طلال سلمان

على الطريق امتحان ما بين القمتين!

سيؤرخ لقمة بغداد إنها اختتمت في اليوم الذي فقدنا فيه – بسببها – خمسة عشر شاباً من أواخر المؤمنين بالكفاح المسلح طريقاً إلى توطيد الأمن القومي وتعزيز صمود من تبقى من الفلسطينيين فوق أرض فلسطين!
فالفتية البررة الذين ضحوا بأنفسهم فجر الثلاثين من نوار على شاطئ الجنة المفقودة أعطوا شيئاً من الروح لذلك البيان السياسي الذي أعلن فيه العرب من بغداد “نواياهم” مرجئين التنفيذ إلى قمتهم العادية في القاهرة بعد خمسة شهور.
وفي انتظار تلك القمة “النوعية” ستكون قرارات بغداد تحت الامتحان اليومي ليتثبت العالم، وبالتحديد الولايات المتحدة الأميركية، من جديتها، أي من كونها ملامح خطة عمل للمستقبل أكثر منها خاتمة لتظاهرة تأييد سياسي لنظام عربي مهدد.
وبرغم إن البيان – القرارات جاء “أقوى” مما كان متوقعاً من قمة عقدت بكل الارتجال الذي رافقها، وفي ظل الضغط الأميركي الوقح والفظ والسافر، كما وصفه العقيد معمر القذافي، فإنه يبقى “أدنى” و”أضعف” بكثير مما تفرضه موجبات الأمن القومي المهدد… على فرض إنه كان بألف خير قبل الحملة الأخيرة على النظام العراقي والتي تناغم فيها الأعلام الغربي مع عرض القوة الإسرائيلي!
إن الأمن القومي مفتقد منذ زمن بعيد! وأي أمن قومي يمكن أن يتوطد بينما إسرائيل أعظم قوة من العرب مجتمعين، وبينما كل نظام عربي يحرص على إثبات ضعفه ليحظى بالحماية الأميركية ، في حين يكدس الأسلحة (التي لا يعرف غالباً كيف يستخدمها) بالمليارات ليدفع عنه “طمع” النظام العربي المجاور أو أذاه، والذي بعض مصدره الاطمئنان إلى مظلة الحماية الأميركية ذاتها!
المهم إن الأنظمة العربية اعترفت أخيراً برابطة ما تجمع بينها، وبهوية “قومية” تشدها جميعاً إلى مصير واحد، واكتشفت (!!) إن أمنها “قومي” بالضرورة لأن العدو “القومي” هو عدوها جميعاً وعدو كل نظام على حدة، وإن المظلة الأميركية تحمي من العرب ولكنها لا تحمي من الإسرائيلي بل تشجعه!
ثم إن الأنظمة العربية قد اكتشفت إنها كلما تأمركت فقدت قيمتها واعتبارها في عين الصديق الأميركي الكبير!.. وإن مسافة ما بينها وبينه تظل ضرورة لحماية ذاتها من أذاه واحتقاره وتحالفه الاستراتيجي المعلن مع عدوها… القومي!
وما كانت الأنظمة لتجرؤ على اتخاذ هذه الخطوة لولا اطمئنانها إلى أن صديقها الكبير لن يفهمها ابتزازاً وتلويحاً باللجوء إلى خصمه… فالولايات المتحدة هي القوة العظمى المطلقة لا منافس لها ولا شريك ولا خصم!
وإذا كانت قمة بغداد قد حفظت غيبة سوريا وتقدمت عبر بيانها في اتجاه موقف دمشق “القديم” فإن الامتحان الجدي هو في أن يكون هذا الموقف – المشترك الآن – هو أرض “المصالحة” التي تفرض نفسها كضرورة من ضرورات الأمن القومي وتحصين العرب (بالعراق وسوريا والأردن ولبنان وليبيا وسائر الأقطار) في وجه احتمالات العدوان الإسرائيلي المعزز بالدعم الأميركي المفتوح.
ومع الأخذ بالاعتبار ما أعلنته قمة بغداد إزاء لبنان، بوصفه خطوة على الطريق الصحيح، فإن هذا الكلام الجميل، ومن قبل الرئيس العراقي صدام حسين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات بالذات، يحتاج إلى ترجمة على أرض الواقع،
لقد نجح القادة العرب في نزع فتيل التفجير لأكثر من مشكلة أو مسألة عالقة في ما بينهم، وبقي أن يتقدموا في اتجاه توفير العلاج الجدي والنهائي وإرساء أسس علاقات حسن جوار (ولا نطمع بأكثر) بين “شطور” شعبهم الواحد.
وبقدر ما كانت زيارة الرئيس المصري حسني مبارك لدشق، في طريق عودته إلى القاهرة. مبادرة طيبة، يقصد بها التأكيد على حفظ الغيبة واحترام الموقف، فإن انتقال العقيد معمر القذافي إلى صنعاء للمشاركة في فرحة توحيد اليمن يظهر إن تلك الخطوة الوحدوية لم تكن يتيمة ولن تبقى يتيمة.
والوحدة، بداية وانتهاء، هي هي الأمن القومي،
وتحرير الإرادة والأرض بين أبسط بديهيات توفر الأمن القومي… والأمن القطري، وأمن الأنظمة الخائفة فرادى والأقل خوفاً متى تلاقت!

Exit mobile version