طلال سلمان

على الطريق اليوم الأول في الهدنة؟!

من 10 نيسان (1973) إلى 13 نيسان (19759 إلى 19 نيسان (1984) امتدت درب آلام طويلة طويلة وها نحن اليوم في “جمعتها الحزينة” ننتظر بتهيب وخوف وقلق وشيء من التفاؤل الحذر البشارة باقتراب لحظة القيامة الموعودة.
هي الهدنة ، إذن؟!
نريد أن نصدق إنها كذلك. نسقط على الوقائع والمعلومات بعض شوقنا إلى الحياة، وبعض إصرارنا على أن نكون مواطنين في بلد حقيقي، وبعض لهفتنا على أن نخلص أبناءنا مما وقعنا فيه ونكاد نفقدهم هم ونفقدهم غدهم فيه، ونتمسك بحبال الوهم لنصدق إن يوم 20 نيسان 1984 هو اليوم الأول في هدنة سببها وسندها وضمانتها إقرار الجميع بالحقائق التي لا مجال لإنكارها.
ولأنها هدنة حتى إشعار آخر، فقيمتها تاريخية والحفاظ عليها ضرورة وطنية خصوصاً وإن الأطراف المعنية تقول ما مفاده إن قمة دمشق التي كانت محكومة بالنجاح قد أرست أسساً مبدئية للتفاهم على “الصيغة”، أي على بقاء لبنان وطناً موحداً لكل أبنائه وجزءاً لا يتجزأ من محيطه العربي.
فالبديل عن هذه الهدنة التي نقبلها ونرحب بها حتى لو دفعنا حذرنا إلى التحسب من إنها قد لا تعمر إلا شهوراً، وإنها معرضة اليوم وغداً وكل يوم إلى الانتكاس، هو أن نمضي قدماً في تنفيذ المخطط الإسرائيلي أي في تفتيت لبنان والمنطقة العربية بأسرها.
ففي ظل الشعور بانسداد الأفق وغياب “الحل الحاسم والنهائي والشامل” تكاد الهدنة تصبح مطلباً بذاتها… ولماذا الاقتتال، إذن، طالما إن أحداً لن يلغي الآخر بشهادة حروب الجبل والضاحية وبيروت؟! وطالما إن لبنان يكون بنا جميعاً ، أو لا يكون، ويكون عربياً أو لا يكون حتى لو وصلت قوات العدو الإسرائيلي إلى النهر الكبير؟!! ثم طالما إن اقتتالنا لن يقرب موعد ذلك الحل العتيد مهما تزايدت أعداد الضحايا، وكلهم غال وعزيز، وتفاقمت خسائر الشعب والوطن المهولة؟!
كان المطلوب أن يؤكد هذا الشعب رفضه الاستسلام للنتائج السياسية والعسكرية للاجتياح الإسرائيلي حتى يدور الزمان دورة معاكسة. ويمكننا القول، الآن، بغير تباه وبغير غرور، إن هذا الشعب الصغير حقق هذه الغاية الجليلة… ولقد حققها بدماء فتيته الميامين في الجنوب، وبوقفة الصمود العظيمة في بيروت وضاحيتها النوارة والجبل في وجه مشروع “الهيمنة” بوصفه بعض تلك النتائج السياسية للاجتياح، وحققها بدعم معلن وغير منكور من بعض أخوانه العرب، وسوريا بشكل أساسي، وهي المعنية مثله بالنتائج إياها.
وهكذا بعد سنتين إلا 48 يوماً من بدء الاجتياح الإسرائيلي للبنان في 6 حزيران 1982، يجد الجميع أنفسهم أمام الحقائق البسيطة والثابتة التي كادت تذهب بها المراهنات الخاطئة أو الحسابات الخاطئة ومنها:
1 – إن لا سلام في لبنان ولأي من اللبنانيين طالما ظل الاحتلال الإسرائيلي قائماً في أي جزء منه، مباشرة أو بالواسطة، إن إسرائيل حقيقة سياسية وعسكرية كبرى في المنطقة ولكنها لا تستطيع لا أن تلغي لبنان ولا أن تبقى فيه، وتحالفها مع أية فئة لبنانية محكوم بالاستحالة، مهما تعاظمت قدرتها على التأثير، فلا طبيعتها تسمح لها بتحالف حقيقي مع أي طرف ولا حقائق الحياة والتاريخ والجغرافيا تعطيها مثل هذا الترف.
2 – إن إنكار وجود الآخر ودوره يلغي الجميع، وإن الإخلال بقواعد التوازن الوطني تهديد للوجود ذاته… فلا غالب ولا مغلوب بمعنى رفع الغبن عن المغلوب، وردع الممارس لسياسة الغالب وكأنها امتياز في مستوى الحق المقدس، ومن أسف إن بعض قصيري النظر والذين سكروا بنصر العدو وتوهموه نصراً لهم قد فرضوا على البلاد أن تدفع ثمناً غالياً من دماء أبنائها وأرزاقهم قبل أن يصطدموا بجدار الواقع ويضطروا إلى الاعتراف بما هو بديهي: أي بوجود الآخر وحقوقه.
ولحظة الاعتراف بوجود الآخر هي ذاتها لحظة الاعتراف بأن الحرب “أهلية” ولها أسبابها اللبنانية، الداخلية، إضافة إلى أبعادها وتشعباتها العربية، وليس العكس.
والاعتراف بداية اكتشاف لطريق الحل، ثم يكون مطلوباً من الجميع أن يتعاونوا على تمهيده والسير فوق أشواكه وصولاً إلى الهدف الواحد: أي قيام دولة واحدة لوطن واحد بهوية واحدة محددة ونهائية.
3 – إن خيار لبنان مثل قدره عربي حتى لو لم يعجبنا “العرب” الذين نصل في لحظات اليأس إلى حد التحدث عنهم وكأنهم “الخارج” وننسى إننا منهم وفيهم ولسنا بالضرورة وبالمطلق، أفضلهم.
هي الهدنة إذن؟!
نتمنى أن تكون هذه بداياتها ونتمنى أن يطول أمدها لعلها تتسع لمراجعة الذات والمواقف بهدوء بغير تشنج وبغير تعصب وبغير أوهام زائلة وباهظة الكلفة.
ونتمنى أن يعي الحكم، قبل أي طرف آخر، مسؤولياته بكل أثقالها فيتحملها كما ينبغي لأي حكم مسؤول أن يفعل.
فالهدنة في ما بيننا قد تكون هي هي المجال لأنماط من الحروب يشنها العدو الإسرائيلي علينا، على شكل فتن أو عمليات تخريب مستعيناً ببعض القوى التي استولدها ورعاها ودربها ونماها وفرضها كعنصر تنغيص وتعويض وتضليل عن الطريق السوي..
وفي الجنوب، والبقاع الغربي، وإقليم الخروب، والطريق الساحلي يبرز الامتحان الأول والأهم للحكم أولاً، وللقوى السياسية جميعاً، ولمدى جديتها في حماية الهدنة وتطويرها في اتجاه السلام المنشود، حفظاً للوطن كله بعاصمته وشماله والبقاع وسائر الجهات.
ومن خلال العمل لتحرير الجنوب، بكل شروطه الطبيعية والمتصلة حكماً بضرورات التوازن الوطني، تهل بشائر التفاؤل بقرب انتهاء الليل الطويل،
فارقبوا نجمة الصبح جنوباً، واليقظة اليقظة حتى اكتمال الشروق!

Exit mobile version