طلال سلمان

على الطريق بيكر: ضحية جديدة للمناورة الإسرائيلية القديمة؟!

من المصادفات القدرية أن يتلقى وزير الخارجية الأميركي، جيمس بيكر، نعي والدته، في اللحظة ذاتها التي كانت تعلن فيها تل أبيب “وفاة” مبادرته الجديدة المستندة إلى تعهد صريح كان رئيسه جورج بوش قد قطعه على نفسه عشية إطلاق “عاصفة الصحراء” على المنطقة بذريعة تورط صدام حسين في مغامرته الكويتية البائسة.
ولقد وفرت الوالدة الراحلة على نجلها بعض أيام “النقاش الصعب” الإضافية، من دون طائل، ملقية – ربما – على أكتاف الرديف والخلف الصالح، وزير خارجية الاتحاد السوفياتي ألكسندر بسمرتنيخ، أن يحاول إكمال المهمة المستحيلة.
وفي العامة فإن ما يقبله العرب مرفوض، تماماً بقدر ما هو مرفوض ما يرفضه أو يتحفظ عليه الإسرائيليون، والكلمة الفصل في جميع الحالات إسرائيلية، وهذا بين أسباب استمرار الأزمة وتفاقمها وغياب الحل أو التسوية بل استحالتها.
وإذا كان العرب، ولاسيما عبر سوريا، قد نجحوا هذه المرة في تأخير إعلان موقفهم تاركين لإسرائيل “شرف” تخريب المبادرة الأميركية الجديدة، فإن قدرتهم على المناورة أو بالأحرى إيجابيتهم ستظل أعجز من أن تستولد في واشنطن “غضباً” أو تبدلاً في الموقف من الكيان الصهيوني يمكنه أن يبعث الروح في المبادرة التي صرعها بصلافة إسحق شامير.
وعملياً، لا جديد على الجبهة الإسرائيلية في مواجهة “الجهد الأميركي” المكثف، عبر الجولات المتلاحقة لبيكر بقصد الوصول إلى تسوية “ما” للأزمة التي تقترب من سن الشيخوخة، وفقاً لنظرية حاييم وايزمان.
اللعبة مكررة ومعادة: يطلب الإسرائيليون مقدماً ثمن الاستماع، ومع الدفع (سلاحاً ومساعدات اقتصادية) يواصلون الهجوم ببناء المستوطنات، فإذا ما اشتد عليهم “الضغط” استدصروا حكماً من إحدى محاكمهم بوقف البناء لفترة محدودة، وجلسوا فاستمعوا وناقشوا وجادلوا، ثم اختلوا ليقرروا، وعندها يختلفون في ما بينهم، وتنقض “الصقور” على “الحمائم” فتدميها… وفي “المعركة” تموت المبادرة عبر المناورة، وينصرف الجهد الأميركي إلى ترميم الحكومة الإسرائيلية أو السعي لاستبدالها، حتى لا يظل مركز القرار معطلاً أو مشلولاً!
وبين التعديل والتبديل تفطس المبادرة، وتأخذ الإدارة مشاغل مستجدة خصوصاً ما تكون “الانتخابات” الرئاسية القريبة التي تعيد “للناخب اليهودي” مكانته كصوت مرجح، ويتفهم “الأصدقاء” العرب الموقف فيقدرون ويعذرون!
أين الجديد في الموقف الإسرائيلي؟!
لم يحدث إن قبلت حكومة إسرائيلية، فعلياً، أية مبادرة للتسوية واعتمدتها برنامجاً للحكم، تستوي في ذلك حكومات الليكود وحزب العمل. وفي الغالب الأعم قد تعلن المعارضة، وبقصد إحراج الحكومة، موقفاً يوحي بقبول المبدأ، ولكنها سرعان ما تنقلب إلى الرفض إذا ما هي تولت الحكم.
… باستثناء حالات قليلة تركت فيها إسرائيل للعرب “شرف” الرفض لتتلطى وراء متظاهرة بكونها كانت مستعدة لمناقشة ما لم يعد موضع بحث.
وعبر رفضها المبادرة الأميركية الجديدة كررت إسرائيل موقفها القديم: هي ضد التسوية، لأنها وبسبب من الضعف العربي العام، ليست بحاجة إليها.
