طلال سلمان

على الطريق بين الحل السحري السعودي وحديث زايد عن المسؤولية العربية

أخيراً، وبعد طول تفكير، توصلت المملكة العربية السعودية إلى اكتشاف الحل الحاسم والنهائي للطور الجديد من أطوار الحرب الأهلية اللبنانية، فقررت بلسان وزير أعلامها البليغ “خطة” من ثلاث نقاط، فيها الشفاء الأكيد، إن شاء الله،
النقطة الأولى – وقف اطلاق النار فوراً (في الحرب على الشرقية)،
… ولقد تم التنفيذ بمجرد إعلان الطلب الملكي، بدليل إن إطلاق النار الذي كان توقف مساء عاد إلى التفجر ليلاً أعنف من أي يوم مضى.
النقطة الثانية – التسليم باتفاق الطائف باعتباره الحل الممكن في اللحظة السياسية الراهنة، والحل الذي لا بديل له خصوصاً وإنه يحقق مصالح الأطراف جميعاً.
… ولقد تم التسليم فعلاً، فتسابق “الجنرال” و”الحكيم” إلى محطات الإذاعة والتلفزيون لكي يعلنا أن لا بديل من اتفاق الطائف، وإنهما معه بغير تحفظ!
النقطة الثالثة – الالتفاف المتكامل حول الشرعية،
وبرغم إن كثيرين تساءلوا عن معنى “المتكامل” فقد صدع الجميع للأمر، وهبوا هبة رجل واحد فحملوا الياس الهراوي على الأكتاف وانطلقوا في تظاهرة وطنية جامعة ومهيبة وهم يهتفون:” ما في غيرك يا بو جورج رئيس الجمهورية”!
ولقد أعلنت السعودية هذه المبادئ السامية وهي في طريقها إلى قمة بغداد، التي لها رأي آخر في اتفاق الطائف وفي الشرعية المنبثقة عنه، وإن كانت تتفق تماماً مع مملكة الذهب الأسود والحذر الأصفر في ضرورة وقف إطلاق النار بين المقتتلين على الشرقية على قاعدة اتفاق سياسي واضح على الشرعية،
المهم وقف اطلاق النار،
وبغض النظر عن رأي اللبنانيين في “جنرال التعتيم” وفي “حكيم التقسيم” فإن وقف اطلاق النار مطلب عزيز على قلوبهم، أولاً لأنهم ضحايا هذه النار في حاضرهم وفي مستقبلهم، وثانياً لأن مشروع الحل “العربي” للأزمة اللبنانية ممثلاً باتفاق الطائف يكاد يكون في عداد ضحايا هذه الحرب التي لا تبقي ولا تذر من قدرات لبنان وإمكاناته ومكوناته.
لكن المملكة لم تقل لنا، بعد اعلان المبادئ، كيف السبيل إلى تنفيذها،
وبهذا يدخل خادم الحرمين الشريفين في منافسة غير متكافئة مع البطريرك الماروني الذي يكرر كل يوم على المؤمنين مطالباً إياهم بموقف حازم ينهي حرب الأخوة – الأعداء، ويوجه النصح والارشاد والتحذير والانذار والتقتيل والخروج على الوصايا العشر!
والمملكة التي لم تقدم لاتفاق الطائف والشرعية المنبثقة عنه ما يلزم من أسباب القوة والحياة، تطالب أعداء هذا الاتفاق والمتضررين من الحل بأن يعطوه ما لم تعطه هي،
والمملكة التي ضنت على الشرعية بالحد الأدنى من الدعم المطلوب تطالب خصوم هذه الشرعية وبدلاءها المحتملين (في نظر أنفسهم وربما في نظر بعض القوى الأجنبية) بأن يمنحوها تأييداً ودعماً ومساندة لم يوفرها أهل الطائف، برغم المطالبة والالحاح وصرخات الاستغاثة!
لكأنما السعودية كانت غائبة وحضرت لتوها فاستغربت ما يحصل، واستهولت أن يكون الكل صامتاً وممتنعاَ عن التوسط لوقف المذبحة، ومن هنا تقدمت بحلها السحري السهل الممتنع: وقف اطلاق نار، اتفاق الطائف والتفاف حول الشرعية!
في أي حال نحند الله أن السعودية قد حضرت بعد غياب، وتنبهت بعد غفلة، وفكرت فاجترحت ما لم يأته الأوائل من قبلها،
وهيا أيها اللبنانيون إلى حياتكم، فقد قررت المملكة إن الحرب قد انتهت، وهي إذا قالت فعلت وما تقرره يكون.. والحمد لله على نعمه!
للمناسبة، حملت وسائل الأعلام كلاماً عن لبنان من مسؤول عربي آخر، هو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي يجول الآن في أنحاء الشرق الأقصى (الصين، اليابان الخ)،
كلام الشيخ زايد بسيط ومحدد، لا ادعاءات فيه ولا أوهام ولا اقتراحات بحلول عجائبية، فهو يذكر بقيام اللجنة العربية العليا، وبين أعضائها الثلاثة خادم الحرمين الشريفين، ويعلن صراحة أن العرب جميعاً لم يدعموا الاتفاق الذي توصل اللبنانيون (برعاية اللجنة) إلى اعتماده حلاً أو مشروع حل لأزمتهم،
والخلاصة التي ينتهي إليها الشيخ زايد تربط بين السبب والنتيجة: لم يتوفر الدعم المطلوب للحل العتيد فبقي الوضع في لبنان على حاله، بل تفاقمت خطورته!
ويكاد الشيخ زايد يصرخ بالعرب إن ساندوا حلكم المقترح للبنان،
ويكاد يحملهم فشل مسؤولية هذا الحل.
لكنه لا يبدأ بالنتيجة متجاهلاً السبب أو قافزاً من فوقه.
ولأنه متواضح فهو لا يدعي اجتراح المعجزات ولكنه يعود بالأمر إلى أهله،
ويبقى أن يتولى “العرب” أمر حلهم العتيد، بغير الأسلوب “الشاعري” للمملكة العربية السعودية.
… وبطبيعة الحال بغير أسلوب النظام العراقي الذي ما زال يحاول، وبإصرار، إقناع طرفي الاقتتال على الشرقية بأن يبدلوا – فقط – في وجهة إطلاق النار، بحيث تكون “الغربية” وأهلها بدلاً من “الشرقية”، بحجة العمل لتحرير لبنان من “الاحتلال” العسكري السوير.
وأخيراً، بغير أسلوب الحكم الكويتي الذي يقمع أبسط ظواهر الممارسة الديموقراطية، فيعتقل النواب وأصحاب الرأي والكتاب والصحافيين، بينما هو يحاضر في أصول حماية الحريات واحترام إرادة الشعب.
ولك قدوة في الدكتور أحمد الخطيب يا أحمد الربعي،
الطريق هي الطريق، والخط هو الخط، والكلمة هي الكلمة ولو كره أعداء الحرية، أعداء الإنسان العربي، أعداء الغد.

Exit mobile version