طلال سلمان

على الطريق تحارَب أو تحارَب!

كيف يمكن فهم هذا الذي يجري بعيداً عن الذرائع والتبريرات الأميركية والغربية، التي تكاد تصبح – ومع الأسف – مسلمات في أنحاء كثيرة من الدنيا، وفي مواقع “عربية” مسؤولة وحاكمة؟!
هل هي بالفعل حرب أميركية، ومن ثم غربية شاملة على “الإرهاب”، باعتبار إن واشنطن هي المسؤولة الآن عن أمن العالم أجمع؟!
وهل هي عمليات انتقامية أو تأديبية ترد بها القوة العظمى على من تجرأ فمس هيبتها أو هدد أمن مواطنيها أو مصالحها “القومية”؟!
أم هي حرب أميركية، ومن ثم غربية، على الاتحاد السوفياتي ومن معه، كما يحاول البعض تصويرها متجاهلاً استهدافاتها المباشرة وضحاياها وكلهم (بالمصادفة!!)، عرب، حتى إشعار آخر على أقل تعديل؟!
هل هي حرب تريد منها الولايات المتحدة بزعامة ريغان إنهاء الثنائية الدولية وشطب الاتحاد السوفياتي كقوة عظمى، ولو ثانية، والاستفراد بالعالم كله الواقع خارج نطاق الإمبراطورية الروسية القديمة؟!
أم إنها، وببساطة، كما يقدمها أصحابها : حرب الغرب كله على العرب كلهم، يجيء توقيتها متوافقاً مع “نضوج” الأوضاع في مشارق الأرض العربية ومغاربها للتغيير في الاتجاه المعاكس لطموحات العربي العادي وحقه في غد أفضل…
إن زعماء الولايات المتحدة الأميركية ومعهم كبار المسؤولين في بريطانيا وفي ألمانيا الغربية، وبالطبع في إسرائيل، يقدمون حربهم الجديدة ضد سوريا، الآن، على إنها حلقة في سلسلة تشكل بمجموعها الهجوم المضاد على المعطيات التي وفرت إمكان إقدام العرب على شن الحرب ضد إسرائيل لاستعادة بعض أرضهم المغتصبة وبعض كرامتهم المهدورة.
والوقائع تقطع الشك باليقين:
فحرب النفط، في حجم الإنتاج وفي السعر وفي توفر المشترين،
ومعها المجاهرة بتجميد الودائع بما يخرجها من دائرة الفعل تماماً، ولو كثمن لسلع تشترى من الغرب وبرضاه،
والحرب الأهلية في لبنان بطورها الجديد، وبالتحديد بعد 15 كانون الثاني الماضي وإجهاض الاتفاق الثلاثي،
ومن قبل: الغزو الإسرائيلي للبنان الذي شطب الكفاح المسلح الفلسطيني وأسقطه من المعادلات السياسية في المنطقة في ظل القيادة التي احترفت التكتكة حتى أضاعت الاستراتيجية والقضية.
وأخيراً وليس آخراً العدوان الثنائي على الجماهيرية العربية الليبية قبل ثلاثة أسابيع،
هذا بغير أن ننسى كمب ديفيد والسادات والصلح المنفرد وشطب مصر كطرف عربي قادر وفاعل وأساسي في الحرب والسلم،
وبغير أن ننسى مواقف الساداتيين الآخرين بين الحكام العرب، الذين زينوا للسادات خيانته ثم أسسوا عليها وانتوا بأن طالبوا بتجاوزها، بعد زواله، واستعادة مصر التي ينكرها أهلها لشدة ما ابتعدت عن ذاتها وموقعها ودورها وهويتها الأصلية.
أليست هذه جميعاً حلقات في سلسلة واحدة شكل الغزو الإسرائيلي للبنان إحدى ذراها وها نحن الآن في مواجهة ذروة ثانية لها، ربما يراد أن تكون نقطة النهاية لمرحلة كاملة؟!
إنها حرب الغرب كله على العرب كلهم،
ولا بريء، بيننا، في نظر الغرب، والغرب شمل بالضرورة الولايات المتحدة وإسرائيل،
فالكل عدو في العين الإسرائيلية، الغني كما الفقير، الحاكم الخائن أو السياسي المفرط كما المقاوم بالسلاح،
والولايات المتحدة ترانا بالعين الإسرائيلية، فكيف يكون الصلح إذن ومتى؟!
فلنهتم بموقفنا وموقعنا من هذه الحرب التي لا مهرب لنا منها،
أما السوفيات فلنترك لهم أن يقرروا موقفهم وموقعهم، فلماذا نطالبهم الآن، والآن فقط، بتحمل المسؤولية المطلقة عنا، بينما لم نقبل في أي يوم أن نتحدث في المصيري من شؤوننا إلا مع الغرب، والغرب وحده، ومع واشنطن بالتحديد؟!
.. وها هو الغرب يتقدم الآن لحمايتنا من أنفسنا، بعدما خولناه حق حمايتنا من الأفكار المستوردة والالحاد والسلاح الكافر والحمر الهدامين!!
لقد تصرفنا معه دائماً كقاصرين وفوضناه أمرنا جميعاً، ثرواتنا وأمن أنظمتنا ورغيف الخبز الذي يحتاجه جياعنا.
.. وهكذا أفقدنا أنفسنا حقنا في الاعتراض عليه حتى وهو يشهر علينا الحرب، ولا مفر..
ومن جديد يفرض علينا الخيار مجدداً: نبقى أو نزول، نؤكد جدارتنا بالحياة وبالأرض أم نعطي الغرب سبباً إضافياً لإزالتنا كقوة، كأمة، كمشروع مستقبلي، بالأنظمة جميعاً، بالعشائر والقبائل المسلحة، بالطوائف والمذاهب المتناحرة، وبالعقادئيين الضائعين؟!
والجواب على هذا السؤال، ومثله كثير، لا يقرر فقط موقعك من الحرب، بل يقرر نتائجها أيضاً،
ومن جاءته الحرب فهرب منها لحقته ولا منجي أو نجاة!

Exit mobile version