طلال سلمان

على الطريق “النمر” والمقاومة بالأرض!

سيكون على قادة العدو الإسرائيلي، لاسيما العسكريين منهم، أن يرددوا كثيراً تلك العبارة المتفجرة بالحنق والغيظ التي أطلقها “كبير” من كبرائهم، بالأمس، وقال فيها: “على العرب أن يعرفوا أن إسرائيل ليست نمراً من ورق!…”
فاللبنانيون عموماً يتصرفون وكأنهم تجاوزوا مرحلة الخوف من هذا “النمر”، خصوصاً وبعدما تيقنوا، وبشهادة لحمهم الحي، أن “النمر الإسرائيلي” ليس من ورق.
حتى بعض المناظر المستفزة وأبرزها استمرار الحياة طبيعية على مبعدة أمتار من حرائق القصف التي أشعلها “النمر” الإسرائيلي تؤكد أن اللبنانيين بدورهم ليسوا بعض القبائل الرحل أو أشتاتاً من الغجر، لا أرض لهم ولا انتماء إلى المكان ولا علاقة لهم بالزمان لأنهم أخرجوا أنفسهم منه… وعلى هذا فهم لم يتفرقوا أيدي سبأ مع التماعة أول برق، ولا تبعثروا وكأنهم شخوص من الغبار مع أول نسمة هواء!
ربما لأنهم باتوا يتوقعون أقصى ما يمكن أن يذهب إليه “النمر”،
أو ربما لأنهم يعرفون الآن أنه يعرف أنهم يعرفون مقاتله، فأفقدوه – بمعرفتهم – أهم مزايا قوته: المفاجأة الصاعقة،
أو ربما لأن العالم بات صغيراً والسياسات باتت مضغة في الأفواه ينقلها الأثير من أقصى الارض إلى أقصاها قبل أن يرتد إليك طرفك، والمواقف معلنة وواضحة لأنها تعبير مباشر عن المصالح التي لم تعد سراً دفيناً في بئر عميقة.
أبسط مواطن يمكنه أن يبهرك بتحليل دقيق لمواقف الأطراف جميعاً: إنها المفاوضات تستمر بصيغة أخرى على أرض الجنوب، وكل يحاول تحسين موقعه لدى الأميركي لتحسين شروطه أو موقعه التفاوضي في واشنطن،
إذن فهي ليست “الحرب” مهما اتسعت رقعة القصف ومهما اشتد القصف المضاد،
ثم إن اللبناني على أرضه… وقد تعلم – بالدم – أن من يغادر أرضه أمام الإسرائيلي لا يعود إليها ولا تعود إليه إلا بمعجزة في حجم التحول الكوني.
وأبسط اللبنانيين يدرك أن إسرائيل تضرب مستهدفة تسميم جو العلاقات الداخلية: استعداء الجمهور ضد المقاومة، وتحديداً ضد “حزب الله”، واستعداء لبنان على سوريا، واستعداء الولايات المتحدة على الدولتين – التوأمين والمتكاملتين الآن – بالضرورة كما بالمصلحة وقبل التاريخ والجغرافيا والعلاقات المميزة – كما لم تكونا في أي يوم!
ومع أن جواً من الذعر يلف المناطق المستهدفة بالقصف إلا أن اللبناني حسم أمره، لاسيما في الجنوب، فقرر أن يبقى مهما تعاظم الخطر وحتى لو مست ألسنة النار أطراف فراشه داخل غرفة نومه!.
“لن يدخلوا! إنهم يدفعوننا لأن نقتتل لحسابهم. إنهم يطلبون غلينا إخلاء بيوتنا لنكشف رجال المقاومة، وينسون أن هؤلاء هم أهلنا الأقربون، أبناؤنا وأخوتنا وأبناء العمومة والخؤولة، لم يهبطوا علينا من المريخ، ولهم في الأرض مثل ما لنا، ليسوا عابرين ولا طارئين ولا هم يتخذوننا متراساً… فهم يستشهدون معنا، وتتهدم بيوتهم – بيوتنا عليهم معنا، ولا مجال لأن ينشطر واحدنا نصفين أحدهما يرحل بينما الثاني باق..”.
وربما لأنهم يدركون أن “ضربة النار” والرد عليها هي رسائل ملتهبة موجهة إلى الرعاة الأميركيين فهم حريصون ألا يتركون خارجها، فعندهم أيضاً الكثير يقولونه للأميركيين، وبالدم القاني والأرض المحروقة.
واللبنانيون يتجاوزون شعورهم بالمهانة حين يسمعون العالم يتحدث عن “المقاومة” وكأنها “جالية أجنبية” أو “قوة احتلال” غريبة فرضت نفسها بقوة السلاح، ملتفتين إلى ما هو أهم وأبقى: إنهم حتى هذه اللحظة هامشيون حتى في واشنطن. يرفض الإسرائيلي أن يعترف باحتلاله أرضهم، ويرفض ان يفاوضهم… كما أن الأميركي يبتزهم ليستخدمهم من ثم ضد السوري وضد الفلسطيني أكثر مما يتعاطى معهم كأصحاب قضية.
… وحتى وصور قراهم المحروقة وجثث شهدائهم، وبينهم الأطفال والنساء والشيوخ تملأ شاشات العالم، كان وزير الخارجية الأميركية وارن كريستوفر يحمل “مسؤولية الوضع المتوتر” لـ “حزب الله” وكانت معظم عواصم القرار تدعو القاتل والقتيل على حد سواء إلى ضبط النفس!
منكور عليهم شرف القتال لتحرير أرضهم،
ومنكورة عليهم الشهادة من أجل حقوقهم في أرضهم،
ومنكورة عليهم أيضاً صفة المفاوض وفي إطار “مؤتمر السلام” لاستخلاص الحد الأدنى من حقوقهم بتطبيق قرارات “الشرعية الدولية” ممثلة بمجلس الأمن الدولي وقراره البائس الرقم 425.
وليس الحل بالتلويح بالخروج من المفاوضات،
بل لعل بدايته في انتزاع الاعتراف بأن لبنان داخل المفاوضات وفيها وليس خارجاً أو أنه “عضو احتياط” لإكمال العدد واستيفاء الشرط القانوني للمباريات وفق النظام الأميركي.

Exit mobile version