طلال سلمان

على الطريق بين نوّار 1948 وأيار 1983

بين أيار 1948 وأيار 1983 يبدو وكأن التاريخ قد دار بلبنان (وسائر العرب) دورة كاملة في ما يخص مسألة الصراع العربي – الإسرائيلي.
وإذا كان رئيس الجمهورية الشيخ أمين الجميل قد خالف منطق الأعلام الرسمي، أمس، فقال عن يوم التوقيع على الاتفاق مع إسرائيل “إنه ليس يوم عيد” فإن التاريخ يضيف ليصنف هذا اليوم “يوم حداد وطني”، خصوصاً وإنه يلغي مرحلة كاملة، هي خلاصة عمر جيل أو أجيال. ويبدأ مرحلة جديدة قد تنكرنا وننكرها ولعل بعضنا يتمنى لو لم يشهدها أصلاً.
تذكراً بما كان عليه لبنان، نعيد هنا نشر وثيقة تاريخية جليلة لا تحتاج كثيراً من الشرح لأن طبيعة إسرائيل، العدو، الدولة التي بالقوة قامت وبالقوة استمرت وبروح العدوان والتوسع والدعم الغربي غير المحدود (والأميركي أساساً) استطاعت أن تمد حدودها المجهولة التخوم حتى الساعة لتشمل فلسطين كلها ثم بعض مصر وبعض سوريا وبعض لبنان.
وننشر إلى جانب الوثيقة الجليلة مقتطفات من بعض التبريرات الرسمية للاتفاق الذي نقل لبنان من موقعه الطبيعي إلى موقع آخر أبسط ما يقال فيه إنه “خاطئ” ومخالف لحقائق الحياة ولطبيعة الأشياء… مع التذكير بأن إسرائيل لم تلتزم منذ إقامتها على أرض فلسطين العربية، بأي قرار دولي بدءاً بقرار التقسيم مروراً بالهدنة، التي لم تمنعها من شن سلسلة حروب مدمرة ضد “جيرانها” آخرها – وليست الأخيرة بأي حال – الحرب التي تكاد تنسف لبنان صيغة وكياناً ومشروع وطن.
ومرة أخرى نقول: مع رفضنا المبدئي لأي اتفاق مع إسرائيل فلقد كنا على استعداد لمناقشة هذا الاتفاق معها لو إنه يحمل أية بذرة أمل في انسحاب جيوش احتلالها من أرضنا، ولكن ما العمل إذا كان الاتفاق قد تحول – في لحظة توقيعه – إلى ورقة ميتة لا تنفع في التحرير ولا في استعادة السيادة ولا في توكيد الاستقلال، وإن كانت تنفع في إعطاء إسرائيل ومعها الولايات المتحدة الأميركية شهادة حسن سلوك حول “إيمانهما” بالسلام…

… فأما الوثيقة الجليلة فهذا نصها:
“أيها الجنود البواسل
ندائي إليكم نداء الواجب وأنتم سباقون إلى تلبية بكل ما أعطيتم من أخلاص وتفان.
عيوننا ترقبكم وقلوبنا ترافقكم منذ دعيتم للمساهمة في إنقاذ البلد المقدس فلسطين، مهبط الوحي والالهام، والعزيز على قلب كل فرد منكم ومنا.
صبرنا كثيراً واحتملنا كثيراً، وفتحنا على مصراعه الأوسع باب المساهمة والمسالمة، فلم يقف كل ذلك في سبيل مطامع غير مشروعة، وأعمال ينفر منها الضمير وتحكم عليها المبادئ الإنسانية: فقد انتهكت الحرمات واستبيحت النفوس والمساكن والأموال وشرد من شرد واستشهد في القتال من سقط فيه صريعاً، فلم يعد بد من جهاد تتكلون على الله وعلى أنفسكم وتبلون فيه بلاء حسنا حتى يستتب الحق في نصابه والعدل في ميزانه.
فسيروا على بركات الله تدفعكم عقيدة راسخة بحق يسعون إلى هضمه وتريدون له احقاقاً، ومثل أعلى تستهدفونه وراحة تنشدونها لأخوانكم وسلام تنشرونه مخيماً على ربوع قهر فيها الخوف طمأنينة الآمنين.
سيروا فالجهاد خير باب لراسخي الإيمان ودرعه الحصينة، ولترافق موكبكم ومواكب رفقائكم من جنود الدول العربية البواسل الوية النصر والظفر.
والله ساهر عليكم حارس لكم وعليه الاتكال.
بيروت القصر الجمهوري ، في 15 من نوار سنة 1948
بشارة خليل الخوري

