طلال سلمان

على الطريق بقاع الضوء…

ما أعظم أن تملك زمام الفرصة لصنع آمالك بيديك وبإرادة الحياة التي يضج بها صدرك وتتفجر تمسكاً بالأرض والكرامة وبحلم الوطن… بالطلقة تزغرد بعد الطلقة وقبل الدوي المهيب الذي يعلن إنجاز المهمة المقدسة.
والطلقة التماعة ضوء، والالتماعة تصير بقعة ضوء، والبقعة تصير مجرة ثم تطل نجمة الصبح ببشارة الفجر الآتي موكب نور يشق قلب ليل القهر والحقد الطائفي والاستكانة للإذلال وعجز الأنظمة.
ما أروع أن تكون الصح، تفعل الصح، في المكان الصح، في الزمان الصح، برغم أن الدنيا من حولك تحتشد بأخطاء المخطئين في المكان والزمان والهدف.
ما أبهى أن تتلاقى طلقات المقاتلين في جنوب لبنن وفي جولان سوريا وفي قاهرة المعز، في يوم واحد من أيام العصر الحزيراني ضد العدو الإسرائيلي، مؤكدة – بالنار – وحدة القضية، وحدة المعركة، وحدة العدو والأهم وحدة اتجاه السلاح نحوه.
فأمس، 5 حزيران 1984، أعطانا الفتية الغر في الجنوب أربع بقاع ضوء عبر أربع عمليات نفذوها ضد المحتل الإسرائيلي (في زبقين – جويا وسينيق وفي عربصاليم – جرجوع وفي النبطية)، في حين كانت كوكبة من الفتية الغر في الجولان تعطينا بقعة أخرى، أما في القاهرة فكان ثمة من يطارد الإسرائيلي بالرصاص ليؤكد رفض مصر وشعبها للقهر الذي فرض عليها فرضاً وبانحراف حاكمها أكثر مما بحراب العدو.
الأحمر القاني يكشح بعض عتمة ليل اليأس. القطرة لم تبق وحيدة. لم تصبح سيلاً، ولكن القطرة الثانية لم تتأخر، والثالثة تبشر بالغيث الذي لا بد سينهر. البذرة صارت نبتة عودها طري، لكن زخم الحياة فيها سيمكنها من أن تشق صدر الأرض المتيبسة بالعطش، ومن أن تسمق نحو الشمس والهواء لتزهر وتثمر وتعوض عرق الجباه السمر خيراً وفيراً.
وكل هذا مكلف، ولكن افتراض إن العدو سيخرج كرماً أو نتيجة لبراعة المفاوض أثبت بالتجربة إن كلفته تصل إلى حد تهديد الوطن في وجوده ذاته.
والأكلاف تأتت وتتأتى عن الاحتلال وليس عن مقاومته. ولقد دفعنا في الجنوب والجبل وبيروت والبقاع الغربي وراشيا أبهظ الأثمان حتى من قبل أن تبدأ المقاومة عملياتها البطولية المسلحة ضد المحتل.
وليس من حقنا أن نستهجن أو نفاجأ بإقدام العدو على مزيد من الجرائم التي تستهدفنا في حياتنا، بما في ذلك تعمده أن يفرض علينا العتمة والعطش بمنعه وصول الوقود إلى المعمل الحراري في الجية،
لكن من حقنا أن نرفض منطق بعض المسؤولين (الرسميين) وبعض القيادات السياسية التي تبرر للعدو جريمته، وتعتبرها مجرد رد على “العنتريات” كمثل إقفال مكتب ضبية أو “التعديات” التي تقع عليه في الجنوب أو في أنحاء أخرى.
ومن حقنا أن نطالب الحكم والحكومة بموقف من هؤلاء، خصوصاً وإن بينهم من تربطهم صلة الرحم بالحكم، وصلة المشاركة بالحكومة… والبعض يقول: وصلة الرعاية بمكتب ضبيه.
كذلك من حقنا أن نطالب الحكم والحكومة بموقف من القرار الإسرائيلي بطرد الدولة من الجنوب… ففي المعلومات إن قيادة قوات الاحتلال وجهت إنذاراً إلى مؤسسات الدولة جميعاً، الإدارية والعسكرية، بضرورة ترك المنطقة!
وفي الوقائع إن قوات الاحتلال قد استولت أمس، على مركز الاتصال اللاسلكي بين وزارة الدفاع وقوة الجيش في الجنوب، وإنها ضايقت بعض ضباط الدرك، وكانت من قبل قد عمدت إلى منع الطائرات العمودية العسكرية من الوصول إلى معمل الجية، إضافة إلى كل ما نعرف من جرائمها في المناطق الواقعة تحت احتلالها.
إن للاحتلال منطقه المعروف ولمقاومة الاحتلال منطقها المعروف والمقر شرعاً في أي مكان أو زمان.
والمهم ألا يختل هذا المنطق فتتخذ الدولة موقف العداء للمقاومة الوطنية بدل أن يتوجه عداؤها للعدو العدو… وتتلهى بتفاصيل نتائج القهر بدلاً من مواجهة المتسبب فيه.
ومع انتشار بقاء الضوء في السماء العربية، وصولاً إلى القاهرة التي ننتظرها وتنتظرنا، فإن الأمل يتزايد بقرب التلاقي جنوباً، في مواجهة العدو الواحد.
وما هم أن يكون مكتب “السفير” في صيدا في جملة ما استهدفه وحقد العدو وعملاءئه، فصيدا باقية، “السفير” باقية فيها ومنها ولها، والاحتلال إلى زوال وكذلك كل “اللحديين” و”العريصيين”!

Exit mobile version