طلال سلمان

على الطريق انفجار انطلياس: إعلان بانتهاء عصر الميليشيا!

من الصعب في ظروف التحول التي تعيشها المنطقة العربية أن ينظرإلى أي تطور سياسي في أي قطر وكأنه شأن محلي يأتي من خارج السياق العام أو لا تؤثر نتائجه على السياق العام للأحداث الجارية.
وليس بفعل المصادفات هذا التواتر في التعديلات التي تمس الأوضاع السياسية لكل من العراق ولبنان والكويت وفلسطين والكيان الصهيوني.
فبينما يبدو العراق وكأنه على وشك الغرق في أتون الحرب الأهلية، كنتيجة للهزيمة العسكرية وللخطأ السياسي القاتل وللهوس الدموي بالسلطة لدى حاكمه الذي يحاول الآن افتداء رأسه بتنازلات جوهرية للأجنبي تمس سلامة التراب الوطني والسيادة والاستقلال (وطبيعة النظام!!)، وتنازلات أخرى شكلية لمواطنه المقموع والمسحوق بالهزيمة ونتائجها،
… يبدو لبنان وكأنه قد خرج تماماً من أتون حربه الطويلة، التي كانت في جانب أساسي منها حرباً أهلية عربية، وإنه في طريقه لاستعادة تقاليد اللعبة السياسية عبر انسجامه مع حقائق الحياة السياسية العربية الجديدة ومع الصياغات الجديدة لتوازن القوى الإقليمية،
وفي اللحظة عينها، يجتهد النظام الكويتي في تعديل ذاته، ولو بخطى بطيئة، عبر تشكيل حكومة جديدة يفترض أن تكون مقدمة لتنازلات من الأسرة الحاكمة عن بعض وجوه هيمنتها شبه المطلقة، مفسحة في المجال أمام سائر الكويتيين لكي ينالوا شيئاً من “مجد” السلطة تحت راية المشاركة وباسم الديموقراطية… الأميركية.
بالمقابل يعيش الكيان الصهيوني حالة اضطراب سياسي بينما حكامه يحاولون استيعاب نصيبهم من مردود الهزيمة العربية (الجديدة) بغير أن يصطدموا بتطلعات الإمبراطورية الكونية الجديدة وقائدها المنتصر كما لم ينتصر من قبله أحد: الرئيس الأميركي جورج بوش،
أما التمثيل السياسي لفلسطين وشعبها، في الداخل والخارج فيعاني من تصدع خطر قد ينتهي بنتائج مأساوية كأن تتهاوى منظمة التحرير وتتآكل من الداخل، أو يحدث شقاق بين قيادتها وبين القوى الجديدة التي تعتبر نفسها الأولى والأجدر والأحق أما لأنها “في الداخل”، وإما لأنها ترى إنها الأكثر تمثيلية ولأنها تحظى بنزكية أميركية مرشحة لأن تتحول إلى دولية خصوصاً إذا ما جاءت مكملة لإعادة الصياغة الأميركية الجارية الآن لما كان يسمى قديماً بـ “أزمة الشرق الأوسط”، وما كان يراه العرب “الصراع العربي – الإسرائيلي”.
في أي حال فالكل يتنفس الآن الهواء الأميركي ذاته، ويسارع إلى الانسجام مع المطالب أو الشروط الأميركية، معلنة أو مضمرة، وإن بقيت إسرائيل – ولأسباب ذاتية وموضوعية – هي الأقدر على المناقشة والتعديل والمخالفة ولو بحدود.
ما علينا، لنلتف إلى الشأن المحلي في تطوره الجديد، فالكلام فيه لا يعني خروجاً على الموضوع بل هو – فعلياً – توغل فيه إلى الصميم…
بانفجار انطلياس، أمس، تم قطع حبل السرة بين “حكومة المصالحة الوطنية” وبين “الميليشيات” وولدت عبر الدوي والدم واللهب بيروت الكبرى في اللحظة التي حسم فيها الجدل البيزنطي حول الالتحاق بالتوافق مع حق النقض للأقلية المعطلة، أو الوفاق بالتصويت وممارسة الديموقراطية “العددية” في المسائل جميعاً بسيطها والمصيري.
