طلال سلمان

على الطريق النصر أهم من الأمن!

ما التقى لبنانيان إلا وكان اليأس ثالثهما،
وما التقى عربيان إلا وكان لبنان، بوصفه مصدراً للأمل بغد أفضل، ثالثهما!
مفارقة هي، لكنها الحقيقة فلبنان الذي هو أنت، الإنسان، يمثل القضية الرقم واحد بالنسبة لأخوانك العرب في مختلف ديارهم المنتثرة والمشتتة في ما بين المحيط والخليج!
لقد عجزوا عن فهم الكثير من التطورات والتحولات في اللعبة السياسية الجارية في لبنان، وعجزوا عن قبول الكثير من تصرفات القيادات السياسية في لبنان، حاكمة ومعارضة، وعجزوا أو إنهم رفضوا قبول المنطق الطائفي السائد والذي يلغي احتمالات تفتح الزهر وانبثاق الصبح ولهذا يعيشون معنا حالة التمزق إياها.
يرفضون لبنان الطوائف وأمراء الطوائف والامتيازات الطائفية والقواعد الطائفية المتحكمة باللعبة السياسية إلى حد إلغاء إمكان التغيير والتطوير.
وفي الوقت ذاته يكبرون تضحيات الإنسان في لبنان وصبره وصموده ومعاناته التي لا تقلل من إصراره على صنع فجر جديد لأجياله الآتية،
يرفضون تخاذل حكامهم أمام الاحتلال الإسرائيلي، ويرفضون من السياسيين اللبنانيين وأمراء الطوائف وجوه التشابه مع حكامهم هم في الاستسلام والخنوع والتآمر على حقوق المواطنين وسلامة الوطن ومصيره.
وفي الوقت ذاته يرون في هؤلاء الفتية الغر المتصدين للاحتلال الإسرائيلي حيثما وجد في لبنان بصدورهم العامرة بالإيمان وأسلحتهم القليلة، صورة المستقبل المرجو، وتأكيداً لقدرتهم هم – في أقطارهم – على مواجهة المستحيل وإلحاق الهزيمة بالظالم وأبناء الظلام.
إنك، أنت المواطن العادي، المثل والقدوة في نظرهم،
أنس الحكام للحظة، تذكر عشرات الملايين ممن هم مثلك، تذكر حملة الهموم المقهورين الصابرين والعاملين، ضمن قدراتهم ، على استيلاء الأمل من قلب ليل القمع والدكتاتورية ورموز التخلف. تذكر الناس. الرجال والنساء، الشباب والصبايا، الفتية السمر الوجوه، المنفتحة عيونهم العسلية على حلم سني.
إنك بطل هؤلاء جميعاً ورجلهم ومعقد الرجاء.
لقد انغرست في شغاف قلوبهم وقائع نضالاتك اليومية ضد الهيمنة الكتائبية وضد الاحتلال الإسرائيلي، ضد القهر والاذلال ومحاولة الاقتلاع والالغاء، وعاشوا معك، وما زالوا يعيشون معك، ورفعوا صور أخوتك الشهداء والمقاتلين في صدور غرفهم أو زرعوها في الكراسات والألبومات مع صور الحبيب والكلام الحميم.
فأنت “اللااحد” كل منهم ، بالتمني.
أنت العربي والعروبة حتى لو كان اسمك عصيا على النطق، وملامحك تشبه “بكرة”: فيها الربيع والسندس يخضر وجه الأرض الحبلى بعطاء وفير، وفيها أريج الورد وحبيبات زهر البيلسان الأبيض، وفيها رنة الفرحة المنطلقة أخيراً لأن موعد تحقيق الذات قد أزف.
إنهم يكبرون ما حققت من انتصارات في فترة قياسية ويعدون أنفسهم ليكونوا جديرين بأخوتك عن طريق تحقيق ما يماثلها أو يدانيها وما يكملها في كل حال،
ولكنهم يخافون عليك أشد الخوف وهم يرون الوحش الطائفي، بل مجموعة الوحوش الطائفية، تحيط بك وتحاصرك وتهدد بالتهام إنجازاتك ودفعك مجدداً إلى قاع الجب!
إنهم يخافون عليك من حكامهم ومن الحاكمين أو المتحكمين في لبنان وبلبنان أكثر مما يخافون عليك من العدو الإسرائيلي، خصوصاً وهم يتحققون يومياً من قدرتك الفذة على مواجهة هذا العدو وإرباكه والتسبب في تفاقم أزمانه الداخلية.
وهم يخافون عليك من نفسك: يخافون أن تستعجل النتائج فلا تحصد غير اليأس والمرارة لأن المعركة طويةل ومريرة ومستنزفة للأعصاب والإرادة.
إن النصر الذي حققته مكلف، فكلفته بحجم عظمته وآثاره التاريخية لو هو تكامل ومد ظلاله إلى حيث ينبغي وإلى حيث يريدونها أن تمتد،
