طلال سلمان

على الطريق بعد قمة واشنطن: العودة على نقطة البداية

ما أكثر ما تغير، في النفوس وعلى الأرضن بين يوم سفر الرئيس أمين الجميل قاصداً واشنطن ويوم عودته منها بعد القمة المرتجاة مع الرئيس الأميركي رونالد ريغان.
فبرغم إن الرحلة قد تمت والقمة قد انعقدت فعلاً مستغرقة تسعين دقيقة وشهدها شفيق الوزان، فإن الوضع الآن أسوأ بما لا يقاس من لحظة مغادرة الرئيس الجميل بأمل أن يعثر لدى “الشريك” الضامن على مدخل ما إلى حل ما لمشاكل ما بعد “الاتفاق” الذي كان حجة في تبريره قصف المواطنين بسؤال : ما البديل؟!
وبين أربعة أطراف معنيين مباشرة بالرحلة ونتائجها يمكن القول – موضوعياً – إن الطرف اللبناني هو “الخاسر الأكبر” وربما الوحيد، من الرحلة بكل ما حفلت به ورافقها من أحداث.
فالطرف الإسرائيلي، وهو الذي تحكم بموعد الرحلة ثم ألغاها عملياً حين ألغى بيغن زيارته لواشنطن، قد فرض على الأرض ما كان يخشاه الحاكم اللبناني: الانسحاب الجزئي!! ناسفاً بذلك، ومن جانبه ولحسابه، ذلك “الاتفاق” البائس الذي ناله من لبنان، ومسقطاً أية قيمة عملية للضمان الأميركي لـ “الاتفاق” وبالتالي للضمان الأميركي لـ “قيامة” لبنان ناهيك بإمكان استمرار وجوده كدولة ومشروع وطن لجميع اللبنانيين.
والطرف الأميركي لم يجد نديه ما يقدمه للبنان غير بعض “الأفكار الجديدة” مع الوعد بالسعي لتنفيذها مستقبلاً، وغير “طرد” حامل أرفع وسام لبنني من بين موظفيه، والرجل الذي أطلق اسمه على واحد من أكبر شوارع بيروت، فيليب حبيب، لعل دمشق ترضى فتقبل بمجرد الكلام في “المسألة اللبنانية” بغير أن تشترط إلغاء “الاتفاق”.
أما سوريا فقد اكتسب منطقها إزاء الوضع في لبنان مزيداً من “المصداقية” حين نفذت إسرائيل تهديدها بالانسحاب الجزئي بغير أن تحرك واشنطن ساكناً، وكذلك حين طرد فيليب حبيب.
وإذا كان البعض يعتبر أن الطرف الأميركي شريك لبنان في الخسارة، ولو معنوياً، فإن تدهور الوضع في لبنان كان مفجعاُ إلى حد أن الناس يتساءلون اليوم وبقلب يفوق ما عرفوه على امتداد السنوات الماضية: إلى أين؟! وما المصير؟!َ ومن المسؤول؟! وكيف السبيل إلى وقف الكارثة؟!
لقد باتت إسرائيل تستشعر مزيداً من القوة في وجودها واستمرار احتلالها للبنان بحيث إنها تعتبر نفسها الآن – علناً – مسؤولة عن الدفاع عن السيادة اللبنانية!
وحكومتها تحاول أن تتخذ من التشدد في “المسألة اللبنانية” بوجه الولايات المتحدة كما بوجه سوريا، مدخلاً إلى إعادة صياغة الوفاق الداخلي على أسس أصلب بعد الهزات العنيفة التي تعرض لها، واساساً بسبب الفظاعات التي ارتكبتها حكومة بيغن – شارون ضد اللبنانيين والفلسطينيين.
أما سوريا فتبدو، من جانبها، في أقوى موقع سياسي يمكنها بلوغه بعد الذي كان في بيروت والجبل وبعض الجنوب والبقاع قبل سنة من اليوم،
وحتى على الصعيد الداخلي في سوريا فإن الدوائر الأجنبة، والأميركية بالذات، تتحدث عن “حالة تماسك سياسي يوفرها التصلب في الموضوع اللبناني ورفض “الاتفاق” والإصرار على دور أول في أي حل مقترح لأزمة الشرق الأوسط”.
أما لبنان فأضعف نقاط الضعف الكثيرة في موقف حكمه هو ما يتصل بأوضاعه الداخلية، وبالتحديد بموضوع وحدته الوطنية وانعدام أو اختلال الحوار السياسي بين الحكم وبين القوى السياسية المؤثرة فيه.
ولقد كانت ملفتة تلك المفارقة الفاقعة التي برزت في واشنطن من خلال الاختلاف في التركيز بين أحاديث المسؤولين اللبنانيين وأحاديث المسؤولين الأميركيين.. ففي حين ركز الأولون على موضوعات الخلاف مع أطراف سياسية محلية، ووصلوا إلى حد التشهير بالبعض والتشكيك بوطنية بعض آخر فإن الأميركيين ظلوا يلحون على موضوع المصالحة الوطنية وضرورة اتصال الحوار مع الأطراف السياسية المعارضة.
لقد بدا وكأن الحكم اللبناني ذهب إلى واشنطن ليشكو، في وقت واحد، تعنت بيغن وتشدد حافظ الأسد، وكذلك عناد وليد جنبلاط، وارتهانه لقوى خارجية، وانحراف سليمان فرنجية ورشيدكرامي، وجنوح نبيه بري، في اتجاه “الغرباء” ، وإجمالاً “استنكاف” السنة عن التعاون و”حرد” الدروز و”مشاكسة” الشيعة، إضافة إلى ابتعاد العديد من القوى المسيحية، حتى لا نذكر ريمون اده وحنفيته ونعيه الدائم للبنان بكل من فيه!
بل بدا في لحظات وكأن “حي اللجا” قضية من القضايا المدرجة على جدول أعمال قمة واشنطن، ومعه – استطراداً – الضاحية الجنوبية.
ومن هنا فقد كانت النتائج أقل بكثير من المأمول، وأمر بكثير من أن تصلح علاجاً للوضع المتفاقم خطورة بحيث يكاد ييأس الناس من علاجه.
لكن الناس لا يبهجهم، بأي حال، أن يستسلموا لليأس، ولا يفرحههم أبداً أن يعود رئيسهم من رحلة كهذه مقطوع الرجاء.
من هنا فالناس يأملون أن يعود الرئيس ليبدأ من حيث هي بالفعل نقطة البداية: من الحوار السياسي بين القوى الوطنية في الداخل.
فلا قوة للبنان الضعيف، أصلاً، إلا بوحدته، وحدة جميع أبنائه عبر جميع الاتجاهات والتيارات والقوى السياسية التي تنتظمهم،
وإذا كانت ثمة فرصة قد ضاعت في واشنطن فليربح الحكم فرصة ما تزال متاحة في بيروت.
وفي كل الحالات فإن المسافة بين القصر الجمهوري في بعبدا، وبين المختارة في الشوف، أو طرابلس وزغرتا في الشمال، أو بعلبك في بقاع الشرق، أو صيدا وصور حتى لا ننسى الجنوب المنسي والمهدور، أو وطى المصيطبة في بيروت، أقصرمنها من المسافة بين القصر والبيت الأبيض في واشنطن.
وكذلك هي المسافة بين القصر الجمهوري في بعبدا ودمشق الشام.
أما المسافة بين هذه جميعاً وبين تل أبيب فأبعد من أن تقربها محطة وسيطة مثل واشنطن، برغم كل حرارة القمة الرئاسية فيها.

Exit mobile version