طلال سلمان

على الطريق بين العهدين (2) بمن سيحكم الياس سركيس؟

حتى لو تغاضينا عن ظروف الانتخاب والمطاعن الناشئة، يظل السؤال قائماً وملحاً:
“بمن” سيحكم الياس سركيس… (إذا حكم؟!).
إن الجواب يحدد، وبوضوح ، “لمن” سيحكم الياس سركيس … ومرة أخرى: إذا حكم، أي إذا ترك له حتى إذا سلم أن يحكم.
وفي ضوء هذا الجواب يتحدد موقف “الناخبين الكبيرين” اللذين لم يعطيا صوتيهما بعد لالياس سركيس وإن كانا قد حجباهما – عملياً – عن غيره، ونعني: الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية.
… مع التذكير بأن أحداً لا يستطيع أن يحكم لبنان مع معارضة هذين “الناخبين”، مهما كان في صندوقته من أصوات لبنانية وعربية، فليس للصوت الوطني بديل وكذا الفلسطيني.
لا يكفي، في معرض الإجابة، أن يحال الناس إلى “شهابية” الياس سركيس باعتبارها (النهج) والبرنامج وخطة العمل ومنبت رجال العهد الجديد.
فلا الذين رشحوا الياس سركيسن من الداخل والخارج، اختاروه من بين جمهرة الطامحين بسبب من شهابيته،
ولا الذين انتخبوا الياس سركيس أحبوا فيه شهابيته فأعطوها أصواتهم بشخصه،
ولا هو رشح نفسه ببرنامج شهابي، أو بالاعتماد على أصوات أكثرية شهابية مفترضة (كما في العام 1970 مثلاً).
ثم إن الشهابية ذاتها قد أعلنت، وبلسان مؤسسها فؤاد شهاب، إن عصرها قد مضى وانقضى وإن بناء لبنان الوطن لا يمكن أن يتم في ظل هذا النظام الفريد ، وإن إصلاح هذا النظام مستحيل بالشهابية كما بغيرها. وكان بيان القائد المؤسس بمثابة إشهار إفلاس للنهج وللمنفذين والأدوات الشهابية على وجه الخصوص.
وإذا كان فؤاد شهاب، وهو أرقى الشهابيين وأنضجهم بلا جدال، قد عجز فما أعجز الياس سركيس!
ومن هنا يستمد السؤال مشروعية إضافية: بمن سيحكم الياس سركيس؟
لقد حكم فؤاد شهاب بتأييد الشارع الوطني ممثلاً بالزعامات الإسلامية، أساساً، والمسيحية المعادية للشمعونية، والمحسوبة جميعاً على التيار الناصري العريض،
وحكم بالكتائب وبريمون اده وكلاهما بديل ممكن للشمعونية،
وحكم بالجيش الصغير والمتماسك والمنضبط والمزدهي بكونه قد وصل أخيراً إلى السلطة، فنفى عن نفسه شبهة القصور والعجز عن مماثلة أقرانه من الجيوش العربية، مع تميزه عليها بالوصول عبر الديمقراطية البرلمانية ومع بركاتها وفي ظلها الوارف.
وليس لالياس سركيس شيء من ذلك كله،
1 – فالحركة الوطنية الان كيان سياسي حقيقي قائم بذاته لا بديل لها في الخارج. فهي ليست مجرد فرع لحركة قومية باتساع الوطن العربي كله ولها قيادة تاريخية ممثلة بجمال عبد الناصر لها حق الأمر والتوجيه باسم “الفروع” جميعاً، ويمكن بالتالي تجاوزها بالتفاهم مع (القيادة) ، مباشرة أو عبر العواصم الكبرى.
إن الحركة الوطنية في لبنان تكاد تحمل نفسها الآن مسؤولية العمل القومي كله،
إنها تكاد تكون “القيادة” للعمل القومي في سائر أنحاء الوطن العربي، فطالما إن المهمة المركزية هي حماية المقاومة الفلسطينية المسلحة من التصفية والتحجيم والإبادة الخ، وطالما إن الحركة الوطنية اللبنانية هي التي تتصدى بصدور شبابها لأداء هذه المهمة، فإن لها حق القيادة وحق التوجيه، وليس لأحد في الخارج أن يصدر لها الأوامر.
إن القضية القومية هنا في الداخل،
إن شعب لبنان هو الذي يخوض المعركة القومية الأهم في التاريخ العربي الحديث. إنه يواجه ، مباشرة، الصهيونية والقوى الإمبريالية وحليفتهما المحلية الرجعية اللبنانية بل العربية وهي وحدة لا تتجزأ.
وعلى هذا فإن “صوت” الحركة الوطنية لا يؤتى به من دمشق أو من القاهرة أو خاصة من الرياض!
2 – أما الكتائب فلم تعد ذلك الحزب الصاعد الطامح إلى أي قدر من السلطة، المستعد لأن يلعب دور الغطاء الماروني لأي وزارة تنوي الإقدام على بعض الاصلاح الإداري!
لقد كبرت مطامحها بفضل ما أغدق عليها من مساعدات وما أعطيت من أسباب السلطة، وصار طموحها أن تكون هي السلطة، أو البديل عن السلطة (والوطن) طالما أعوزتها الشرعية والبرلمانية!
3 – وأما ريمون اده فموقفه معلن ومعروف ولا يحتاج إلى شرح، سواء من الشهابية أو من الشهابيين عموماً ومن الياس سركيس بشكل خاص.
4 – وأما الجيش فمجموعة من القبائل والطوائف يتحكم بها، بعد التعصب، طلب الرزق… والرزق عزيز!
