طلال سلمان

على الطريق تحية لهم… وإلى معركة منتصرة

بين الخيانة والصمود القومي بحر من الدماء والجثث والركام وحطام الطائرات والدبابات والأشجار المثمرة وحقول القمح المحترقة وعيون الأطفال الموتى المفتوحة على لا أحد ولا مدى ولا زمن.
والتصدي قرار كما الخيانة، والنصر قرار كما الهزيمة: تقاتل الأمة فتكون حتى لو سقط الشهداء أفواجاً، بل إن سقوطهم هو العاصم من الهزيمة وهو ثمن النصر وشرطه ودربه القومي.
أعظم من الخسائر بالغة ما بلغت هو القرار بالقتال: بمواجهة العدو ومواجهة الذات ومواجهة النتائج مهما كانت مفجعة، لأن الخيار الآخر هو الموت البطيء إلى حد الانطفاء والانقراض.
وفي “حرب المعاهدة” التي يشنها العدو الإسرائيلي يكتسب القرار بالمواجهة بعد الوعد بغد أفضل، بل بغد مجرد غد من أي نوع، لأن الاستسلام يلغي الحاضر والمستقبل إضافة إلى ذكريات الماضي المجيد.
فـ “المعاهدة” لا تعيش الحرب، لاسيما الحرب الطويلة والمواجهة المتعددة الجبهات والأشكال والأطوار والأسلحة.
“المعاهدة” مناخ يستشري ويتجذر ويفرض منطقه في هداة “السلم” المفروض بالرعب من الحرب وبالعجز عن مواجهة قرارها.
و”المعاهدة” مؤامرة تحتاج صمتاً وخدراً وتبلداً في الإحسان وتعوداً على الذل والاستكانة و”تطبيعاً” لكل ما هو ناشز وكريه ومستنكر ومستفظع إلى حد التحريمز
“المعاهدة” تكون وتفرد ظلالها وتتم فصولاً في ظل مدفع واحد – وإسرائيلي – يقذف حممه على المعارضين والمعترضين والرافضين جميعاً فينشر جواً من الرعب بين المحيط والخليج يتذرع به “عرب إسرائيل” إضافة إلى “عرب أميركا” ليوقعوا معذورين بكونهم وحدهم في الساحة ولا نصير!
أما إذا نطقت المدافع العربية الخرساء فلسوف يتغير كل شيء: نخسر بيوتاً كثيرة، وقرى ومدناً ونفقد أحباباً وأصدقاء ورفاق عمر، تتفجر لنا طائرات وتغرق بواخر وتدمر سيارات وآليات، لكن “المعاهدة” ستستحيل وبالتأكيد إلى جثة، وسينتهي معها أصحابها والمنتفعون بها في الداخل والخارج.
لا بأس أن نخسر بعض رجالنا الشجعان، بعض طائراتنا، بعض القدرات، فكل هذا يمكن تعويضه، وبأسرع مما يتصور اليائسون، فالأمة حية بعد وهي لا تمارس حضورها الحقيقي إلا في جو القتال.
لا بأس أن نهزم في معركة، معركتين، ثلاث، ولكن ماذا عن الرابعة والخامسة والسادسة والمئة؟!
إلى متى تستطيع إسرائيل أن تحارب دون أن تتسبب حربها في إسقاط السادات ومعاهدته وكل الوعود الكاذبة التي قطعها لشعبه عن الرخاء الآتي من الخيانة وبيع الأوطان بالجملة؟!
وإلى متى يستطيع المترددون من العرب أن يستمروا في التلطي وراء أصابعهم وأوهام السلام الأميركي العائم فوق بحور النفط وأرصدة شيوخه المجمدة والموقوفة على خدمة أعداء العرب جميعاً بمن فيهم أثرياء الزمن الضائع؟!
إلى متى يستطيع مستعرضو أسباب قوتهم، من العرب، في غير ميدانها أن يستمروا في هذه اللعبة القذرة بينما السماء العربية مفتوحة والأرض العربية مفتوحة والثروات العربية مفتوحة أمام العدو الإسرائيلي – الأميركي؟!
إلى متى يمكن أن يستمر اللعب بدماء هذه الأمة وبمصيرها وبوجودها ذاته وكان بشرها ليسوا من البشر وأرضها ليست أكثر من حفنات من الرمال وتاريخها ليس أكثر من وريقات صفراء؟!
حسناً، سيقال إن الجيش العربي السوري خسر بعض الطائرات، لكن الأمة كلها ستسأل الآخرين: أين كنتم أنتم حين قاتل السوريون (واستطراداً الفلسطينيون واللبنانيون)؟!
وسيقال إن المواجهة توصل إلى نتيجة معروفة سلفاً وهي تأكيد التفوق العسكري الإسرائيلي،
لكن الأمة كلها ستسأل الآخرين: وماذا أعطيتموني بهربكم الدائم من المعركة؟! ماذا جنيت من خيانتكم وتقاعسكم وعجزكم المقيم؟!
إن شرف المحاولة هو بداية الطريق إلى نصر موعود،
أما الاستسلام فليس أكثر من حكم بالإعدام على الأمة،
ولن تموت هذه الأمة طالما فيها مواطن واحد يعمر صدره بإرادة القتال، فالقتال هو المطلب وهو الأمنية وهو هو المجد،
وتحية للجيش العربي السوري ولنسوره،
تحية للطائرة العربية وللطيار العربي وللمقاتل العربي، في كل أرض،
وإلى معركة منتصرة غداً، وبعد غد،
المهم أن نبدأ، المهم أن ينتهي عصر الرعب الأخرس.
المهم أن نبدأ نحن حربنا على “المعاهدة” بدل أن نبقى مجرد ضحايا لها سواء أكنا قتلى أم أحياء يرزقون… بل لاسيما إذا كنا أحياء يرزقون، ويرزقون بغير حساب!

Exit mobile version