وعلى حد تعبير بعض الظرفاء، فلقد ثبت بالدليل الحسي، أمس كما في مرات سابقة، إن “الأقلية المعطل”، صاحبة حق الفيتو هي واشنطن، بينما تحتشد الأكثرية العددية وراء “الحل العربي”.
المهم إن الدوي كان إعلاناً بأعلى الصوت إن الميليشيات بوصفها أداة العنف ومؤسسة الصراع المسلح بين الطوائف وداخل الطوائف، إلى زوال، وإن الجمع ممنوع بين الحكم ذي المباهج وبين المعارضة ذات السطوة والمال واحتكار التمثيل،
لكأنما انفجرت السيارة المفخخة، على جسر انطلياس في الميليشيات لتؤدي دور رصاصة الرحمة، منهية مرحلة استنفدت أغراضها ولم يعد لها ما يبرر استمرارها في عصر… النظام الإقليمي الجديد.
وسواء أكان المستهدف بالتفجير من إصابته الشظايا مباشرة، أي وزير الدفاع المهندس ميشال المرن أم من سابق المفجّر فسبقه وبلغ بغيته في مجلس الوزراء، أي وزير المواصلات (ورئيس حزب الكتائب) الدكتور جورج سعادة، فالفشل هو هو، والنتيجة لا تتغير: لقد تكاملت صورة “الحكومة” فظهرت أمس، ولأول مرة، وبالثلاثين من أعضائها كإطار للائتلاف السياسي الضروري بين مقتتلين تراضوا – وسط مناخ مؤات – أن يتحولوا إلى أصحاب وجهات نظر متباينة يحكم صراعهم المفتوح التسليم بثوابت النظام وتوازن القوى داخله ثم بين القوى التي ولدته ورعته وما زالت شديدة التأثير على مجريات الأمور فيه.
ومع خطورة ما وقع صباح الأربعاء، فلقد ظل “حادثاً” أمنياً ولم يتحول إلى “حدث” سياسي، واقتصرت اثاره البشعة على إلحاق مزيد من الأذى والضرر بالمواطنين، لكنه ظل أعجز من أن يعطي النتائج السياسية التي توخاها مدبروه ومنفذوه. والخدوش التي أصابت الوزير المر دليل على سلامته وسلامة الموقع والمهمة السياسية التي يتولاها “كطليعة” لمنظومة سياسية متكاملة، بقدر ما هي دليل على قصور المتضررين من مسيرة الحل والتقدم في اتجاه السلام الوطني.
وإذا كان الحادث يثبت وجود ثغرات خطرة في جدار بيروت الكبرى، المحصنة (؟!) فإنه يثبت أيضاً إن المتضررين أعجز من أن يوقفوا مشروع تمديد المدينة – الدولة لتصير بحجم القرار السياسي بتثبيت الكيان اللبناني.
في أول جلسة لمجلس الوزراء مكتملاً اختفت “الصعوبة” التي استهلكت أربعة أشهر من الفراغ والسفسطة والمناورات والتكتكات البازارية، وظهرت هذه المؤسسة وكأنها ذات قدرات خرافية!
*فهي تتخذ القرار “المبدئي” بحل الميليشيات في اللحظة التي تركض آخر الميليشيات لارتداء ربطة العنق ولقب صاحب المعالي، مع “ربط نزاع” سياسي قد ينفع مستقبلاً،
*وهي توقع غير هيابة قرار رفع الدعم الحكومي للرغيف!
*وهي تعد القوانين اللازمة لتعيين النواب بعد تعديل قانون الانتخاب،
*وهي تباشر البحث في موضوعات كانت مرجأة في انتظار المعجزات: كالمجلس الاقتصادي الاجتماعي واللامركزية الإدارية والمهجرين وصولاً إلى “المحظور”، أي العلاقات المميزة بين لبنان وسوريا،
… لكأنما الجميع يهرولون حتى لا يحتسبون في عداد المتخلفين فيخسرون المقاعد والأدوار حاضراً ومستقبلاً!
ولكأنما استعاد اتفاق الطائف سحره الخاص وزخمه الملفت فإذا الجميع يتباهون بانتمائهم إليه، قافزين من فوق ملاحظاتهم وتحفظاتهم…
ألا يجوز اعتبار اتفاق الطائف عنواناً لمرحلة جديدة تتكامل الآن عبر التطورات في المنطقة، لتصب في النظام الإقليمي الجديد… ضمن بحر النظام العالمي الجديد!