بمن سيحكم الياس سركيس؟
هل سيحكم بأدوات العهدين الشهابيين (فؤاد شهاب وشارل حلو) وأهمها وأبرزها ضباط الشعبة الثانية الذين “تسيسوا” بأن جعلوا أنفسهم البديل عن السياسيين جميعاً في لبنان، فأفسدوا وبنزعتهم الدكتاتورية التي عبرت عن نفسها بوضوح إزاء قضايا الحريات الديمقراطية، ما في الشهابية من توجه إصلاحي في المجالات الاجتماعية والاقتصادية.
هل سيحكم ببقايا ذلك الجيش الذي أبعدوه عن دوره الوطني المفترض فغدا أشبه بمستنقع وكان طبيعياً إن تاسن مياهه بمرور الزمن!
إن جيشاً لا يقاتل إسرائيل في بلد عربي هو جيش سيقاتل، لا محالة، الوطنيين من أبناء هذا البلد والمناضلين من الفلسطينيين.
والمتتبع للتطور الذي أصاب الجيش اللبناني يعرف جيداً إن عداءه للحركة الوطنية وللمقاومة الفلسطينية قد نما وتضخم مباشرة في أعقاب حرب 1967، ثم بلغ ذروته القصوى بعد حرب 1973، وهو لم يشارك في أيهما.
طبعاً لم ننس الموظفين، وتحديداً كبارهم، ممن كانوا شهابيين، ولم ننس التكنوقراتط،
لكن الجميع يعرفون إن “شهابية” هؤلاء لم تمنعهم من أن يزرروا جاكتاتهم أمام سليمان فرنجية، ومن أن ينفذوا له كل ما طلب ليحموا رؤوسهم ، فحموها ولكن على حساب المؤسسات التي بناها فؤاد شهاب والتي لم يبق منها فرنجية إلا الاسم العطر!
من الممكن، طبعاً، الافتراض إن الياس سركيس سيحكم “بالقوى الجديدة” التي أوصلته إلى سدة الرئاسة، وهي خليط من الكفوريين والشهابيين والسوريين والسعوديين والأميركيين ومرتزقة كل العهود.
لكن هؤلاء ليسوا قوة، فهم لا يشكلون كتلة متجانسة، بل لا يشكلون كتلة على الاطلاق. لقد تلاقوا في لحظة على موقف محدد بفرنقعون بعده كل في سبيله، في انتظار الوعد بدفعة جديدة كالتي ينتظرها الآن كميل شمعون.
وهكذا فلكي يجتمعوا كرة أخرى فلا بد أن يقبضوا مرة أخرى، والقبض يمكن أن يتجاوز المال السائل إلى السلطة والنفوذ، أي إلى المشاركة المباشرة أو المحاصصة في العهد الجديد.
الكل يطلب ويطالب ويريد أن يأخذ من هذا العهد الجديد. لا أحد يريد أن يعطيه.
ثم إنه ليس بين هؤلاء طرف واحد قادرأن يعطي العهد التغطية الوطنية التي يفتقر إليها،
فمن من هؤلاءن مثلاً، يستطيع أن يخاطب المقاومة الفلطسينية من موقع القوة قائلاً لها: أنا المقاتل مثلك (أو قبلك) في فلسطين، فتواضعي معي بحق رفقة السلاح!
ومن من هؤلاء، مثلاً، يستطيع مواجهة الحركة الوطنية في لبنان من موقع (النظير) حتى لا نقول من موقع المتقدم في الطموح أو في إرادة التغيير.
إن الياس سركيس سيحكم، إذا ما اكتفى بالأصوات التي نالها في 8 أيار 1976، بقوة القوى القادرة على إسقاطه ، وإنهاء لبنان جمهورية وكياناً ونظاماً فريداً، كما تثبت أحداث الشهور الثمانية عشر الأخيرة.
أما القوى القادرة على إنجاحه فما تزال بعيدة عنه، ولا يزال بعيداً عنها، ولن يقربه منها إلا تصور موحد لبنان لبنان – الوطن، يتجاوز الضغوط السورية والكفورية، وهي – للحق – ضغوط قوية ومؤثرة، لكن مقاومتها ممكنة.
ولبنان – الوطن لا يبنيه إلا حكم وطني ببرنامج عمل هو في مستوى طموحات شعبه العظيم في الربع الأخير للقرن العشرين،
وفقط في ظل مثل هذا الحكم الوطني، أي غير الطائفي، القومي بالضرورة ، أي المعادي لإسرائيل والمتوجه لبناء جيش مقاتل في دولة مواجهة من غير تعلة بالأعذار السخيفة كمثل الاسقتواء بالضعف، يمكن أن تطمئن المقاومة وأن تطالب – من ثم – بمراعاة ما يحفظ ويحمي هذا البلد الذي يمنحها الملجأ والمهجع والمعبر إلى أرضها السليب.
بمن سيحكم الياس سركيس؟
دمشق تقول: بنا!
وفي بيروت من يقول: بنا ومعنا نظام دمشق وأنظمة أخرى عديدة!
أما في بعض أنحاء لبنان، وفي الخارج، فثمة من يقول: سنحكم لبنان بالياس سركيس،
هذا من غير أن ننسى الذين لا يزالون يسألون أو يتساءلون : هل سيحكم أصلاً الياس سركيس؟
وبقية الكلام مؤجل في انتظار أن يحسم الياس سركيس هذه المسائل جميعاً،
مع تمنياتنا الصادقة بأن يستطيع حسمها في اتجاه بناء لبنان – الوطن المتطور والعصري وغير المتخلف عن واجبه القومي، حفظاً لأرواح الشهداء الذين سقطوا من أجل هذا وليس من أجل أن يحكمنا حافظ الأسد أو بيار الجميل أو أي سليمان فرنجية آخر..

Exit mobile version