طلال سلمان

على الطريق اليائسون والهدف

يوم بعد يوم، يتزايد عدد المتحدثين عن اليأس، وعن فعل اليأس في نفوسهم، وعن تأثير اليأس على تصرفاتهم “الحربية” فيها والسياسية و”الفكرية”،
ومع إدراك هؤلاء إن حديثهم يكشف نزعتهم الانتحارية – التي هي الوجه الآخر للمسلك الفاشي -، فإنهم يطلقونه علناً ويعتمدونه منطقاً ويطالبون الآخرين بالتفاهم معهم على أساسه!
“تعالوا ننتحر معاً”!
“لا تتركونا ننتحر وحدنا، وإلا تصدعت الوحدة الوطنية، وانهار لبنان”!
هذه خلاصة منطق الكتائبيين والمتعاطفين معهم، وبخاصة منافقيهم!
لماذا لا تكون الدعوة إلى الحياة؟
وممن اليأس، ومم، ولم، وما هي الدوافع إليه والأسباب؟
أمن المعقول أن يكون كل الآخرين مخطئين وأصحاب المنطق الانتحاري وحدهم المصيبون؟
أمن المعقول أن يصدق أحد إن لبنان قد هان على الأكثرية الساحقة الماحقة من أبنائه، وعلى كل الفلسطينيين، وعلى العرب أجمعين، فارتضوا له أن يندثر وأن يأكله الدمار وأن يزول برمته، بكل من وما فيه، هكذا فجأة وبلا مناسبة؟
أمن المعقول أن يصدق أحد أنه لم يبق في لبنان من هو لبناني غير الكتائبي؟ وإن البضعة آلاف كتائبي هم – بالتالي – السبب في بقاء لبنان، وإن هؤلاء وقد عجزوا عن حمايته بحياتهم سيحمونه أكثر وأفضل بانتحارهم؟!
إن أحداً لا ينكر على الكتائبيين لبنانيتهم، أو حقهم في اختيار ما يستسيغون ويستنسبون من مناهج وأفكار وأساليب، لكن أحداً لا يقبل منهم (ولهم) احتكار لبنان، وبالطبع حبه حتى… القتل، قتل أنفسهم، وقتل الآخرين، وقتله هو!
إن المقاومة الفلسطينية لا تعتزم، بالتأكيد، إنشاء دولة لها في الدكوانة ولا في عين الرمانة والمريجة وحارة حريك،
كذلك فاللبناني غير الكتائبي ليست له “مطامع” لاسيما في الدكوانة، وغيرها من ضواحي بيروت التي تتكون بأكثرية قاطنيها من ريفيين فقراء جاؤوا المدينة هرباً من الموت جوعاً في قراهم ومناطقهم المهملة والمضطهدة.
أما العرب… فلا نظن إن بين أهل الدكوانة وبينهم مشكلة من أي نوع، لا في البيع والشراء، ولا في التحرر والاحتلال!
… ومع هذا تطالعنا صحيفة الكتائب بافتتاحيات من نوع “حصاد الأيام”، أمس، وقد جاء فيها بالحرف:
(ليكن مفهوماً إننا عازمون على المضي في الثورة على الفوضى حتى النهاية. فأما أن يكون لهذا البلد حكم يحسم النزاع مع قوى الشر والفتنة.. وأما أن نقلع شوكنا بأيدينا.
(… ولقد عزمنا أن “نتعايش” مع الأزمة حتى يكون للبنان الحكم اللائق به.
… و”ثورة حتى النصر”!!)
أما إذا أردت أن تعرف من هي قوى الشر والفتنة، فإن الصحيفة تحددها لك بوضوح، في سياق مقال آخر:
“… ولكنه من الراهن أيضاً إن المقاومة ارتكبت هنا خطيئة أخرى، وذلك بسبب سوء تقديرها للقوى الحقيقية في لبنان، فتركت اليسار الحاقد يحتويها، ويستغل قوتها ومكانتها، ويستعملها لتحقيق أطماعه السياسية في لبنان، فيما هو يستعدي عليها نصف لبنان ويجر عليها نقمة قواه الحية الحقيقية، سواء ذلك على الصعيد الشعبي أو العسكري”.
وينتهي المقال إلى وضع خيار محدد أمام المقاومة: أما الانفصام والطلاق بينها وبين الحركة الوطنية، واستبدالها، مجتمعة، بالكتائب، وأما الصدام المسلح كطريق للانتحار.
إذن، هي الحركة الوطنية المستهدفة،
فلماذا لا تقولها الكتائب صراحة، ولماذا لا تحصر الصراع في دائرته الطبيعية، اللبنانية، أولاً، والسياسية – الاجتماعية – الاقتصادية ثانياً، والتي تدخل كل اللبنانيين طرفاً واحداً في الموضوع وليس مجموعة من الطوائف والميليشيات؟
وليست الدعوة إلى الانتحار هي المدخل الطبيعي إلى الحوار، مع أي طرف لبناني أو فلسطيني وبالتالي عربي.
ولهذا تخسر الكتائب أكثر فأكثر ويوماً بعد يوم، ليس، فقط قوتها السياسية، بل قبل ذلك إحساسها الداخلي بضرورة وجودها، وربما بضرورة وجود لبنان ذاته!

Exit mobile version