طلال سلمان

على الطريق بيروت – العاصمة منقذة اتفاق الطائف ومحررة الدول!

ليس بدافع الحب المقيم لبيروت – الأميرة، المنارة والمنتدى، الجامعة والمستشفى، الصحيفة والأغنية، الشارع والمشترع، المطبعة والكتاب، نقول ونعيد القول إن لا جمهورية لبنان بلا العاصمة التي فيها بدأ السقوط الذريع للدولة ومنها بالذات يبدأ النهوض.
بيروت ليست فقط عاصمة الدولة ومركزها وقلب الوطن،
إنها في هذه اللحظة عنوان الحل، نقطة البداية لمرحلة ما بعد اتفاق الطائف واستيلاد الرعية وبعث هيكل الدولة.
وبهذا المعنى فليست “الخطة الأمنية” العتيدة عملية ضبط بوليسي للخارجين على القانون أو لمرتكبي التجاوزات والتعديات على كرامة المواطن أو رزقه.
الخطة الأمنية اليوم مهمة سياسية من الدرجة الأولى، بل لعلها مهمة نضالية، وطنياً وقومياً، إذ يتوقف على نجاحها (أو فشلها) التقدم في اتجاه الحل أو انتصار قوى الحرب والتقسيم والدمار على الإرادة الوطنية – العربية – الدولية وبالتالي اندثار ما تبقى…
بل إن “الخطة الأمنية” لبيروت هي طليعة الهجوم السياسي الكبير على “التمرد”،
هجوم الدولة على مغتصب مؤسساتها، كلياً أو جزئياً، بدءاً بالجيش مروراً بالوزارات والإدارات الرسمية انتهاء بالملجأ الجمهوري في بعبدا الذي تحول إلى صالة أفراح وليال ملاح ودار ملذات مفتوحة لكل راغب، رأسمال ولوجه الهتاف الرخيص: “بالروح بالدم نفديك يا عماد”!
إن استعادة العاصمة، أو عودة الروح إلى العاصمة تقرب نهاية “العماد” المهتوف له.
فاستعادة العاصمة تعني قيام الحكم القادر على إنهاء “التمرد”،
وبيروت التي هددها ميشال عون، ذات يوم، بالدمار الشامل قادرة بعد، وبرغم جراحها النازفة وبرغم تمزيق وحدتها الاجتماعية، على الانتصار على “التمرد”.
بيروت ما زالت أقوى من “العماد” وتمرده، وهي أبقى منه بالتأكيد، فهو في نهاية المطاف خدش على جدار!
بيروت بمجرد أن تعود وتستعيد روحها قادرة على إلحاق الهزيمة بالعماد وإنهاء تمرده ودوره التقسيمي، من دون طلقة رصاص.
إن حضورها يلغيه، وهو قد غيبها كعاصمة، أي كمركز للحكم، وقلب للوطن، ليستطيع الحضور… تماماً كما فعلت سائر الميليشيات من قبل!
وحضورها اليوم هو الدليل على قيام الحكم، على انبعاث الدولة، أما استمرار تغييبها فسيكون نهاية للحكم وضربة شديدة للدور السوري في لبنان وإعلان وفاة شرعية لاتفاق الطائف بما هو مشروع حل عربي للأزمة في لبنان وتعبير عن إرادة عربية ودولية.
وإذا كانت بيروت، متى عادت عاصمة، كفيلة بإسقاط العماد المتمرد، فلا بد أن يبادر الحكم إلى تولي المسؤولية مباشرة عما يسمى “خط التماس”.
فخط التماس هو، بعد اليوم، خط تماس بين الدولة وبين التمرد الانفصالي.
وإنهاء التمرد على الشرعية والحكم هو واجب الشرعية والحكم، وليس واجب الميليشيات، من دون التذكير بأنها أعجز من أن تنهيه… ومع الاشارة إلى أن البعض يقول إنها تقويه وتوفر له مبررات الاستمرار!
ثم إن استعادة بيروت تعني تحرير “الدول” من ضغوط التمرد، أو كشف المواقف الملتبسة أو المتواطئة معه، إن كان ثمة تواطؤ.
فمع عودة بيروت يعود السفراء إلى حيث يجب أن يكونوا، إلى مقراتهم الأصلية والطبيعية، إلى حضن الشرعية، إلى العاصمة بما هي مركز للحكم واستطراداً :للسفارات، أي إلى الدولة التي جاءوا ليمثلوا بلادهم فيها.
ومفارقة فاضحة أن يبقى السفراء المقرون بشرعية حكم الياس الهراوي وحكومته في أسار “التمرد” المعلن ضدهما، بحجة عجز الشرعية عن توفير الأمن لنفسها ولهم.
الخطة الأمنية لبيروت، هذه المرة، هي مسؤولية عربية شاملة،
ومع الأخذ بالاعتبار إن القرار السوري أساسي وحاسم. وإن دور القوات العربية السورية لا يستغنى عنه، فإن بيروت مسؤولية عربية شاملة… أفليست بيروت هي عاصمة حكم اتفاق الطائف؟!
ثم إن بيروت هي عنوان الحكم، والحكم إرادة وقوة وخدمات… ولعله خدمات أساساً، لاسيما في هذه الظروف البائسة التي يعيشها اللبنانيون.
وبيروت، الأميرة المكسورة الجناح الممزقة الخاصرة والمفروض عليها الذل، تكاد تلخص ببؤسها وشقائها وذلها وضع الدولة المفلسة والحكم الذي يشكو من ضيق ذات اليد (إضافة إلى ارتباكات أخرى).
فلكي تعود بيروت مركزاً للحكم لا بد من تنظيفها (أمنياً)، ولا بد أيضاً من تأمين الخدمات الأساسية والضرورية التي تشمل المياه والكهرباء والهاتف والصحة والتعليم والإسكان الخ.
ولكن تعود بيروت مرآة وتجسيداً لقوة الحكم فلا بد أن يكون لها الجيش الذي يحميها، من آثار التمرد وأوهام مد هيمنته ولا بد أن تكون لها قوى الأمن التي تشرف على انتظام الحياة اليومية فيها وتمنع المخالفة وتقمع المتجاوز والمعتدي على حقوق غيره.
وكل هذا يحتاج إلى مساعدة عربية فعالة.
فجمهورية الوفاق الوطني قرار عربي، وقيامها وتمكينها من أداء دورها مسؤولية عربية.
والخطة الأمنية لبيروت هي محاولة جدية لاستنقاذ اتفاق الطائف بكل أطرافه: الذين شاركوا في ابتداعه، والذين أقروه، والذين أعلنوا التزامهم به، والذين قبلوه وعلى أساسه تولوا مقاليد الأمور، ومعهم من لم يجهر برفضه له.
إن الخطة الأمنية لبيروت هي رأس الحربة في الهجوم المدني – الحضاري – السلمي على التمرد الذي بدأ عسكرياً وانتهى إلى ميليشيا طائفية تهدد وحدة لبنان وبقاء دولته وسلامة أراضيه.
إنها رأس الحربة في الحرب على الحرب وأبطال الحرب والمنتفعين بالحرب والحاكمين باسم الحرب،
لهذا كله فليست الخطة الأمنية الرقم 32، وليس بديلها خطة أخرى.
بل إن بديلها قد يتجاوز في خطره العودة إلى ما قبل اتفاق الطائف.

Exit mobile version