طلال سلمان

على الطريق تحية إلى شهداء الدامور تعالوا إلى النوار..

… والآن الدامور، اسم جديد يفرض على ذاكرة العالم باعتبارها إحدى نقاط التوتر الساخنة التي تهدد السلام العالمي..
وماذا في الدامور غير حفنة من الفتية الذين باعوا حياتهم لحلم سني، لوعد بغد لا تغير على شمسه طائرات العدو الإسرائيلي ، لزهرة ليمون تستطيع أن تنثر أريجها في أرض لا تشق صدرها قذائف الحقد العنصري المزينة بنجوم العلم الأميركي..
وكيف السبيل إلى السلام ونحن محاصرون بقرارين متناقضين فإسرائيل تريد لنا الموت في الدامور كما في أي بقعة أخرى، وتبعثه إلينا عبر الهواء وعبر الماء حتى لا يبقى إلى النجاة سبيل. والولايات المتحدة الأميركية تمنعنا من الموت وتعتبر رغبتنا وإصرارنا عليه تحدياً لإرادتها العظمى وإعلاناً للحرب على حضارة الغرب وقتدمه وأسباب استقراره.
وحتام نبقى معلقين في ذلك السديم الأغبر ممنوعة علينا الحياة بالقرار الإسرائيلي، ومحرومين من شرف الشهادة بالقرار الأميركي، ومرفوض أن نظل بين بين لأن وضعنا المضطرب يهدد سلامة منابع النفط وممراته؟
أفلم تجد الولايات المتحدة الأميركية في استشهاد تلك الكوكبة من المتطوعين العرب، ليبيين ويمنيين وفلسطينيين، إلى جانب أخوتهم اللبنانيين في الدامور عنصراً مقلقاً من شأنه أن يزيد الاضطراب ويهدد السلام في منطقة يراد لها الهدوء المطلق الذي يضعها على حافة الموت ويستعير لها سكونه مع استمرار حركة الشهيق والزفير والقدرة على تحريك اليد بالتوقيع أو بالبصم على صك الصلح مع العدو الإسرائيلي؟
وللمناسبة، بأي حق يجيء هؤلاء الليبيون وأولئك اليمنيون إلى الدامور؟ وممن نالوا الإذن بالموت؟ وهل بلغ التسيب في هذه الدنيا المزروعة الفضاء بالأقمار الصناعية وطائرات التجسس حد أن يقرر الإنسان بإرادته الحرة متى وأين وكيف يموت؟
عجيب أمر هؤلاء الليبيين واليمنيين والفلسطينيين والسوريين بل عجيب أمر هذه القلة المشاغبة من العرب المتناثرة هنا وهناك.
إنها تمارس إزعاج العالم في حياتها كما في موتها.ز
على أن الليبيين هم الأكثر إزعاجاً وصخباً. إنهم يتحدثون عن الثورة في زمن النفط ويسخرون ثروتهم لشراء آلات الدمار والقتل بدل أن يتمثلوا بـ “إخوانهم” من الأمراء والسلاطين والشيوخ العقلاء الذين يحسنون توظيف ثرواتهم في خدمة تقدم الإنسان ومتعته التي لا حدود لها..
لقد كانت الطائرات الإسرائيلي تمخر سماء لبنان بوداعة مرة أو أكثر في اليوم تطمئن فيه على الرخاء والازدهار، على حركة العمران وتزايد بناء الفنادق والملاهي والمراقص والوكالات الممثلة للشركات الأجنبية ومكاتب العلاقات العامة والاستشارات والخدمات وما إلى ذلك، ثم تعود كما جاءت بسلام تاركة الناس لأعمالهم ومتعهم ومباذلهم والتفتيش عن مزيد من مصادر الربح الحلال..
وحتى حين كانت هذه الطائرات تتدخل لقمع مخالفة هنا أو لضرب جماعة من المشاغبين هناك فإن الرد لم يكن يزيد على العويل والنحيب والتهديد بقبضات اليد الفارغة إضافة إلى شيء من القصف بالخطب والبيانات والتصريحات والافتتاحيات المليئة بالكلمات ذات الدوي الراعد…
وهكذا حتى وصلت الأسلحة المستوردة من بلاد الكفر والالحاد والمبادئ الهدامة عن طريق السوريين والليبيين وغيرهم من عتاة المتطرفين والماركسيين المتشددين.
فمع وصول “عائلة سام” الشريرة والمعادية للحضارة والتقدم الإنساني لاسيما في مجال ارتياد الفضاء والكشف عن أسرار الأرض ومن عليها جاء الخطر فحط رحاله في لبنان الأخضر وكان طبيعياً أن تباشر إسرائيل مكافحته بلا هوادة…
