طلال سلمان

على الطريق بين عروض جعجع وعروض عون الاغتيال حباً!!

فجأة، ومن دون سابق إنذار، تدفق الحب طوفاناً يكاد يجرف منطقة “الرملة البيضاء” ومن يقطن فيها بالاعارة أو بالتهجير القسري…
فجأة، استفاقت “القوات اللبنانية” إلى إن الربيع قد جاء فطفقت تبث لواعج حبها للشرعية، بشخص الرئيس الياس الهراوي، وجيشها، بشخص العماد اميل لحود.
وفجأة استفاق جنرال التعتيم إلى إن مؤسسة الجيش ضرورة لقيام الدولة، وإلى إن اتفاق الطائف لا يستحق الإعدام رمياً بالرصاص، وإلى أن سوريا لها على لبنان حقوق الجار إضافة إلى واجبات الأخوة، فكاد يتغزل بها شعراً!!
وفجأة، انهالت العروض على الشرعية من خلف الستار الحديدي “للمناطق الحرة” تدعوها لأن تشرفها بقبول الدخول إليها فتجد فيها ما يسر خاطرها!
سمير جعجع يدعوها لأن تأخذ لجيشها الثكنات والعسكر (المشرد والجائع والمهزوم)، ولأن تبسط سلطتها على ما “حرره” هو فاسترده من بطل “حرب التحرير” ميشال عون… وهي مناطق قد “تحررت” مرتين أو ثلاثاً حتى صارت عظماً بلا لحم: مدن وقرى بلا بيوت، وبيوت بلا سكان، وسكان بلا مأوى الخ.
وميشال عون يحاول فتح باب الحوار من خلال ادعاء الظلم وليس العصيان بالحكم وقصره والجيش وقيادته، ويحاول تبرير “إنجازاته” التدميرية بأنها كانت رد فعل على “عزله” فإذا ما جاءوا للحديث معه فهو لها!!
وبالطبع فإن سمير جعجع هو الأبرع والأمرن والأقدر على الحركة، ومن هنا فهو يطلق عروضه سريعة متوالية كقذائف “قواته” على القليعات (1 آلاف قذيفة في معركة المئة متر)، وقبل أن يستوعب الحكم عرضاً يكون قد قذفه بعرض جديد، أسخى وأعظم إغراء.
الياس الهراوي هو “الرئيس”، وحكمه هو الشرعية واتفاق الطائف مقبول كمدخل للحل، والموقف الأخير منه تقرره المؤسسات الدستورية وبالوسائل الديمقراطية!!
أكثر من هذا: لا جيش إلا جيش الشرعية، و”القوات” تنتظر هذه اللحظة التاريخية على أحر من جمر، فهي ما كانت أصلاً إلا لكي تدعم الشرعية!! وهي موجودة الآن لمثل هذه المهمة المقدسة، وهي تقاتل لتبقى حتى لا تخون رسالتها ولا تتنكر لها!!
لكن سمير جعجع يلمح إلى أن في الشرعية بعض “الهنات الهينات”، ولذلك فهو يريد “تحريرها” تماماً معتمداً الوسائل الآتية:
-لأن موقعها خطأ تاريخي فهو يريد أن يصححه بالجغرافيا: إذا كان اتفاق الطائف في “الغربية” فلتأت الشرعية إلى “الشرقية” حيث الطائفة لا الطائف، وحيث تتواجد كل القوى الأخرى المعارضة والمعترضة والرافضة “للهيمنة السورية”!!
وجعجع يستدرج الشرعية، وبالذات جيشها، إلى أحضانه، حيث يصبح بالإمكان مفاوضتها على “الطائف محسوماً منه الدور السوري”… وليس أسهل من التهام ما يتبقى منها بعد ذلك.
-ولأن اللجنة العربية الثلاثية حددت موقفاً قاطعاً من “المتمرد” ميشال عون فسمير جعجع يرى إنه حليفها “الموضوعي” في سعيها لتثبيت الشرعية التي أنجبتها عبر اتفاق الطائف.
