طلال سلمان

على الطريق الوطن أو السلامة!

عندما ينزح المواطن في الجنوب عن أرضه، ويهجر بيته وزيتونته وذكرياته، وكرامته أيضاً، معذوراً في طلبه للسلامة طالما لم يجد الوطن الذي يؤمنه ويحميه ويضمن له كل ما كان يتمتع به فعلاً، وكذلك ما نزح في طلبه.
صحيح أنه ينزح من الحقيقة إلى الوهم، لكن القذيفة الإسرائيلية حقيقة هي الأخرى.
وفي ظل الرعب والعجز الأشد قسوة وإيلاماً تصبح إمكانية الصمود وهماً آخر، والمطالبة بها لغواً أو هرطقة أو دعوة للموت بالمجان.
وعندما “يتفهم” وزير الدفاع أسباب نزوح الجنوبيين وينطلق في تفسيرها وتبريرها بفصاحة المحامي الجهيذ إنما يقدم للناس صورة مجسمة عن الوهم الذي ينتظرهم في ملاذ الأمان المزعوم: بيروت… فالذي لا يملك ما يقدمه لهم في الجنوب غير العجز والهزيمة ماذا تراه سيقدم لهم في بيروت من أسباب لللصمود والسلامة، ناهيك بالرزق والأشياء الحميمة التي تبقى في البيت ولو مهدماً، وفي القرية ولو أنقاضاً متروكة للبوم والريح وأبناء آوى.
إن وزير الدفاع – الدفاع نكرر – يطرح أمام المواطن في الجنوب، وفي غير الجنوب طبعاً، خياراً محدداً: السلامة أو الوطن، ثم يغريه بالسلامة!
وهكذا فإن على المواطن في لبنان أن يواجه قدره ويحزم أمره ويختار الموت في الوطن الحقيقي، أو الموت داخل شرنقة الوهم الذي يقدم كبديل عن الوطن والسلامة معاً.
وكيف يمكن أن يصدق الجنوبيون أن الدولة التي تعزيهم، سلفاً، عن خسارة جنوبهم بلا قتال، ستقاتل من أجلهم – ومن أجل المواطنين الآخرين – في بيروت أو في الشمال أو البقاع أو حتى عند أرز الرب؟
“تعالوا موتو ا في بيروت.. بدلاً من أن تموتوا في الجنوب”!
هذا هو الغرض الوحيد الذي تقدمه الدولة.
على أنه في بيروت سوف تضاف أنواع أخرى من الموت إلى “الموت الإسرائيلي”..
فثمة الموت جوعاً، بفضل جمعية المساهمين في الهزيمة وجمعية مستثمري نتائج الحرب.
وثمة الموت قهراً، لأسباب كثيرة منها البطالة ومنها ضيق ذات اليد، والعجز عن الوفاء بالتزامات الحد الأدنى من ضرورات العيش الكريم..
وثمة الموت بالرصاص الطائش.
فهل تراها، هذه الأنواع من الموت، أكثر وطنية من الموت بقذائف العدو الإسرائيلي؟
وما أوسع الشقة بين اللاجئ الفلسطيني المقتحم الموت طلباً للوطن، والدولة اللبنانية التي تغري مواطنيها بهجرة الوطن طلباً لحياة – أي حياة – خارجه، بل وعلى أنقاضه!
إن التاريخ يعلمنا أن المواطنين يموتون عادة من أجل الوطن، وفي سبيله، ولكنها المرة الأولى التي نسمع فيها بدعوة المواطنين إلى النزوح من الوطن طلباً لوهم السلامة، في حين أن النتيجة الأكيدة المترتبة على مثل هذا النزوح أن يضيع الوطن ومواطنوه في آن معاً..
ومبرك، سلفاً، لدولتنا العلية، هذا الشيء الذي يتبقى لها بعد ضياع الوطن وطواطنيه.

Exit mobile version