طلال سلمان

على الطريق الوطن الآتي من فلسطين

خلال الحرب الفلسطينية الأولى (47 – 1948) ذهب المواطن البعلبكي إلى فلسطين، عبر الجنوب، كمهرب سلاح فاسد…
عشرات البعلبكيين مشوا، على أقدامهم، مئات الكيلومترات، ليبيعوا الفلسطينيين سلاحاً ربما نفع في قتل حامله، لكنه بالقطع لم ينفعهم في صد إرهابيي العدو الإسرائيلي… وكأن الجنوبيون شركاء بالتواطؤ للبعلبكيين، فهم الذين سهلوا لهم “الدخول خلسة”، وهم الذين وصلوهم بالفلسطينيين المتلهفين إلى السلاح، أي سلاح ومن أي مصدر ليدافعوا عن وجودهم وعن الوطن المهدد…
… وخسر الفلسطيني وطنه، وظل الجنوبيون والبعلبكيون، كما سائر اللبنانيين، بلا وطن!
وأمس، حين قصد عشرات الألوف من البعلبكيين صور، والتحموا فيها بعشرات الألوف من الجنوبيين، وهدر صوت الرصاص كالغضب، ولد السلاح الوطن،
وكانت للوطن ملامح فلسطينية!
طويلة هي الرحلة من القبيلة إلى الانتماء الوطني،
وقد استغرق سفر البعلبكي إلى الجنوب نحواً من ربع قرن،
ومثل هذه المدة احتاجها الجنوبي لاختراق الحدود الوهمية بينه وبين فلسطين التي غادرت الخريطة لتلملأ العالم كله باسمها، بصورتها، بقضيتها، برصاصها الذي عرف، أخيراً، الطريق إلى هدفه الصحيح.
ولأن الدولة في لبنان بديل عن مجلس الطوائف، والطائفة بديل عن الوطن، لم يجد البعلبكي وطنه في سرايات بيروت وبعبدا وبيت الدين وزغرتا، ناهيك عن بعلبك،
ولم يجد الجنوبي وطنه في صور، ولا في بنت جبيل، ولا خاصة في الطيبة، ولا في صيدا التي تشكل نقطة الحدود الأخيرة مع الدولة اللبنانية،
وهكذا صارا فلسطينيين..
ومثلهما صار الطرابلسي، والعكاري، والجبيلي، والبتروني،
وهكذا هو الكسرواني والشوفي، وبالطبع البيروتي وحتى الزغرتاوي..
آلاف العطاش إلى الكرامة الذين زحفوا إلى صور، عادوا منها بانتماء أكيد إلى قضية.
ولكن،
من يساعدهم الآن، وبعد العودة، على ألا يفقدوا القضية لتربحهم مجالس الطوائف أو الدولة التي تقدم الكيان بديلاً عن الوطن، ونموذج السمسار – بأوسع معاني الكلمة – بديلاً عن المواطن؟
من يساعدهم حتى لا يفقدوا هذه النفحة الفلسطينية التي وضعتهم – وأكثر من أي يوم مضى – على طريق الانتماء إلى غير البكوات من أصحاب الدولة العلية؟
من يبقى في قلوبهم وضمائرهم وسواعدهم رافعة السلاح صورة الوطن الفلسطيني الملامح… لأن العروبة هي شرط تحول لبنان من شقق مفروشة للبيع إلى وطن.
وحدها العروبة تستطيع…
لأنه بالعروبة، وبالعروبة وحدها، يتحول لبنان من شقق مفروشة برسم البيع أو الإيجار، لا فرق، إلى وطن ويتحول الرعايا فيه إلى مواطنين.

Exit mobile version