طلال سلمان

على الطريق تحية لأبطال فنوم بنه!

كثيرة وعظيمة ومجيدة هي الدلالات والدروس والعبر التي يمكن للشعوب المقهورة في أربع رياح الأرض أن تستخلصها من هذه المعركة المشرفة التي تخوضها شعوب فيتنام وكمبوديا وتايلاند، ضد أعتى قوى القهر الاستعماري في التاريخ الحديث.
وسيكون إنسان ما تبقى من هذا القرن وإنسان القرن الحادي والعشرين، مديناً لهذه الشعوب المناضلة في جنوب شرقي آسيا بمستقبله الأفضل الآتي بلا ريب، والآتي بفضل تضحياتها الهائلة وبطولات ثوارها – الأساطير.
على إن معركة تحرير فنوم بنه، عاصمة كمبوديا ، حملت بين طياتها مجموعة من التفاصيل المثيرة لنا كعرب… وهي تفاصيل موحية وإن كانت تجرعنا كأس المرارة حتى ثمالتها.
من تلك “التفاصيل” الترابط والتوافق والتزامن بين “دخول” الثوار و”خروج” الأميركيين.
إن التحرير يعني، أولاً، إخراج قوى الغزو الأميركي، سواء أكانت على شكل خبراء ومستشارين، أم على شكل مشأة البحرية وجنرالات البنتاغون، أم حتى على شكل سفارات محصنة ومحمية بالمدافع الثقيلة والمرتزقة وعملاء المخابرات المركزية.
والتحرير يعني، ثانياً، هرب العملاء والجواسيس والخونة ممن توهموا إنهم قادرون على إلحاق الهزيمة بإرادة شعوبهم عن طريق “التحالف” مع المستعمر الأميركي و”الثقة” بقدرته السحرية على إخضاع الكون لإرادته..
إنه مشهد بليغ هذا الذي قدمته لنا معركة تحرير فنوم بنه: فالعملاء سابقوا المحتلين إلى الطائرات الراجعة من حيث أتت..
ومن المنطقي أن يكون حرص العميل على الهرب من مواجهة شعبه أشد وأقوى من حرص جنود الاستعمار وممثليه الذين هم – في نهاية الأمر – رعايا دولة أخرى.
ومن المنطقي أيضاً أن يحتفظ الاستعمار بنماذج من الحكام تكاد تنقرض، ففي متاحف الغد ستتفرج الشعوب على “مساطر” من الحكام الذين أقامتهم حراب الغزاة في سايغون وفنوم بنه وعواصم أخرى كثيرة!
… والمقارنة بين ما يحدث في أرضنا العربية وما يحدث في الهند الصينية تستفز الحجر:
فعندنا يريدوننا أن نصدق إن مجيء الأميركيين، لا خروجهم، هو الدليل البين على التحرير،
وإن عودة العملاء والأجراء والمرتزقة والجواسيس إلى مواقع السلطة والنفوذ والتوجيه، هي من قبيل التقنين وهو التكريس الشرعي لمعركة التحرير ونتائجها الباهرة!
… أليست هذه، وما شابهها وماثلها من وقائع معجزات العزيز هنري، مؤامرة على عقولنا، إضافة إلى كونها مؤامرة على السيادة والأرض وحقوق الشعوب وكرامة الأمة؟
… ويا محرري فنوم بنه: تحية لكم في يومكم العظيم… وإلى اللقاء رغم كل شيء، رغم كل شيء.

Exit mobile version