هل هو الدور على الكويت، واتفاق ينظم علاقات أهلها وحكمها (في ما بينهم) وعلاقاتها بالأشقاء الكبار والصغار في الجوار (إضافة إلى تنظيم العلاقات بالجار الأكبر: إيران)؟!
في أي حال فالأسرة الحاكمة الكويتية عاشت في الطائف فترة كافية للتشبع بروحها “اللبنانية”!! والتماثل مع نمط خاص من اللبناني كان باستمرار طموحاً كويتياً، ولعلها الساعة المناسبة لتحقيقه مع بعض الإضافات!
ثم.. هل يأتي قريباً دور العراق، فيكون له “طائفه” واتفاقه الخاص لإعادة تركيب فسيفسائه الداخلية كما نظم علاقته بالجوار العربي كما بالجوار التربي والإيراني وهي أكثر تعقيداً وحساسية؟!
ما علينا، قد يكون هذا كله سابقاً لأوانه، لكن المؤكد إننا سنشهد في المحيط كما في لبنان حكومات مركبة، مثل حكومتنا العلية، وحياة سياسية تنضبط ديموقراطيتها ضمن مقتضيات الأمن الإقليمي.
ولعل بيروت ستكون للأقطار العربية المعنية ما كانته الطائف لبيروت،
أترانا نشهد في المدى المنظور مؤتمراً في بيروت مهمته تجديد صيغة الحكم في الجزيرة والخليج، مثلاً؟
وهل تكون تجربة مؤتمر المعارضة العراقية هي النموذج القابل للتطوير بوصفها النسخة الخام لما سيكون؟!
ملاحظات… محلية؟
*بارك الله في البيت الذي تخرج منه بيوت،
… وفي الحكومة التي تخرج منها حكومات… ومعارضات!
فقط في لبنان يمكنك أن تعارض وأنت حاكم، وأن تحكم وأنت معارض، وأن تعارض حكمك في استمرارك في موالاة الحكم والمعارضة معاً، المهم أن تكون قد أضفت إلى فرنسيتك اللغة الإنكليزية.
*أبرز دليل على انتهاء عصر الميليشيات يتمثل في توزير روجيه ديب بدلاً من سمير جعجع في حكومة المصالحة الوطنية. إنها، بمعنى ما، إعادة اعتبار سياسي لحزب الكتائب على حساب “القوات اللبنانية”، فوزير “القوات” هو الأصرح كتائبية، في صفها الأول، حتى لو كانت كتائبية رمزية.
الكتائب للحكم و”القوات” للمعارضة: تكرار لتجربة أمين وبشير الجميل، ولكن أين الشيخ بيار؟!
*بدا سمير جعجع أمس وهو يعلن خروجه من الحكومة وعليها وكأنه يعلن خروجه من الكتائب أيضاً… كما ظهر وكأن جورج سعادة ليس أضعف من جعجع في واشنطنن برغم زيارات جريصاتي المتكررة لقبرص.
*اكتشف اللبنانيون في الوزير ميشال المر “رجل الدول” المسؤول، من خلال تصرفه المتماسك ومنطقه الصلب بعد حادث التفجير، اختفت صورة “رجل الوساطات” و”الساعي بالخير”، وبدا وزير الدفاع “بالعصبة” على رأسه وكأنه قائد عسكري خارج من معركة ناجحة.
*أعطى شهر رمضان المبارك بيروت لتظهر عصبيتها التي تتخذ طابعاً معارضاً، بالمعنى الواسع للكلمة… فالمدينة التي كانت – تاريخياً – خارج الأحزاب ، والتي أبقت الميليشيات خارجها، تتصرف اليوم وكأنها ليست تماماً داخل الحكم أو إنه ليس في داخلها تماماً.
*يشنع الفرنسيون على الحكم بأنهم سمعوا منه حتى الآن 12 وعداً بتسليمهم الجنرال ميشال عون… ويتحفظ الحكم في الاعلان عن عدد الوعود الفرنسية حول إجبار عون على إعادة المبالغ التي استولى عليها أو صادرها أو احتفظ بها لنفسه من الأموال العامة.

Exit mobile version