فأما إسرائيل فمعنية بلبنان وشعبه وجوداً ومصيراً، معنية بوحدة أرضه ووحدة شعبة ووحدة مؤسساته ومن ثم دولته، معنية بهوية هذا الشعب وانتمائه القومي شريكة له في السراء والضراء. وأما السوري والفلسطيني فغريبان وطامعان فكيف إذن بالليبي وذاك الخطر الخطر، اليمني؟
وحتى مع الافتراض أن ثمة مشكلة تستدعي علاجاً في لبنان سواء أكانت بين طوائفه أو بينه وبين جيرانه، فمن كلف الليبي أو اليمني بحلها؟ وهل يكون بين هؤلاء الأعراب الوافدين إلى لبنان بسلاح الموت والتدمير من هو أقدر على حل المشاكل وإيجاد الحلول الملائمة من فيليب حبيب هذا الدبلوماسي المجرب والعتيق والمدرب والمفوض من قبل رئيس الرؤساء طرا وملك الملوك جميعاً رونالد ريغان؟
ثم إن فيليب حبيب هو في نهاية المطاف متحدر من أصل لبناني أي أنه يمثل ذروة طموح عرب النفط فهو يحمل ذلك الجواز الساحر وينطق الإنكليزية بتلك اللكنة المحببة كما في “أفلام الوسترن” من غير أن يقطع صلته تماماً بمسقط رأسه.
فهل ثمة نموذج أوضح وأكثر إشراقاً للوطنية والقومية وحتى التقدمية التي يتباهى بها المتباهون من المنادين بالعودة إلى الماضي والأصالة وتحقيق الذات..؟
هذا هو الطريق: شراكة الدم ورفقة السلاح في مواجهة العدو الواحد.
وهو هو الطريق: التقدم إلى وحدة لبنان كما إلى وحدة العرب جميعاً.
ولأن العدو الإسرائيلي يعرف ذلك جيداً فقد قصف الدامور ومن فيها بأعنف ما قصف أنه يريد أن يحول لحظة الميلاد المتجدد إلى مقبرة للفكرة المخيفة. إنه يريد أن يضرب بذرة الوحدة قبل أن تبلغ عنان السماء.
وفي الوصية التي تركها أولئك الفتية البررة أن “بلغوا الأهل إننا قد بلغنا مقصدنا، وإننا قد حققنا الهدف الذي من أجله جئنا”.
وفي الوصية أيضاً تركوا ما يفيد “إننا إنما استشهدنا أيضاً من أجل أن يعود أهل الدامور إليها فلا يمكن أن يأمن الداموريون على أنفسهم أحداً. والقتال واحد. والهدف واحد: العودة.
وفي الوصية أيضاً كتب الشهداء يقولون “لقد اكتشفنا سلاحاً أقوى من صواريخ سام في المواجهة إنه الدم العربي، فالدم أقوى من السيف أقوى من الميراج، أقوى من الفانتوم، أقوى من الأواكس، أقوى من المحيمة عروشهم بها.
الدم هو الأقوى.
وبالدم يبقى لبنان إذ يستعيد اعتباره لنفسه واعتباره لرابطة انتمائه إلى أمته المجيدة.
وبالدم يتم إسقاط الإرادات المفروضة علينا قدراً والتي تحرم علينا الحياة وتمنعنا من الموت حتى لا نهدد منابع النفط وممراتها الاستراتيجية.
وتحية إلى حقول رباها.
إلى شجيرات الموز تظلل بالأكاليل هامة الشهداء، إلى غابة أشجار الليمون وهي تزهر مرة أخرى لتعطي ثمراً جديداً شهياً.
تحية إلى كل هؤلاء الذين يسقطون ليهبوا سائر العرب ما هو أغلى من الحياة.. ليهبوهم شرف الحياة.
ويا أيها المشاغبون العرب، يا أيها الرافضون أن تعيشوا كما أنتم والممنوعون من أن تعيشوا كما يليق بإنسان القرن العشرين، تعالوا إلينا في لبنان تعالوا إلى الدامور إلى النبطية إلى الشقيف إلى صور إلى كل شبر في الشمال والبقاع والجبل والساحل وبيروت.
تعالوا لنصنع معاً الحلم السني.
تعالوا لنحقق معاً ذلك الوعد بغد بهي.
تعالوا إلى الموت من أجل الحياة وإلا خسرتم شرف الحياة من دون أن تكسبوا شرف الشهادة.
لن تضيعوا.. اسألوا عن النوار أو اتبعوا مسار الأريج، أريج زهر الليمون.

Exit mobile version