… وأما المقتطفات فهنا بعض ما يجوز نشره:
*”ينص البند الأول على عدم انتهاك الحدود الدولية بين لبنان وإسرائيل، وهذا شرط لبناني بقدر ما هو شرط إسرائيلي (…) ونص البند أيضاً على إنهاء حالة الحرب بين لبنان وإسرائيل بعد أن تنسحب القوات الإسرائيلية المسلحة كلياً من لبنان”.
“إن لبنان بقبوله البند السادس يقرر بأنه ليس مستعداً أن يكون بعد اليوم ساحة للصراعات وممراً لخلافات الغير مع الغير، ولذلك فهو يرضى طوعاً أن لا تستعمل أرضه ولا مياهه الإقليمية ولا أجواؤه من قبل أية دولة أو مجموعة قد تعتبرها إسرائيل معادية لها حتى لا يبقى ضحية صراع الآخرين…”.
“ويتعد الفريقان، حسب هذا البند، بإلغاء الاتفاقات والقوانين التي تتعارض مع بنود هذه الاتفاقية، وهذا طبيعي، إذ أن أي اتفاق يأخذ الصفة الشرعية يستدعي تعديلاً في قوانين أو أنظمة سابقة قد تتعارض معه. وسأبين فيما بعد إن هذا البند لا يتناقض مع التزامات لبنان العربية”!!
من بيان الدكتور إيلي سالم، وزير الخارجية، أمام مجلس النواب في 16/5/1983.
“وهناك أوان لكل شيء تحت السماوات، كما جاء في سفر الجامعة، أفلم يحن الأوان بعد لترتيب الأمور في بلادنا؟!
“… إن لبنان مصمم على البقاء وفياً لتطلعاته العربية، على ما ينطوي عليه ذلك من محاذير، وعلى رغم إنهاء حال الحرب مع إسرائيل، فهو لا يرى في ذلك أي تناقض، فالدول العربية بجغرافيتها البشرية والدينية تقدم مظهراً أحادياً يقرر مسيرتها، ويحدد لها توجهاتها، لا يمكن للبنان المتنوع والتعددي أن ينتهجها ، فالتضامن العربي لا يفرض عليه إطلاقاً أن ينقل تصرفه عن جيرانه”.
د. انطوان فتال
رئيس الوفد اللبناني المفاوض والموقع باسم لبنان على الاتفاق 17/5/1983

*”اليوم” السابع عشر من أيار عام 1983 هو يوم تاريخي والد…
*إن الشعبين اللبناني والإسرائيلي عانيا كثيراً من ا لوضع السابق”.
موريس درايبر
ممثل الولايات المتحدة الأميركية في المفاوضات وفي حفل التوقيع

*”إن بلدنا ملتزم سياسة السلام مع جيرانه…
“وإسرائيل لا تسعى في هذه المنطقة إلا إلى السلام،
“… وهي مستعدة لتنفيذ ما التزمته بموجب الاتفاق اللبناني – الإسرائيلي، لأنها لا تطمع بأي شبر من الأراضي اللبنانية، ولأنها تريد لبنان حراً مستقلاً متمتعاً بسيادته الكاملة.
“إنني أؤكد إن الشعبين اللبناني والإسرائيلي يشعران بأن الولايات المتحدة تدرك فحوى هذا الاتفاق الذي تم التواصل إليه بمساعدة وزير الخارجية شولتس.
“… وقد أكدنا وأثبتنا التزامنا بالسلام في السنة الماضية، ونحن اليوم ومرة أخرى نؤكد التزامنا”.
د. ديفيد كيمحي
رئيس الوفد الإسرائيلي المفاوض والموقع باسم إسرائيل

*”اليوم هو عيد البواكير، أي يوم نزول التوراة على بني إسرائيل…”
روفين روبرت
رئيس بلدية – الخالصة – التي صارت بالقهر كريات شمونة.

Exit mobile version