طلال سلمان

على الطريق المنفذون والقرار…

… وها قد عاد الأخضر الإبراهيمي ومعه “السميع” الكويتي الذي يرصد القذائف المنطلقة من الغربية إلى الشرقية فيشهد بما سمع متجاهلاً أساس الموضوع،
مرة أخرى أهلاً وسهلاً بوفد الجامعة العربية واللجنة العربية السداسية وبالضباط الكبار الذين جاءوا من أقطارهم العديدة ليحاولوا حجب بعض الدم العربي في لبنان،
ولكن، ماذا تراهم، هؤلاء الأشقاء، سيفعلون؟!
لقد قالها الأخضر الإبراهيمي، في زيارته السابقة لبيروت: إننا منفذون ولسنا مقررين،
فهل تراها قد دقت ساعة التنفيذ، وتنفيذ ماذا؟!
كل المعطيات والمؤشرات تدل على إن قرار وقف إطلاق النار لم ينفذ لأن المعني بقبوله قد رفضه، متحاشياً إعلان الرفض صريحاً وإن كان قد اجتهد في نسف مرتكزاته السياسية جميعاً.
فاللجنة العربية السداسية، وقبلها الجامعة العربية، إن على مستوى وزراء الخارجية أو على مستوى المندوبين، ليست لجنة أمنية، ولم تهتم بالمسألة اللبنانية بوصفها مسألة إطلاق نار… بل إن الجامعة قد شكلت لجنتها للاتصال والمساعي الحميدة قبل أن يشعل العماد عون ناره في جسد لبنان الجريح.
كانت مهمة اللجنة، وما زالت، علاج المعضلة السياسية في لبنان، بكل نتائجها الخطيرة، ومن بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية وشغور مواقع القمة في السلطة، وتفاقم خطر التمزق الداخلي بما يهدد باندثار الدولة وزوال الكيان اللبناني،
فجأة، وبلا سابق إنذار، تحورت مهمة اللجنة، والجامعة من خلفها، فإذا هي معنية بإطفاء النار التي أشعلها العماد،
كان الوجه الأصلي المباشر للمأزق السياسي وجود العماد حيث هو في الملجأ الجمهوري في بعبدا،
فصارت المشكلة من بعد: إطفاء نار العماد، بالتفاهم مع العماد،
أي إن العماد الذي لم يصبح رئيساً للجمهورية اختار أن يعين نفسه “محرراً” لينتزع موقع “المفاوض” و”العقبة” التي لا بد من التعامل معها طالما تعذرت إزالتها.
وهكذا تحولت اللجنة التي شكلت أساساً لتمكين الأطراف اللبنانيين من تحقيق وفاقهم الوطني، على قاعدة من الاصلاح السياسي تمكن من بعث الدولة عبر انتخابات رئاسية وقيام حكومة اتحاد وطني… تحولت إلى لجنة للفصل ووقف إطلاق النار بين اللبنانيين وبين “محتليهم” السوريين!
ومثل هذه المعالجة للنتائج المفتعلة والمصطنعة بقصد سياسي مقصود لا يمكن أن تنجح، ولا يمكن أن تؤدي إلى فتح باب الحل المرصود للمسألة اللبنانية،
إن المنفذين لن ينجحوا إذا هم جاءوا لتنفيذ القرار بالمقلوب،
فالمسألة سياسية، وحلها سياسي، ولكن المتضررين من الحل حولوها إلى مشكلة عسكرية، وقزموا دور الجامعة ولجنتها السداسية إلى دور لجنة أمنية ترصد المدافع وتعد القذائف وتحمي الأمر الواقع القائم بقوة السلاح.
وبصراحة: إذا لم تتقدم اللجنة العربية في اتجاه القرار السياسي الصحيح والمطلوب، والذي يشكل أساس مهمتها في لبنان، فإنها ستفشل فشلاً ذريعاً ولعلها قد تتسبب في توسيع دائرة النار.
المشكلة إن غاصباً للسلطة يحاول أن يموه اغتصابه بشرعية عربية لم تعط له، وليس من حق أحد خارج لبنان، أن يعطيها له.
إن ميشال عون، بوضعه الراهن، شأنه شأن أي قائد ميليشيا طائفية، ولا يغير في جوهر الأمر شيئاً أن تكون هذه الميليشيا بثياب الجيش وبشعاراته.
فالجيش، كمؤسسة، سقط منذ زمن بعيد، في أن يكون عامل توحيد، بل وحولته توظيفاته السياسية إلى عامل تقسيم سعر نيران الحرب الأهلية وألقى عليها ظلال الفئوية والطائفية.
لقد أسقط فساد النظام الدولة، وكان أول ما سقط فيها الذراع العسكري للطائفة العظمى ذات الامتيازات،
وإذا كان هذا الجيش نفسه قد استعاد مكانته الآن لدى الطائفة العظمى، فعاد أصيلاً دافعاً الجيش الرديف، “القوات اللبنانية” إلى الخلف، فلأنه أكد إنه “الطائفي الأول” في البلاد بقيادة “القديس شربل الجديد” ميشال عون!
لا فضل لميليشيا على ميليشيا، ولا فضل “لقائد” على “قائد” حتى لو كان في الملجأ الجمهوري،
والحل لا يكون مع بعض هؤلاء ضد البعض الآخر، بل يكون ضدهم جميعاً أو معهم جميعاً بأفضال العجز العربي السائد.
وطالما إن الأخضر الإبراهيمي مجرد “منفذ” فلن يقدر له أن ينجح، خصوصاً إذا ما كان ينطلق من أن ميشال عون هو صاحب قرار أو بين أصحاب القرار في مستقبل لبنان.
والمهم أن يحمي الإبراهيمي ومن معه دور الجامعة العربية وليس دور هذا الطرف أو ذاك من أطراف الصراع أو الحرب الأهلية أو الفئة الطائفية في لبنان.

Exit mobile version