طلال سلمان

على الطريق بأراضينا تنتخب إسرائيل رؤساء الولايات المتحدة!

مرة كل أربع سنوات تتكرر فينا ومعنا المأساة، ويفرض علينا أن نعيشها فصلاً فصلاً وأن نتجرع مرارتها حتى الثمالة، من غير أن يفيد التكرار سادتنا وقادتنا الكبار ملوكاً وسلاطين ورؤساء وأمراء ومعلمي أجيال.
فعشية الانتخابات الرئاسية الأميركية – أي انتخابات لأي رئيس – يعطي العرب أقصى ما عندهم للرئيس العتيد، أما تحت ذريعة إظهار حسن النية، أو بحجة منع “الأسوأ” من الوصول إلى سدة الرئاسة، ودائماً تحت شعار: أعط اليوم تأخذ غداً مع الفوائد والأرباح وتأمين التأييد الحاسم لقضايانا العادلة.
وعشية الانتخابات الرئاسية الأميركية – أي انتخابات لأي رئيس – تأخذ إسرائيل اقصى ما يمكن أن تأخذه من الرئيس الذاهب – العائد كما من المرشح الآتي إلى الرئاسة، أما تحت ذريعة إظهار حسن نية الرئيس – المرشح أو المرشح – الرئيس تجاه أرض المعاد، وشعب الله المختار، أو بحجة منع “الأسوأ” (في العين الإسرائيلية) من الوصول إلى سدة الرئاسة، ودائماً تحت شعار: أثبت صحة أميركيتك بعطائك لإسرائيل وضمان أمنها واستقرارها وتمكينها من أراضي العرب أجمعين!
وبين الانتخابات والتنصيب الرسمي تأخذ إسرائيل بأيديها ما تريد، ويقف العرب عاجزين لمليون سبب، على أن أبرز الأسباب يكون هو هو باستمرار: أتريدوننا أن نحرج صديقنا الرئيس – المرشح فنتسبب في خسارته المعركة وهو نصيرنا ومساندنا ومؤيدنا بشهادة الوعود والعهود التي قطعها لنا اليوم، والتي سينفذها غداً بعد انتصاره الأكيد؟!
وهكذا تذوب أراضي العرب وتتناقص عواصمهم (ويتزايد في الوقت نفسه عدد حكامهم) وهم مشغولون عنها بترقب نتائج المعارك الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية.
… هذا في حين تتزايد مساحة “المستعمرة الأميركية” في الشرق، دولة الكيان الصهيوني المزعومة المسماة إسرائيلـ وتتوطد أركانها قبل وخلال وبعد كل معركة رئاسية في الولايات المتحدة الأميركية!
أي أن دولنا “الحرة” المتحررة ” المناهضة للاستعمار والإمبريالية ، المقاتلة بضراوة ضد “الأفكار الهدامة” و”المبادئ” المستوردة” مقاطعة “أولمبياد الكفار”، المجاهدة لحماية الإيمان في أفغانستان، المنافحة بالنفط والمال والعوائد والأسهم وموائد القمار من أجل تقدم “العالم الحر” وتأمين رفاهيته، تدفع ثمن نجاح أي رئيس أميركي جديد، كما تدفع ثمن فشل أي مرشح للرئاسة ، من دون أن تستفيد شيئاً من نجاح الناجحين وفشل الفاشلين.
في حين أن إسرائيل الطاغية، الباغية، العنصرية، الفاشية، الطائفية، النازية، القلعة الاستعمارية، وراس الحرة الإمبريالية، تحقق مكاسب عظيمة، في كل مرة، بغض النظر عن اسم الفائز وشكله ومهنته ومقدار تدينه.
بل إن إسرائيل تكسب مرتين: تكسب التعهدات الجديدة بحمايتها وحماية احتلالها للأراضي العربية من المرشحين جميعاً (وضمنهم من هو مؤيد بأموال العرب وسيوفهم)، وتكسب الأراضي الجديدة التي تضع يدها عليها أو تضمها بقرارات علنية رسمية يصوت عليها الكنيست المقدس!!
مع ذلك يمضي حكامنا الأكارم في طريق الولاء لواشنطن ومداراة مزاج ساكن البيت الأبيض، أو الطاهج بالوصول، وأقصى ما يصلون إليه في إزعاج خاطره هو مطالبته بأن يتقبل منهم عرضحال بمطالبهم، مع وعد بأن ينظر فيه في أوقات فراغه، ثم ينكفئون إلى عواصمهم ويقبعون فيها راضين مستسلمين إلى قدرهم الآتي بلا ريب من عاصمة البلاد التي بوابها تمثال الحرية!
وأخوف ما تخاف منه الآن أن يكون لبنان، أو جنوبه بأقل تقدير، هو ما سيدفعه حكامنا في معركة تأييد المرشح المفضل لديهم في الانتخابات الرئاسية الأميركية.
إن إسرائيل تتصرف بحريةمطلقة تكاد تشي بتواطؤ ما بينها وبين أنظمة العجز العربية، ليس فقط على ما تحت يدها من أراض عربية محتلة، بل كذلك على أراضي جديدة بينها القدس والجولان وجنوب لبنان.
وما الأخبار التي تملأ الآفاق والأجواء عن انفجارات قريبة، وعن “اجتياحات” للمناطق، وعن تلويح كتائبي “بتحرير” ما تبقى من أرض لبنان خارج قبضة بشير الجميل وسعد حداد، إلا مقدمات فضاحة، لهذا التواطؤ بين أنظمة العجز العربية وقوة الاحتلال الإسرائيلية تحت المظلة الأميركية.
بهذا المعنى يصبح القتال في الجنوب واجباً قومياً، إضافة إلى كونه واجباً وطنياً بالمنطق اللبناني.
وبهذا المعنى تكتسب المواجهة البطولية من حول قلعة الشقيف امس الأول أبعادها الحقيقية بوصفها دخولاً عربياً، جدياً ومؤثراً في معركة الرئاسة الأميركية (بالنسبة لهواة التأثير في المعارك المقررة نتائجها سلفاً، والتي لا علاقة لنتائجها كائنة ما كانت بالقرار السياسي الأميركي).
إن مواجهة إسرائيل بالسلاح، والمواجهة وحدها، هي الطريق إلى أي حل، ولاسيما إلى الحل السياسي (للحريصين على التسوية السلمية)،
ومواجهة إسرائيل بالسلاح هي الطريق لانتزاع القرارات المطلوبة من واشنطن وغيرها من العواصم.
فالقرار يبدأ عندنا وينتهي عندنا.
ومع استمرار غياب مثل هذا القرار يصبح مشروعاً أن نندب مع القدس الجنوب ودمشق وبغداد والرباط وصولاً على مكة المكرمة.
… وكيف يطمح العاجز عن تغيير نفسه إلى تغيير الآخرين؟ كيف وبأي حق ، حتى لا نقول بأي قوة؟!

Exit mobile version