طلال سلمان

على الطريق تداعيات … خارج الحرب!

… وعلى فرض إنها الحرب، وعلى أرضك، وبدمائك بعد مالك، فما شأنك أنت بمسائل على هذا القدر من الخطورة والأهمية و”السرية” والتعقيد المنهك؟!
لماذا التعب والسهاد والقلق المضني، طالما أن الأمور ستصلك “خالصة مخلصة” عبر بلاغ تبثه الإذاعة على موجاتها العاملة كافة، قبل أن تجيئك بالصوت والصورة (الملونة) عبر الشاشة الصغيرة؟!
ومع إن العرب جميعاً، بمن فيهم العراقيون، متفقون على أن الحرب ليست في صالحهم وإنها ستكون كارثة قومية دهماء قد تذهب بالأمة ذاتها وتمزقها أيدي سبأ، فقد تقع الحرب وليس عليك إلا تقبلها كقدر “مكتوب على الجبين ولازم تشوفه العين”.
ليس مهماً ما يراه العرب، ملايين الملايين من العرب، فقرار الحرب أخطر من أن يترك إلا لفرد مفرد ولواحد أحد لا شريك له يقول هي الحرب فتكون، أو يقول هو السلام فيكون، وعليك الصدوع لإرادته وتنفيذ أمره الذي لا يرد ولا حمل ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
وبعيداً عن السياسة وحساباتها فإن حديث الحرب بحد ذاته يشكل أعظم إهانة للمواطن العربي، إذ هو يعكس مدى الاستهانة به كإنسان، بحاضره ومستقبله، بتاريخه وجغرافيته، بأحلامه وأمانيه وطموحاته ووجوه ضعفه كشوقه إلى الحب والخير والجمال.
يبدو المواطن العربي، في ظل حديث الحرب، على حقيقته في عين الحاكم وصاحب الأمر: مجرد صفر مكعب. مجرد شيء، مجرد كم مهمل، بعض قطيع يعد بالملايين، لا رأي له ولا حول له، لا دور له ولا حساب ولو في باب الضحايا.
تتظاهر الدنيا من حوله، يقول البشر بلغاتهم المختلفة رأيهم. تهتف الشعوب البعيدة عن “أرض النزال” بهتافات تعب من احتباسها في صدره. “ويتفرج”! وقد تأخذه الحماسة فيهتز فوق كرسيه فرحاً أو شماتة بالحكام الذين يتحدثون عن الحرب وكأنها نزهة، أو “جراحة بسيطة” لاستئصال كيس شعر!
… وعلى فرض إنها الحرب، وعلى أرضك وبدمائك، فما شأنك أنت أيها المصنف ضحية من قبل أن تولد؟!.
الشارع بعيد جداً، بينك وبينه حقل رماية، و”القصر” في منزلة المستحيل، وشبح الموت العبثي يطاردك حيثما توجهت فإلى أين المفر، غير كهف الصمت وقبر العجز المطلق عن الفعل والتأثير بالقبول أو بالاعتراض أو حتى بالحياد التافه؟!
الشارع مساحة من الفراغ والفزع تفصل بينهما “المؤسسات” التي استولدت لتكون مثل زهور الزينة، توهمك بالحياة حيث لا حياة، وتموه بالشكل افتقاد المضمون والعطر المنعش لذاكرة الحب وذكريات الأيام السعيدة،
… و”القصر” مقصلة للأفكار والآراء والألسنة، والمذياع هو “المخبر” الصادق سيما متى كانت لغته غير العربية، أما التلفزيون فهو صندوق الدنيا يقدم لك “صحن” الأسرار عارية، ويخبرك عما يدور في الشارع، تحت منزلك، وفي القصر، فوق رأسك، وتخاف من “شبكاته” التي تغطي السموت والأرض، فتبادر إلى إطفائه حتى لا يكشف ما في رأسك أيضاَ!
… وعلى فرض أنها الحرب، وعلى أرضك وبدمك، فما شأنك أنت أيها اللا أحد والكثيرة نسخك إلى حد إنها بلا أسماء ولا تاريخ ولا قيد؟!
