدر شرعيته،
وكثيرة هي الأخطاء ، وربما الخطايا التي ارتكبتها الحكومة مجتمعة وبالمفرق، عبر وزرائها الكرام، ولكن الخطيئة المميتة إن هذه الحكومة قد أنجزت – وبنجاح – كل ما من شأنه تعطيل مهمتها السياسية الوحيدة وهي: إنجاز وإقرار التعديلات الدستورية لاعتماد اتفاق الطائف صيغة للحكم وإطاراً للحل الوطني العتيد!
أما المجلس النيابي فقد نام على أمجاده بعد انتخاب رئيس الجمهورية (والتمديد لنفسه وغقرار زيادات الرواتب لأعضائه!!).
انفرط العقد وتوزع نواب كل الأزمنة (الماضي والحاضر والمستقبل) على الشواطئ والمصايف داخل لبنان وخارجه، من قبرص إلى باريس عروس العواصم، متناسين إنهم هو المقصرون الآن، وهم المطالبون بالاجتماع وبت أمر اتفاق الطائف، ليمكنهم (ويمكننا) من بعد محاسبة الحكم والحكومة على مدى النجاح أو الفشل في الالتزام بموجباته.
كذلك فإن الحكومة المشغولة بنفسها ومصيرها تكاد تنسى مطالبة المجلس بالانعقاد… ويكاد رئيسها يذهب مع القرف إلى الاستقالة تاركاً أمر اتفاق الطائف لأمراء الطوائف الذين لم يعتمدوه ولا مرة واحداً منهم!
ومن حيث الشكل فإن الحكومة الآن تبدو في أحسن حال… فلقد اكتمل عقدها بعودة الأخوين “س” إليها، من غير أن يفهم الناس تماماً سبب الامتناع والاستقالة المعلقة في البداية ومن ثم سبب العودة عنها والرضا بممارسة مسؤولياتها الوزارية ولو من على قارعة الطريق!
كذلك فإن المجلس النيابي يبدو موفورالصحة (والمال) من خلال الجولات الكونية والوفود النيابية الحاشدة إلى مختلف العواصم، ومن خلال طوفان التصريحات المتفائلة لرئيسه وأعضائه الذين لا يرون خارج الحكومة عيباً،
لماذا، إذن، لا تقر التعديلات الدستورية المطلوبة ليصير اتفاق الطائف صيغة حكم الجمهورية الجديدة في لبنان الغد (؟!)؟!.
وكيف يجوز أن ترحل هذه الحكومة، أو يطالبها أحد بالرحيل، من غير أن تنجز غير ما نعرف وتعرفون من مآثر وزرائها، وبالتحديد من غيرأن تنجز اتفاق الطائف؟!
إذا كان تشكيل هذه الحكومة خطأ، نتيجة أمر دبر بليل، فإن رحيلها من دون إنجاز الطائف، خطيئة مميتة لهذا الحكم ولاحتمالات الحل السياسي العتيد للحرب المفتوحة (إلى الأبد) في لبنان.
ولعل أصحاب المبادرات (الفاتيكان وفرنسا) يطرحون مسألة الحكومة من هذه الزاوية… فبدلاً من التصدي مباشرة لقتل اتفاق الطائف وتحمل النتائج (محلياً وعربياً ودولياً) نراهم يحاورون ويداورون لعل بعض أهل الحكم، أو لعل خلافات أهل الحكم، تتصدى لاغتيال اتفاق الطائف أو لإجهاضه أو لنسفه من الداخل، وكان الله يحب المحسنين.
ولعل عودة الأخوين “س” تصب في هذا المجرى، خصوصاً وإن بعض الرواة يحرصون على التأكيد إن الدكتور جورج سعادة قد رفض وما زال يرفض ربط “عودته” إلى الحكومة بالذهاب إلى المجلس لإقرار التعديلات الدستورية إياها،
والبعض يقول إن بعض الطوائف قد أخذت من اتفاق الطائف ما يرضيها، وإنها لم تعد معنية بتنفيذه فعلياً، فلقد نالت نصيبها من الغنم تاركة الغرم لغيرها، كالعادة.
والكلمة، بعد، للمجلس النيابي، ورئيسه،
مع أطيب التحيات للمبادرة الفاتيكانية وشقيقتها – التوأم المبادرة الفرنسية، وصولاً إلى الجهد المشكور للجنة العربية الثلاثية الذي ننتظرعلى أحر من الجمر ثماره الشهية، وهي غاية المنى وهدف الدعاء والرجاء،
الحمد لله، من قبل ومن بعد..

Exit mobile version