ولقد تكلف حماية النصر أكثر مما كلف إحراز ما تحقق منه حتى اليوم، والنصر معركة مفتوحة. فأنت تقاتل كل جيوش الليل والماضي ودهر القهر والتخلف ومستحيل أن تحسم الأمر في شهر أو شهرين أو سنة، خصوصاً وإنك لست من صنع الحرب، ولا أنت من اتخذ القرار باللجوء إلى السلاح،
لا تنس إنك حتى اليوم في موقع المدافع، في معركة فرضت عليك فرضاً،
فلا الضاحية هي التي دكت ثكنات الجيش، ولا “قوات” المختارة هي التي اجتاحت جونيه وبكفيا، و”المجلس الحربي” ليس في برج أبي حيدر ولا في الرملة البيضاء التي كادوا يحولونها إلى مدفن عمومي للمتشبثين بعد بحق التنفس والعاشقين للحياة حتى بصورتها البائسة الراهنة.
صحيح إنك محاصر بين القذيفة والرصاصة “الطائشة” بين هذا الوحش الطائفي وذاك، وإنهم يحاولون إغراقك في مستنقع الصراعات المهلكة والمقرفة (الطائفية والمذهبية والجهوية والمتعصبة دائماً)،
لكنك أقوى، ويجب أن تظل أقوى، بدليل ما حققته حتى اليوم،
التفت إلى الأمس القريب، تذكر ما كان عليه الوضع قبل سنتينن بل قبل سنة: لقد أتيت بما لم يأته غيرك،
لكن معركتك لم تنته بعد،
إن الانتصار الناقص يوصلك إلى الهزيمة الكاملة، فتنبه وتيقظ واحم نصرك العظيم احم نفسك وغدك.
إنهم يضغطون عليك بالتشهير بعجز القيادات السياسية ولكن متى كانت هذه القيادات السياسية أعظم منك؟! حتى من صار كبيراً اليوم هو صنيعة نضالك، ولست أنت صنيعة عبقريته. أنت البداية والنهاية وليس هو. بل قد تجد نفسك مضطراً إلى مواجهة قاسية مع الذات ومع هذه القيادات، التي سلمتها زمام أمرك في ساعة ما، من أجل أن تحمي حقك بالنصر الذي تستحق ويعادل تضحياتك الجسام.
وهم يضغطون عليك بأمنك الشخصي،
يصورون لك أملك وطموحك وحقك في الحياة وكأنه هو هو عدوك،
يقولون لك ما معناه: “إذا شئت أن تعيش فاخفض رايتك واستسلم، وإلا فالقصف سيطاردك وسيحرم أبناءك النوم والطمأنينة عليك أن تلغي نفسك ليتوفر لك الأمان. ارم مطالبك وما تدعي إنها حقوقك فنسكت المدافع ويكون لك أن تأكل وتشرب وتنام في سريرك وتتزوج وتنجب صبياناً وبنات يربون في الثبات والنبات، وإلا فيا ويلك ويا ويلهم!!”
“تريد حكومة وحدة وطنية، خذ”.. وتكون الحصيلة خمسين قتيلاً،
“تريد فلاناً بين الوزراء، وترفض المتعاملين مع إسرائيل، خذ “وتكون الحصيلة مئة قتيل،
“تريد بياناً – وثيقة يجدد صيغة الحياة السياسية في لبنان، خذ” وتكون الحصيلة قائمة من القتلى والجرحى والخسائر المادية ما تزال مفتوحة في انتظار جلسة الثقة وما أدراك ما ثقة النواب المحترمين!
وفي كل مرة يضطرونك إلى التراجع، وإلى بلع المزيد من المكاسب التي حققتها بدمك، والتي تشكل بمجملها جوهر انتصارك، أي جوهر الاعتراف بك كإنسان وكمواطن،
وهكذا تخسر بالابتزاز اليومي ما حققته بالمواجهات القاسية التي فرضت عليك في بيروت والضاحية والجبل، وما حققته أساساً دماء الفتية الغر في المحتل من أراضي الجنوب والبقاع والجبلز
فلا تكره نفسك وأطفالك، لا تكره البسمة والأغنية والفراشة، لا تلعن حب الحياة، بحجة إنك بذلك توفر الأمن لنفسك وبعد ذلك فليكن ما يكون.
احم نفسك. احم صورتك الأصلية. احم حقك في الحياة والحب والاستمتاع بتكحيل العيون بفجر جديد.
اكشح بيديك ليل اليأس وجدد مع كل صبح إعلان إيمانك بيقينك وحقك في الحياة وفي الوطن.
فلا بطل إلا أنت، والنصر من صنعك وحدك، والهزيمة لن تجيء إلا من رحم اليأس والاستسلام.
وللمناسبة فقط: إن لبنان والإنسان في لبنان تحديداً يكاد يكون أهم ورقة ناجحة، في الانتخابات المصرية؟

Exit mobile version