طلال سلمان

على الطريق الميلاد على حاجز زمريا

قبل 1992 ولدت فلسطين المسيح عيسى ابن مريم رسولاً من عند الله يحمل كلمته إلى العالمين،
ولقد تواطأ “اليهود” مع المحتل “الغربي” – روما آنذاك – فصلبوا الطفل المولود من “روح الله” لتحرير العالم من وثنيته وتحرير الإنسان من الظلم والظالمين والطغاة والفريسيين الذين حولوا بيت الله إلى مغارة للصوص،
.. وها هم “اليهود” الإسرائيليون يطردون فلسطين إلى العراء والعدم ويصلبونها على خشبة الشرعية الدولية، بالتواطؤ مع المهيمن “الغربي” على عالم القرن العشرين، – واشنطن الآن – تمهيداً لسيادة نوع جديد من الوثنية وتثبيت نمط جديد وأكثر تعقيداً من الطغيان… أما “اللصوص” فقد باتوا هم “السادة” بقوة اقتصاد السوق، وتولوا بأنفسهم رعاية “حقوق الإنسان”.
لا نخل في زمريا، ولا في ذلك الوعر المثلج المجرح بقذائف المحتل الإسرائيلي، و”برد” الضمير العالمي وشلل الإرادة العربية،
لا نخل تهزه مريم “فيساقط عليها رطباً جنياً”،
ولا مغارة، ولا مذود وماشية، ولا نجمة صبح تهدي ملوك المجوس إلى مهد الإيمان،
فشجيرات التين في ذلك العراء الجليدي بين مرج الزهور وزمريا بلا أوراق تعيرها لمن يريد أن يستر عورته، والزيتون ورق ولا ثمر، والكرمة تستبقي وريقاتها المحروقة غطاء لخوائها، فلا عنب، وذلك النهير “الفاتر” يثرثر وهو يكمل طريقه مكتسحاً الاحتلال إلى مصبه “الفلسطيني” محتمياً بهيبة جبل الشيخ،
المجوس هم الحكام، وهم الخطيئة وأداتها،
و”المسيح” الجديد الذي صدره الغرب، الأشقر الشعر بالعينين الزرقاوين، لا علاقة له بمريم العذراء أو بفلسطين أو بروح الله، بل هو تزوير “غربي” مفضوح للرسوال والرسالة، تصالح عبره المحرض على الصلب مع صالب المسيح عيسى بن مريم، الذي كان بالقطع أسمر البشرة عسلي العينين أو أسودهما، والذي كان حتماً يشبه أرضه، فلسطين،
ورابين يؤكد، كل ساعة: لقد طردنا فلسطين كلها فمن أين يجيء المسيح، ومن هذا الذي يطالبنا بدمه وهو لما يأت، ثم من هذا الذي يطالبنا بفلسطين وهي لم تكن يوماً ولن تكون؟!
والسفير الفرنسي في بيروت يحاول الوصول إلى المبعدين الفلسطينيين وكأنهم صاروا جالية أخرى أو طائفة أخرى من الطوائف اللبنانية، فتمنعه الحكومة لتستبقي لهم فلسطينيتهم وعلاقتهم بأرضهم، أرض المسيح، ولتؤكد انسحار “سيادتها” عن أرضها المحتلة… ومع ذلك يذهب إلى المستشفى في راشيا ليزور من جرحته منهم قذائف الاحتلال الإسرائيلي وهم في الأرض المنزعة السيادة بين الاحتلالين: القديم جداً، والقديم فقط،
… أما السفراء العرب فلم يحاولوا أصلاً عملاً بالحكمة الخالدة “لا عين تقشع ولا قلب يوجع”،
وفي القاهرة يجتمع الوزراء داخل الطوق الإسرائيلي فيؤكدون التزامهم بأن يظلوا فيه، وبأن يخضعوا لمنطقه، إذ لا تقاوم العين المخرز، ومن قطع المفاوضات عوقب باحتلال المزيد من أرضه، والشكوى لغير مجلس الأمن مذلة، ولذا يلتفتون إلى بطرس غالي ليطالبوه بالفصل السابع، بينما فصل الشتاء هو القائم في الأرض.
المجوس هم الحكام،
و”روما الجديدة” أكثر قسوة بما لا يقاس من “روما القديمة”، والمحرض “اليهودي” أكثر نفوذاً وأعظم دالة على بيل كلينتون مما كان أسلافه على بيلاطس البنطي،
وأهل الجزيرة والخليج مشغولون بهمومهم ولم يتصل بعد بأسماعهم ما وقع خارج قاعات المفاوضات متعددة الأطراف، ثم أن إيران على الأبواب، و”الخطر الأصولي” داهم، والأولى بالعلاج هو “الإسلام” أما المسيحية واليهودية فأمرهما هين متى أمكن تدبير الأمور مع الدين الحنيف…
أما بيروت فتنتظر أفراحها الصغيرة مع الهاتف والكهرباء والمجاري وناطحات السحاب في قلبها المدمر والمهجر.
لقد جاء “البابا رفيق” محملاً بالهدايا، لكن الميلاد سيتأخر قليلاً، وهي تملك نعمة الصبر، والصبر مفتاح الفرج، والصبر طيب، والفرج قريب بحول الله،
وصحيح إن القرار 425 لم يصل بعد، ولكن كلام الملوك لا يسقط أبداً، وطالما إنه – حفظه الله – قد تعهد بالعمل لإيصاله إلى لبنان كاملاً غير منقوص، فهو في الطريق، ومتى فتحت ضهر البيدر فلن يتاخر عن موعده إطلاقاً…
هذا مع التنويه بأن المبعد الرقم 415 قد وصل فعلاً واستقر في ذلك “الفراغ” بين قوة الاحتلال وبين عجز الشرعية عن التحرير بالمفاوضات المباشرة كما بالمتعددة.
كم بقي من القرار 425، إذن؟!
لا بأس من حسم عشرة في المائة في مثل هذا المزاد الملكي،
ويا أيها المبعدون،
يا أيها الملايين (في آخر إحصاء كان عدد “العرب” يناطح رقم المائتي مليون) من المبعدين عن أرضهم والمبعدين في أرضهم والمبعدين عن ذواتهم وعن تاريخهم وعن دينهم وعن دورهم في العالم،
يا أيها المصلوبون حيث هم ولا صليب،
كل عام وأنتم بخير،
ترى متى تتفتح الزهور في المرج القريب من زمريا ليغدو مستحقاً اسمه؟!

Exit mobile version