كأنما شرعية حكم الطائف لا تستقيم إلا بـ “الحكيم” و”قواته” ذات الدور التاريخي في حماية “السيادة” و”الكرامة الوطنية” وهوية لبنان العربية وانتمائه القومي.
وجعجع يلاغي اللجنة العربية الثلاثية لكي تمنحه بركاتها التي تدخله نعيم الشرعية ولو على حساب الشرعية وقاعدتها السياسية اتفاق الطائف: إن كانت الشرعية بحاجة إلى جيش قادر فـ “قواته” هي الجيش العتيد… والعلم الأميركي فيه من النجوم ما تضيع معه النجمة المسدسة!
أما ميشال عون فله تكتيك آخر: إنه يحاول أن يصور لسوريا إنه يغنيها عن الطائف إذا ما هي أدخلته نعيمها وعبره جنة الحكم، متوسلاً لذلك القول إن “جيشه” ، أو ما تبقى منه، هو جيشها، وإنه هو شخصياً – بلباسه ومعاشه وموقعه – ابنها “الشرعي” أصلاً!!
أي إن جعجع يريد الشرعية من دون جيش، والأخطر من دون سوريا، تحت لافتة اختيار الصالح من اتفاق الطائف (أي الجزء الأميركي – السعودي منه)ز
وميشال عون يحاول الالتفاف على الشرعية والطائف بنفاق سوريا وتقديم نفسه في صورة المقر بالخطأ والتائب عنه، والمستعد للتعويض عما تقدم من ذنوبه وما تأخر.
هذا أوان اللعب، اللعب مع الشرعية، واللعب عليها،
وبين “حركات” اللعب إيفاد هذا الوفد الثلاثي الصحافي اللون “الشرقي” إلى اللجنة العربية الثلاثية في الرباط المغربية…
فبين أعضاء الوفد “وزيران” لم يلتحقا ولم يمارسا مهام منصبيهما في الحكومة التي ولدها اتفاق الطائف، وقد كان نصري المعلوف محامي الدفاع عنه، في حين كان جورج سعادة رأس حربته (أما ميشال ساسين فكان شيخ الشباب مهاجماً ومدافعاً ثم سائحاً في باريسِ، عاصمة الدنيا والحسان وكل ما هو جميل فتان…).
ومن أسف إن هؤلاء الثلاثة لم يكونوا، أبداً، رسل اتفاق الطائف إلى “الشرقية”، لإظهار مدى تفهمهم لأهل “الشرقية” و”مخاوفهم” ومدى سخاء أهل الطائف مع الطائفة العظمى وضماناتها الخالدة.. بينما هم يذهبون إلى اللجنة الثلاثية اليوم باسم “الاعتراضات الشرقية” على اتفاق الطائف ويلمحون إلى رغبتهم في تعديله حتى يتسع للمتطرفين ويستوعب طروحات الانفصال وحالات التمرد بالسلاح على الاتفاق الذي ثبت دستورياً الامتياز والموقع الممتاز!
هذا أوان اللعب: اللعب مع الشرعية، واللعب عليها ، واستطراداً اللعب مع سوريا واللعب عليها، وعبر هذا وذاك اللعب مع اللجنة العربية الثلاثية واللعب عليها.
والشرعية تحار كيف تلعب ومع من تلعب واين تلعب لأنها لا تضمن نتائج مثل هذا اللعب الخطر.
… وطوفان الحب الربيعي المباغت يكاد يغرق الشرعية، المرتبكة أصلاً وغير الموحدة الموقف والرأي، والعاجزة عن بسط سلطتها على الجميع بالقوة، حتى إشعار آخر.
ولأن القوة غائبة فإن العروض ستتوالى بغير توقف، لعل واحداً منها يحرج الشرعية فيخرجها.. وقد يصيبها في مقتل.
والاغتيالا لا يكون بالرصاص دائماً، بل قد يكون مثل هذا “الحب” العارم وسيلته.
ألم يقل الشعراء، من قديم الزمان، إن من الحب ما قتل؟!

Exit mobile version