طلال سلمان

على الطريق انتباه

هل صار الوفد اللبناني المفاوض وفدين أحدهما ظاهر يذهب من بيروت ليقاتل في واشنطن، والآخر مستتر يأتي من واشنطن بهمسات وربما بأوراق للتأثير في موقف بيرووت؟!
قبل أن يجيء وزير الخارجية الأميركية وارن كريستوفر في زيارة الساعتين إلى لبنان، ثم بعد عبوره أجواء الحكم، بدأت تظهر بعض الإشارات المقلقة التي توحي وكأن الموقف غير موحد، كما يجب أن يكون.
وعلى هامش الجولة الأخيرة (التاسعة) تكثفت الإشارات وحوم جو من القلق العام عكس نفسه على الوفد المفاوض كما على “قادته” في بيروت، خصوصاً وقد خرج التباين في المواقف من الكواليس إلى العلن.
ولعل الجدل الذي ثار من حول ورقة العمل الإسرائيلية، بكل ما رافقها واكتنف التداول بها من تفاصيل، قد جسم القلق وبلوره، مما استدعى طلب النصيحة من دمشق التي كررت وللمرة الألف تحذيرها من الكمائن والأفخاخ الإسرائيلية، والتي قد يتم تسويقها عبر الراعي الأميركي وتجيء على شكل “خدمات خاصة” تقدم للبنان مراعاة لأوضاعه الدقيقة!!
وإذا كان قد أمكن، بالنتيجة ، تجنب الكمين الإسرائيلي ممثلاً بالعرض السخي المتضمن الإشارة إلى القرار 425 (لأول مرة!!)، فإن ما أعقب ذلك من مداولات ورسائل ومحاولات استئناس بالموقف الأميركي، ودائماً تحت عنوان السعي لتعديله توكيداً للحرص على لبنان، قد زاد الضباب من حول الوفد المفاوض مما قد يربك حركته مستقبلاً.
ومفهوم أن تتكثف المحاولات الإسرائيلية لاستفراد كل طرف عربي في المفاوضات،
ومفهوم أيضاً أن تحاول إسرائيل اللعب على التناقضات السياسية وتباين المواقف بين التيارات، والاتجاهات الفكرية والعقائدية والسياسية التي تحكمت في تشكيل بعض الوفود، ولاسيما الوفد الفلسطيني،
ومفهوم أيضاً أن تحاول إسرائيل أو تكثف مساعيها لتحريك التناقضات والضرب على وتر “التعدد الطائفي والمذهبي”، لاسيما بالنسبة للوفد اللبناني.
وليس غريباً أو مستهجناً أن تنساق الإدارة الأميركية، أو بعضها، في رعاية أو تبني بعض هذه المحاولات، وإن بهدف التعجيل في تحقيق تقدم ما، أو خلق دينامية مفتقدة تنعش المفاوضات وتقربها من الأهداف المطلوبة منها أميركياً.
لكن ذلك يجب أن يزيد من الحذر العربي عموماً، واللبناني خصوصاً، وأن يدفع الجميع باتجاه المزيد من التماسك حتى لا يقع أي منهم في الكمين الإسرائيلي المموه بالضمانات الأميركية المعززة بالنوايا الحسنة، وهي ثابتة ولا جدال حولها!!
إن الجولات التسع السابقة كانت محكومة بعدم الإنجاز، لأسباب إسرائيلية أساساً، لاسيما قبل “سقوط” شامير وقدوم “بطل السلام” إسحق رابين.
لكن الجولات المقبلة مرشحة لأن تشهد ذروة الصراع العربي – الإسرائيلي، وإن بسلاح التفاوض.
وعلى هذا فأبسط الشروط أن تكون الوفود العربية موحدة الموقف، متماسكة تماماً.
وبديهي أن تعزز وحدة الوفد اللبناني وأن تكون “التوجيهات” التي يزود بها أو يتلقاها، في ما بعد، محددة ودقيقة تماماً ومنبثقة من الثوابت الوطنية التي على أساسها ذهب لبنان معززاً بوحدته وبالتضامن المطلق مع أشقائه المعنيين، أي السوريين والفلسطينيين إلى هذه المفاوضات القاسية.
ففي هكذا حرب شرسة لا مجال لوفدين ولا لقيادتين ولا خاصة لسياستين، ولو من باب إظهار البراعة في التكتكة أو المباهاة بالنفوذ الاستثنائي أو بالقدرة على استغلال العطف الخاص.

Exit mobile version