هي ضد المؤتمر الدولي وضد المؤتمر الإقليمي وضد أي مؤتمر يستند إلى أساس قانوني محدد لا بد أن يلحظ “وجود” الشعب الفلسطيني وقضيته، ويعتمد “الشرعية الدولية” وقرارات الأمم المتحدة منطلقاً للتسوية العتيدة.
هذا مع العلم إن “المؤتمر الإقليمي” ينطوي على خطر جدي: فهو قد يعني مؤتمراً بين دول أو كيانات سياسية قائمة فعلاً في إطار إقليم محدد، بما يشطب سلفاً موضوع “الفلسطينيين” الذين لا تعترف إسرائيل ولا الولايات المتدحة ولا حتى بعض العرب “بدولتهم” التي عقد لواءها لنفسه ياسر عرفات.
وستظل إسرائيل ترفض أية صيغة وكل صيغة، وأي إطار وكل إطار، بما في ذلك عروض الرئيس الأميركي جورج بوش، طالما ظلت هي الأقوى في المنطقة العربية، وكذلك في الولايات المتحدة.
وهي أقوى في واشنطن لأنها “الحليف الاستراتيجي” الدائم والثابت، في حين لم يحظ أقرب “الأصدقاء” العرب و”أخلصهم” برتبة “الحليف” ولو التكتيكي.
ولأن الأمن الإسرائيلي في صميم الاستراتيجية الأميركية فقد شحنت إليها بطاريات الباتريوت (بطواقمها) الأميركية، وعبر جسر جوي لم يسبق له مثيل، وانهالت عليها المساعدات من أربع جهات الأرض، بغير حساب، عندما انفجرت فيها بعض الصواريخ المحدودة الفعالية والتي لا تغير شيئاً في موازين القوى القائمة.
ولم يكن الباتريوت سلاحاً دفاعياً ضد صدام حسين، وإن كان هو الذريعة، ولكنه سلاح أميركي إضافي موجه – بالنتيجة – ضد العرب جميعاً.. وها قد زال “خطر” صدام” لكن الباتريوت باق في إسرائيل، يعطل أقوى ما تملكه سوريا – مثلاً – من أسلحة ، بينما الأرض والسماء والبحار العربية مفتوحة للأسلحة الهجومية الإسرائيلية ومعظمها من مصدر أو منشأ أميركي.
و”الباتريوت” قد يكون سلاحاً دفاعياً في أي مكان، إلا في إسرائيل، ومهمته أن يبقي الأقوى أقوى دائماً، وبالتالي أقدر على الفرض.
وقديمة هي خدعة: دعونا نمده بأسباب القوة، فهكذا يمكننا أن نحرجه ونلغي ذرائعه الأمنية فنأخذ منه تنازلات في السياسة!
القاعدة “(الأبدية) تقول: الأقوى في القتال هو الأقوى في المفاوضة، والأقدر على الرفض، طالما إن رفضه لا يؤثر على أسباب قوته بل هو يزيد منها.
الأضعف أكثر ضعفاً، والأقوى أكثر قوة، والملتقى متعذر حتى في واشنطن: مصدر استقواء الأقوى وإضعاف الأضعف.
بعد المؤتمر الدولي يبدو أن العرب قد خسروا حتى احتمال المؤتمر الإقليمي، وبعد خسارة الأرض لا يبدو إنهم سيربحون “السلام”، ولعلهم لن يستعيدوه إلا متى استعادوا اللجنة المفقودة.
ولكن: من هم العرب؟! ذلك هو السؤال البلا جواب كحكاية المؤتمر المتعذر والتسوية المستحيلة!
قبل أن تنام!
وزع صدام حسين البنزين على الشعب العراقي مجاناً وأمر بأن تتم الولادات جميعاً على حسابه، لمناسبة عيد ميلاده الميمون.
صفيحة بنزين لكل مواطن مقابل كرامة أمته ومستقبل أبنائه.. هؤلاء الذين يذلهم صدام حسين سلفاً كما أذل أهلهم من قبلهم بحفنة من الدنانير!
ما أغلى البنزين في العراق.. إنه أغلى من العراق!!

Exit mobile version