كل علاقتك بها بعض الرز والسكر والدقيق وبعض البنزين لترف التنقل والاطمئنان على بقية أفراد الأسرة أو لشراء مزيد من الأرغفة وقارورةغاز وبعض المازوت لتدفئة الأحلام المغتالة؟!
الحرب خطاب، و”السلام” خطاب، وما بين الخطابين مجموعة من الأناشيد الطبولية الكلمات، وبعض الموسيقى العسكرية المدرة للصدام، وأنت مصلوب حي تنازل على مؤشر المذياع وهو يجرجرك بين مذيع متهدج الصوت ومذيعة متعجلة الخروج إلى العشاء، وكلاهما يبلغك نعي بلادك وأهلك، حاضرك ومستقبلك المنشود! تسمع اسمك فتفتح كفيك وتقرأ الفاتحة، وتلوي راسك لإشهار موتك حتى لا يتهمك من في “القصر” إنك تلومه أو تفكر بمحاسبته أو تنكر عليه براعته وخلود قيادته الفذة التي أتت بما لم يأته الأوائل والأواخر.
… وعلى فرض إنها الحرب، وعلى أرضك وبدمك، فما شأنك أنت أيها الذي لا شأن لك؟
أنت خارج الحرب وأنت حي، وخارج الحرب وأنت ميت. خارج الحرب إن قاتلت، وخارج الحرب إن قتلت، وخارج الحرب إن لذت بالفرار… وأنى يكون فرار من الذات والتاريخ والأرض التي تسكنك؟!
أنت خارج القرار وخارج النتائج. خارج الثروة وخارج الحكم. خارج “الداخل” وخارج “الخارج”. أنت اللاشيء في اللامكان. لا “هو” يحس بوجودك إلا كوجه في الزحام، في حشد الهاتفين “بالروح بالدم”، في انعكاس صورته ذات الوهج على جماهير المؤمنين به، ولا “هم” يحسبون لك حساباً أو يقيمون لك وزناً. أنت تخاف “منه” ربما بأكثر مما تخاف “منهم”. فهو قد يخاف “منهم”، و”هم” قد يخافون من “أمثالك” في بلادهم. وأنت صريع الخوفين، لا تخفيفه ولا تخيفهم ولا تستطيع حتى إشعار “الخائفين المخيفين” في الدول الأخرى أنك معهم وأنهم يعبرون عنك حين يهتفون ضد الحرب والمتوسلين الحرب طريقاً إلى الزعامة والهيمنة على دنياك أو على الكون بأسره.
هل يربح قطيع من اللا أحد حرباً؟!
الحرب ليست مجرد جنرالات وخرائط وطائرات ودبابات وصواريخ برؤوس كيماوية وبيولوجية ونووية.
الحرب صراع إرادات، في ما يقولون، فكيف يمكن أن يكسبها من يعدم إذا ما ثبت أنه “يحتفظ” بإرادته ويخفيها عن “العيون الساهرة” وقد “يهربها” من صدره إلى رأسه بل وربما إلى يده والعياذ بالله؟!
وكما لا ينتصر الجيش من دون أمته، ومن خارج قدراتها واستعدادها ووعيها وإيمانها بمبررات الحرب واهدافها الواضحة التأثير على وجودها ومكانتها تحت الشمس، فلا يمكن أن ينتصر قائد يباغت أمته بقراراته المصيرية المهلكة عبر الإذاعة، وكأنها هدايا بابا نويل.
ولا أمل للعرب بربح أي حرب، في الداخل أو في الخارج، طالما هو غائبون بل مغيبون قسراً عن قرارها.
… وعلى فرض أنها الحرب، وعلى أرضك وبدمك فما شأنك أنت أيها المنتحل صفة المواطن حيث لامواكن ولا وطن خارج “الحاكم”؟!
لكنه العراق،
والعراق أغلى من أن يقبل أحد بضياعه نتيجة القرار الخطأ أو الحساب الخطأ؟!
ومن أجل العراق، وبالتالي الأمة، يجب أن يرتفع الصوت “العربي” برفض الحرب، فماذا ينفعنا أن نخدش “الإمبريالية” إذا كان الثمن تمزق الأمة انطلاقاً من عراقها العظيم؟!
فهل يكون منها الحرب فرصة لإثبات وجود الممنوع وجوده أصلاً: أي المواطن العربي؟!

Exit mobile version