طلال سلمان

على الطريق اليحمريّون!

كانت يحمر هي المُحاصرة والدولة تحاول جاهدة فك الحصار الإسرائيلي عنها،
الآن الدولة هي المحاصرة والمحصورة، و”اليحمريون” يحاولون التهوين عليها والتخفيف عنها بالتعهد لها بالتستر على فضائح حكمها وآخرها ما صدر عنه حول يحمر والحصار والشفاعات الدولية لفكه!
أما السفير الأميركي المبتهج أبداً فيدور متنقلاً من مسؤول زمني إلى مسؤول ديني مطلقاً سيلاً من التصريحات التي تشهد على اهتمامه الشديد بيحمر وأهلها المحاصرين، ولعله كان يعني “اليحمريات” حين قال ما مفاده أنه لو لم يكن متزوجاً وراضياً في زواجه لما كان اختار عروساً له من خارج لبنان!
لكن هذا كله لا يساعد في كشف اللغز المحيّر الذي يتمثل في حقيقة أنه كلما التقى رئيس الحكومة قائد قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب، أو نائبه، وناقشه في بعض نتائج الاحتلال الإسرائيلي، انتهى الأمربفضيحة سياسية مبعثها إما سوء الفهم وإما نقص الخبرة وإما الجهل باللغة أو ذلك كله معاً!
لعلّ السر في “آب اللهاب”.. فحادثتا سوء الفهم وقعتا في الشهر ذاته، والكل لا يزال يذكر تلك “السقطة” التي انزلق فيوهادها الرئيس – الشيخ غداة الاجتياح الإسرائيلي بالنار للجنوب قبل عام ونيف من اليوم.
إذاً فحصار يحمر – الشقيف مستمر ومفتوح حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً،
والدولة ستظل خارج يحمر، والحكم سيظل خارج الدولة وخارج الفهم السياسي الدقيق لما يجري، وسيظل يركض وراء المضللة والسرابالخادع بينما يردد بلاكلل شعارات ثقيلة عن الصمود وعن المقاومة وعن التحرير الموعود، في انتظار أن يرن الهاتف ويبشره السفير الأميركي الضاحك بأن رغبته قد تحققت، فرغبة دولته أوامر!
والسؤال البديهي الذي يفرض نفسه: إذا كانت “المفاوضات” حول فك الحصارالإسرائيلي عن قرية بحجم يحمر الشقيف قد استغرقت كل هذا الوقت (33 يوماً، حتى الساعة) بغير طائل، فهل يجوز بعد ذلك أن يشك عاقل في صدق إسحق رابين حين يقول أنه مستعد لسحب جيش الاحتلال من الجنوب كله خلال فترة لا تزيد على تسعة أشهر؟!َ
إن رابين لا يكذب،
ولكن إذا أخذنا يحمر مقياساً فإن الانسحاب من كل الجنوب المحتل، ومعه البقاع الغربي، سيتطلب سنوات إذا كانت المفاوضات على كل قرية ستستغرق مثل ما استغرقته القلعة الحصينة يحمر الشقيف!
ثم إن الإدارة الأميركية لا تكذب،
فإذا كان قد أقصى مدى للنفوذ الأميركي على الحكومة الإسرائيلية فكم ترى سيكون الضغط فعالاً في موضوع الانسحاب الشامل والزمن الذي يحتاجه؟!
في أي حال، فقد آن للبنان أن يستقر على يقين مؤداه: في كل ما يتصل بإسرائيل ومصالحها الحيوية، وأمنها على وجه التحديد، تبدو الإدارة الأميركية أشد تطرفاً من الحكومة الإسرائيلية.
يكفيأن نستشهد بالنموذج الأرجنتيني الصارخ.
فقبل أن يهدأ دوي الانفجار الذي هز العاصمة الأرجنتينية ودمر مبنى الجمعيات اليهودية موقعاً عشرات القتلى والجرحى، كان وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية وارن كريستوفر يطلق حكمه القاطع بإدانة إيران جازماً بأن دبلوماسييها ورعاياها أو أصدقاءها هم الذين خططوا ونفذوا التفجير الخطير، وهو الثاني من نوعه في تلك البلاد ضد “أهداف” يهودية.
لكن القضاء الأرجنتيني قال كلمة قاطعة، أمس، مبرئاً السفارة الإيرانية وإيران من أية شبهة أو علاقة بموضوع التفجير.
وقد لا تحس الحكومة الإسرائيلية بالحرج نتيجة التبرئة الأرجنتينية لإيران، لأنها ظلت متحفظة في اتهاماتها، ولم تجزم بتحديد هوية المفجر، في انتظار الدليل الحسي، وإن كانت لمحت إلى “الإسلاميين”.
يبقى أن نعثر على من يقنع كريستوفر بأن الأرجنتينيين أعرف منه وأكثر حرصاً على كشف المفجرين، وأن عليه بالتالي ألا يتقدم على الإسرائيليين في ما يخصهم!
… فإذا ما اقتنع كريستوفر، بعد جهد، فمن يقنع معاونيه الذين يمسون بملف “الشرق الأوسط”، وهم جميعاً ممن “لا يعملون يوم السبت”؟!
للمناسبة، بين التشنيعات التي تردّدها الأوساط الدبلوماسية في واشنطن واحدة تقول: “إن دبلوماسياً أجنبياً معتمداً سأل أحد أركان الخارجية الأميركية: هل كل العاملين هنا من اليهود، حقاً؟! فضحك الركن وأجاب: – لكننا نفكر فعلاً بإضافة “حنطايل” – أي غير يهودي – لكي يؤمن الدوام أيام السبت”.
… ويحمر وستنتظر “سبتاً” بعيد المنال!

Exit mobile version