طلال سلمان

على الطريق الوجه الآخر “للأحزان”!

لولا الأحزان الجنوبية الكثيفة، لأمكن أن نستمتع وأي استمتاع بالمسرحية التي ابتدعها النظام اللبناني “لتخريج” ردود فعل “متوازنة”، محلياً وعربياً، على تقصيره (مرة أخرى) في صد الاعتداء الإسرائيلي الذي تسبب في تدمير بعض قرى العرقوب ونزوح أهاليها منها.
في المشهد الأول، من المسرحية، رأينا النظام شيخاً متهدماً طاعناً في السن، يستجدي عطفنا وعطف الأخوان العرب، فينظم قصائد الرثاء في الفقيدة كفرشوبا، ويدعونا للوقوف دقيقة حداد على عجزه وعليها، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
في المشهد الثاني رأينا هذا النظام وقد تحول إلى مدع يقدم شكوى ضد الدولة العربية التي لا تمد لبنان إلا بالكلام وبرقيات التعزية.
في المشهد الثالث تحول المدعي بقدرة قادر إلى محامي دفاع عن الدول العربية، فإذا به يقول إنه تحول وسيتحمل أكثر من أجل الشقيقة سوريا، وكرمى لعيون الأخوان الفلسطينيين..
في المشهد الرابع صار محامي الدفاع مدعياً عاماً يوزع التهم على الجميع، فأهالي كفرشوبا يستحقون اللعنة التي حلت بهم لأنهم عصوا “إرادة الرب” ولم يقتتلوا مع الفدائيين، والحزبيون مخربون ومتآمرون يعبثون في الأرض فساداً ويتجرون بقضية الجنوب، ثم إن الجنوب نفسه مصيبة لا يصدر إلى “لبنان” غير البلاء، من مزارعي التبغ وإضراباتهم المتلاحقة إلى المشاغبين المطالبين بالحماية والتحصين، إلى الأعداد الهائلة من المطلبة والمدرسين والمثقفين والشعراء الذين يتبعهم الضاوون، إلى الليطاني ومشاكل منسوبة ووجوه استخدامه ، انتهاء باتفاقية القاهرة وما ماثلها وما نجم عنها.
في المشهد الخامس توزع أهل النظام، كما فريق الكرة، الأدوار في اللعبة: وقف بعضهم يقول “وجود الفدائيين هو المصيبة وخروجهم هو العلاج، وإلا فالحرب الأهلية”، ورد بعضهم التحية الطائفية بأحسن منها، وهب “سعاة الخير” للتوسط “ويا أخوان طولوا بالكم. تنازل يا مسيحي قليلاً من أجل الاستقرار الاقتصادي. وأنت يا مسلم، تنازل قليلاً من أجل الوحدة الوطنية. وأنتم، أيها الفدائيون، راعوا أوضاعنا الدقيقة فانزحوا عن الجنوب”..
وضمن المشهد الخامس تعددت المناظر:
مجلس النواب يشرب حليل السباع ويطالب الحكومة بتحديد مواقفها أمامه من عروض التسليح العربية والأجنبية، والخطة الدفاعية، ومشروع قانون خدمة العلم، ومشاريع حماية الجنوب وتحصين قراه، ومدى التزامها باتفاق القاهرة..
والحكومة تقول للنواب: في فمي ماء، ولا أستطيع أن أتكلم،
ويهتف النواب: فلنذهب وفوداً وفوداً إلى الأقطار العربية نعرض قضيتنا ونطلب الدعم حتى نفرز الناس فنعرف من معنا ومن علينا.. أو فلنعقد مؤتمر قمة، لا بل مؤتمراً نيابياً، لا بل مؤتمراً مشتركاً للنواب والحكومات والمحكومين،
والحكومة ترد: لا مانع عندي، ولكن لا فائدة، فلن يجتمع العرب، وإذا اجتمعوا فلن أصل معهم إلى نتيجة، وأنتم تعرفون لماذا!
ثم تصدع الحكومة أخيراً لضغط مجلس النواب (ممثلي الشعب) فتطلب انعقاد مجلس الدفاع العربي، بعد تردد وعلى استيحاء، آملة ألا يرد أحد على طلبها، فإذا ما أحرجها “الأخوان العرب” بتلبية الدعوة، وتحدد موعد انعقاد المجلس يوم الاثنين المقبل أسقط في يدها وبدأت ترسم خطة التراجع.
وغداً في القاهرة سيقدم نظامنا المشهد السادس، وهو القمة أو العقدة المسرحية أو الخاتمة السعيدة! سيقف ليقول للعرب: يا أخوان، كلفنا خاطركم. لا أريد إلا سلامتكم. هذه مشكلتي وأنا أدرى بطريقة معالجتها. لا أريد منكم سلاحاً ولا جنوداً ولا حتى مالاً. أرجوكم لا تحرجوني، فوضعي الخاص لا يحتمل الإحراج.. وهاكم ما يقوله الشيخ بيار الجميل، وهو من أعرف وتعرفون منزلته عندي! أتريدون لي أن أغرق بفتنة طائفية جديدة؟.. فقط أرجو أن تستخدموا نفوذكم عند واشنطن، لكي تستخدم نفوذها عند تل أبيب لعل إسرائيل تتوقف عن ضرب الجنوب التزاماً بما أعلنته من أنها “لا تريد الإخلال بالتوازن الطائفي الدقيق، ولا هي تريد إسقاط حكومة بيروت”!
هكذا، أمام أهل كفرشوبا تكون الذريعة ضعف الإمكانات العسكرية والمالية والاقتصادية (والعين بصيرة واليد قصيرة)..
وأمام من في بيروت تصبح كفرشوبا هي الجانب لا المجني عليها،
وأمام اللبنانيين عموماً يعلق العرب، عموماً، على خشبة التخلي والتقصير المخزي،
ثم.. أمام العرب في القاهرة، تقلب الأسطوانة ليستخدم “الوضع اللبناني الخاص” ذريعة لرفض المساعدات، كثيرها والقليل،
… بانتظار اعتداء جديد، وقرى مدمرة جديدة، ومزيد من النازحين إلى حيث تحتضنهم وترعاهم “الأونروا” اللبنانية التي كان اسمها مجلس الجنوب فصار اسمها منذ الأمس “وكالة غوث الجنوبيين”!
لكن الاستقرار بخير، والازدهار عال عال، والنظام يطمئننا بين حين وحين إلى أن قيمة الليرة ترتفع!
فلا علاقة البتة بين تزايد أعداد النازحين (طالما ظلوا جنوبيين) وسلامة الاقتصاد اللبناني – الأعجوبة!
كما أنه لا علاقة البتة بين مجلس الدفاع العربي وسلامة الحدود اللبنانية،
… حتى إشعار آخر،
فهل تستطيع الحركة الوطنية في لبنان أن تقرب أجل هذا الإشعار؟
إن إجابة أولية على هذا السؤال الكبير مطلوبة فوراً. أليس اليوم هو “يوم الجنوب الوطني”؟
ومن حق هذه الحركة الوطنية بل من واجبها أن تتحرك، وإلا اقتعد النظام المقعد الأخير الشاغر: مقعد القاضي، وحاكمها وحكم عليها ونفذ!

Exit mobile version