طلال سلمان

على الطريق الياس الهراوي الماروني: أقل من أعطى وأكثر من أخذ!

من حق الياس الهراوي أن يباهي الموارنة بأنه “وإن كان الأخير زمانه” فقد أتى “ما لم يستطعه الأوائل”!!
بوسعه أن يقول لهم بأنه كان صاحب الفضل الأكبر في إنقاذ موقعهم في السلطة ودورهم في البلاد والمنطقة، في حين إن من سبقه من الرؤساء ومن يعاصره من القيادات لم يفعل غير تهديد الموقع والدور بل والوجود الماروني نفسه.
وبوسعه ومن حقه أن يقول إنه أقل من أعطى وأكثر من أخذ، من سوريا تحديداً، مستذكراً “تجارب” أسلافه الصالحين من سليمان فرنجية إلى ميشال عون مروراً بأمين الجميل،
وبوسعه أن يذكر بالعروض التي قدمتها بعض القيادات المارونية للسوريين، والتي وصلت مع كميل شمعون إلى حد “الاتحاد” ومع بيار الجميل إلى “التكامل” ومع بعض المرشحين البارزين لرئاسة الجمهورية إلى الكونفدرالية والفيدرالية.
من حقه أن يقول لهم غداً: أنا من أنقذكم من الجنون والانتحار،
ولعله سيضيف : كنت العاقل الوحيد والفارس الأخير للطائفة، فاستطعت بشجاعتي أن استنقذ ما كان مهدداً بالضياع نتيجة لسوء التصرف والمزايدات الرخيصة والتقلبات التي كانت تطبع سلوك الزعامات والمراجع السياسية والروحية على السواء.
وبوسعه أن يقول: أنا الموارنة، في هذه اللحظة، وليس البطريرك الماروني، أو “القوات اللبنانية”، أو حزب الكتائب، أو ريمون اده الهارب من الميدان والمزايد عن بُعْد، ولا بالطبع أمين الجميل المسؤول عن أبشع الكوارث التي حلت بالموارنة خاصة واللبنانيين عموماً،
وبوسعه حتى أن يقارن نفسه بميشال عون ليقول إنه حقق بالحنكة والمهارة والفهم العميق لظروف المنطقة والتحولات الدولية والمعرفة الشخصية الدقيقة للقيادة السورية، ما لم يستطعه ذلك الجنرال الأخرق بمدافعه وخطبه الحماسية التي لا تطعم الناس خبزاً ولا توفر لهم أمناً!
فلبنان، والموارنة فيه تحديداً، بحاجة إلى “عمرو بن العاص” وليس إلى “جان دارك”،
ويستطيع الياس الهراي أن يفحم القيادات المارونية جميعاً، والبطريرك على رأسها، بإحالتهم إلى الواقعة الثابتة وهي إنه استطاع الحصول من سوريا على ما لم يكن أي “ماروني” يحلم به، من الاعتراف بالكيان إلى الإقرار بالسيادة والاستقلال انتهاء بالاقتصاد الحر والمبادرة الفردية.
وبوسعه أن يباهيهم إنه في خطابه أمام الرئيس الأسد قال ما كانت القيادات المارونية تغمغم به أو تؤمئ إليه مع تحاشي أن تقوله علناً وبوضوح كمثل التوكيد على إن “لبنان وطن نهائي”،
غداً عندما تهدأ الأعصاب المؤثرة ويعود العقل إلى العمل بقوة دفع الحس المصلحي (وهو مرهف عند الموارنة)، وتتراجع صيحات المزايدة والنفاق السياسي لما يسمى زوراً “الرأي العام” وهو في حقيقة الأمر تسمية حركية للاتجار بالغرائز الطائفية السهل استثارتها وتهييجها دائماً بذريعة الخوف على الموقع الممتاز داخلياً والدور الممتاز خارجياً،
غداً يستطيع الياس الهراوي أن يواجه الموارنة بجدول مقارن: لما ربحت الطائفة عبره مقابل ما خسرته على أيدي أسلافه ومعاصريه من قياداتها.
فهو يستطيع أن يقول إنه قد استعاد الدولة ورئاستها وجيشها، (وكل ذلك رموز مارونية) في حين “إنهم” قد مزقوها وأضاعوه، فصادروا مواردها وسرقوا أسلحته وما اضطروا إلى إعادته منها أتلفوه وأفسدوه كلياً وجهاراً نهاراً.
بل هو يستطيع أن يقول إنهم “قد أتوا بالسوري”، وإنهم بسوء تصرفهم وسعوا مساحة انتشاره العسكري فالسياسي حتى صار شريكاً كاملاً وطرفاً مقرراً، بالمعنى العملي، وإنه – بالمقابل – قد أسهم في تشريع انسحاب سوريا من “الكيان اللبناني” وتقنين نفوذها السياسي في إطار الدستور ومصلحة النظام وليس على حسابه وخارجه.
ولقد كان الرئيس الأسد محقاً في ملاحظته على خطاب الرئيس الهراوي حين قال له ممازحاً: “إن شاء الله، يفهمون عليك ويتلقون رسائلك… وعساهم يفهمون كم ضحينا نحن الوحدويين لنقبل بلبنان الذي أنتجه الطائف والذي تمثلونه يا أبا جورج”.
ولعل الياس الهراوي لم يجاور حده حين بعث برسالة البطريرك الماروني تقول ما مفاده: “لو إنك أوقفت المخطئين عند حدهم، وردعت “الأوباش” عن تدمير طائفتهم، لما تسلمت أنا لبنان وهو صفر والطائفة فيه صفر، فأنا أستعيد ما أضعتموه جميعكم، ومع ذلك تتفلسفون علي بدل أن تساعدوني، أنا لا أطلب الشكر، ولكنني لا أقبل المزايدة، فقد لبننت مار مارون شخصياً، واستعدته من سوريا، ولم يكن ذلك ممكناً لو إنني بقيت لاطياً مثلكم في بكركي أو سائحاً مثل غيركم في باريس أو “طافراً” في جرود كسروان مثل سمير جعجع. أنتم أعطيتم وأنا أخذت، أنتم ضيعتم وأنا استعدت، وأنا من يلوم ويحاسب وأنتم من هو ملزم بتبرير أعماله والدفاع عن أخطائه”.
بعيداً عن هذا السجال سيكتب التاري غداً: إن الياس الهراوي أقل من أعطى وأكثر من أخذ، في الداخل والخارج.
وسيكتشف غداً بعض المتباهين اليوم بأنهم “أخذوا الكثير” من الموارنة، إن رئاسة الجمهورية قد استعادت عبر الياس الهراوي ما كان لها من قوة سياسية وربما أكثر مما كان لها ولشاغليها منذ الاستقلال وحتى اليوم!

Exit mobile version