طلال سلمان

على الطريق تذهب على الحرب أو تأتي إليك إسرائيل!

بعد ثلاث سنوات من الحرب الرابعة تبدو القبائل العربية الحاكمة منهمكة أشد الانهماك في كل أنواع القتال التي تمنع ذهابها إلى الحرب الخامسة:
*الحكم السوري يهمل الجولان ويسير جيوشه إلى لبنان ليضرب المقاومة الفلسطينية بحجة إنها شغلت نفسها عن، مغتصب وطنها، العدو الإسرائيلي.
*والمقاومة الفلسطينية تقفز من فوق اتفاق سيناء لتستجير بالحاكم المصري فيطالبها بالاعتذار عما قالته فيه وفي الاتفاق الذي يلغي حلم فلسطين كونه يلغي دور مصر، وبكلمة أخرى يلغي الحرب الخامسة، وليس لمصر ودورها من بديل.
*والحاكم المصري يتابع في هذه الأثناء حربه ضد الثورة فكرة ورجالاً وذكريات أيضاً، فيغتال اسم عبد الناصر ويحشد جيشه (والجيش السوداني) على الحدود مع الجمهورية العربية الليبية ، ويراسل صائب سلام وبيار الجميل طالباً إليهما وقف المؤامرة على فلسطين، الثورة والقضية!
*أما الحاكم الجزائري فيذهب غرباً ليصل إلى الشرق عبر الأطلسي! وفي صحراء الذهب بزوغ منه البصر فيرتطم بأخيه صاحب المغرب، ويقبع الرجلان هناك وكل متربص بصاحبه… وفلسطين في القلب وبرامج الإذاعة والتلفزيون.
*ومع المملكة العربية السعودية تبلغ المهزلة قمتها المأساوية فنراها “تغضب” من الحكم السوري، على ما قالت الأنباء، ثم نراها تعبر عن غضبها وعن انتصارها لفلسطين ولثورتها بسحب كتيبتها اليتيمة الموجودة على الجبهة السورية في مواجهة العدو الإسرائيلي.. مع التذكير بأن بين الكتيبة والحرب قرارات مجلس أمن وأمم متحدة وقوة طوارئ دولية وبوابات مفتوحة لجمع الشمل.
والمفارقات الطريفة كثيرة إذا توغلنا في تفاصيل اللعبة العجيبة الجاري أداؤها على الساحة اللبنانية:
فزعماء المسلمين في لبنان بذهبون إلى أرض الحرمين فيشكون إلى من في الطائف والرياض وجده ظلم “جماعتهم” الموارنة، ويطلبون شفاعتهم لهم لدى كميل شمعون والكتائب وجيش التحرير الزغرتاوي!
… ومع اليأس من السعوديين يقصد كمال جنبلاط فرنسا ليشكو إليها السوريين.
هذا بينما زعماء المسيحيين في لبنان يعلنون بلهجة شامية فصيحة رفضهم للتدخل الفرنسي مؤكدين رفضهم لأي مبادرة لا تنبع من المبادرة السورية ولا تصب فيها.
بعد ثلاث سنوات من الحرب الرابعة يبدو واضحاً وبجلاء قاطع الخيار الوحيد المتاح أمام العرب: يذهبون إلى الحرب الخامسة أو تأتي الصهيونية إلى أقطارهم فتجتاحها اجتياحاً، وإن اتخذت في كل قطر التسمية التي تلائمه.
فهي الانعزالية الطائفية في لبنان، وهي الإقليمية بل العنصرية الفلسطينية التي تمتد لتشمل قطاعات أوسع من شعب فلسطين العربي “بفضل” تآمر الأنظمة العربية الدائم والمتصل على قضيته، بل وعلى حقه في الحياة.
وهي الإقليمية النفطية في كل أرض عربية غنية بالذهب الأسود فقيرة بالرجال والأفكار وإرادة التغييير.
وهي الانفصالية، أي الإقليمية التي يتبرع بعض أدعياء التقدمية لتبرير عدائها للوحدة، في الأقطار التي تحكمها أنظمة تسمى “وطنية وتقدمية”.
… وهكذا تنتقل إسرائيل إلى الداخل وتتوغل في الجسم الضعيفة مناعته، تتوغل بهدوء وبلا احتجاج بل ربما بشيء من القبول حتى لا نقول الترحيب: كما في جنوب لبنان، عبر صهريج ماء ومستوصف يستقبل المرضى… مرضى الجسم ومرضى الضمير الوطني.
القاعدة هي هي منذ 1947، بل منذ 1917: تذهب إلى إسرائيل المشروع ثم الدولة أو تأتي إليك مقتحمة.
فإن أنت ذهبت إليها انتصرت عليها (وتجربة 1973، على بؤسها، ناطقة).
وإن أنت قعدت هزمتك لأن قعودك عن قتالها تسليم بها فاستسلام لها فتحول إلى ما يماثلها، وهذا هو لبنان شاهد و… شهيد!
… ولأن هذه الأمة تؤمن بنفسها، ولأن لها من تاريخها ومن أصالتها ما يعصمها من أن “تتصهين” برمتها، بالمئة وأربعين مليون إنسان، بآلاف آلاف الشهداء الذين قدموا أرواحهم في فلسطين ولها أو باسمها.
لهذا كله نؤمن مع محمود درويش بأن فلسطين ستأخذنا، في النتيجة، إلى الحرب الخامسة، أي إلى الحرية والاشتراكية والوحدة.
فالزمن، بعد، فلسطيني،
والقرار فلسطيني.
… حتى لو أخطأ الفلسطينيون في التوقيت أو في التخطيط أو في الإخراج!

Exit mobile version