طلال سلمان

على الطريق المنافقون اللبنانيون والمستثمرون العرب!

لم يكن مال الاستثمار العربي يوماً بحاجة إلى ترخيص أو استئذان لكي يجيء فيشارك في إعمار البلاد وجني الأرباح وكل ما يتيحه نظام العرض والطلب وفقاً لقانون اقتصاديات السوق الذي ظل سائداً في لبنان حتى يوم حولته الحروب إلى ساحة مفتوحة لكل قادر…
وبطبيعة الحال فإن مال الاستثمار العربي سيكون موضوع ترحيب من اللبنانيين عموماً الذين عرفوا المتمولين (وغالبيتهم الساحقة من الخليجيين) في بلادهم، كما عرفوهم وأكرموا وفادتهم وهم يعيشون بينهم هنا (قبل الحرب)…
الشرط الوحيد أن يكون هذا المال، إن هو أتى، عربياً، بمعنى أن يؤكد أصحابه حرصهم على لبنان “العربي” وعلى أخوتهم فيه، وهم عرب مثلهم، ولا يتصرفوا على طريقة “اضرب واهرب” التي كثر المؤمنون بها من اللبنانيين بحيث لا مجال لاستقطاب “وافدين” جدد إلى أرض “الجمهورية الثانية” المعروضة الآن في “سوق الحراج”.
ذلك أن اللبنانيين متعبون إلى حد الإنهاك ممن يأخذ ولا يعطي، أو ممن يعطي الليرة ليأخذها مائة أو ألفاً أو مليوناً عملاً بقاعدة “والله يرزق من يشاء بغير حساب” أو قاعدة “وبحسب نواياكم ترزقون”…
واللبنانيون لا يطلبون صدقة أو إحساناً من أحد، ولكنهم بالمقابل يرفضون أن يكونوا – هم وعاصمتهم وسائر مدنهم ومصايفهم – معروضين للبيع، أو موضوعاً للاستثمار القليل التكاليف العالي الأرباح والسريع المردود.
وليس موضع اعتراض أن يكون الفقراء إليه تعالى بن لادن وعبد الله بأحمد ومحمد سعد اليماني بين أعضاء الهيئة التأسيسية للشركة العقارية لوسط بيروت التجاري، بل هم على الرحب والسعة مثلهم مثل أخوتهم اللبنانيين رفيق الحريري وعصام فارس والأوقاف (الإسلامية أو الأرثوذكسية أو المقاصدية) وهي تكاد تكون أغنى منهم مجتمعين،
لكن ثمة ملاحظات لا بد من تسجيلها وبعضها مبدئي والبعض الآخر عملي ومنها:
1 – كان اللبنانيون بتمنون لو أن الشركة العقارية هذه قد أطلقت فانطلقت ورفيق الحريري خارج السلطة حتى لا يكون ثمة شبهة في استغلال النفوذ.
إن رفيق الحريري مليء بما يكفي وهو – نظرياً – ليس بحاجة لأن يأخذ من البلاد التي أعطته ما لم تعطه لأحد قبله من مشاعرها وتأييدها وثقتها، بحيث إنها شرفته برئاستها.
وكان أفضل للحكم كما لرفيق الحريري أن تتم كل الإجراءات القانونية والإدارية لما يتصل بالشركة العقارية وهو بعد في موقع رجل الأعمال الناجح والوسيط السياسي الكتوم في الأزمات المعقدة، وفاعل ا لخير مقيل العثرات وجابر الخواطر ومعلم أولاد الفقراء الخ…
2 – كان اللبنانيون يتمنون – من أجلهم كما من أجل الحريري – لو أن مشروع قانون الشركة العقارية لم يتم تمريره في مجلس الوزراء ثم في مجلس النواب، ثم كرة أخرى في مجلس الوزراء وبعده في مجلس النواب، بتلك الطريقة التي تصوره وكأنه “تهريبة”.
وكانوا يتمنون لو أن التعديلات الأخيرة التي أدخلت عليه في آخر لحظة من عمر الحكومة السابقة لم تتم كما لو أنها اختلاس إضافي… ودائماً في حساب المال العام.
3 – كان اللبنانيون يتمنون – من أجلهم كما من أجل الحريري – أن يكون في مجلس الإنماء والأعمار رجال أكفاء ومؤهلون ويملكون قرارهم المستقل وليس بضعة من الموظفين لدى بعض شركات الحريري أو الطامعين بأن يكونوا من خاصته.
4 – كان اللبنانيون يتمنون – من أجلهم كما من أجل الحريري – لو أن وزارة العدل سلمت إلى قانوني كفوء ومستقل . فهم مع تسليمهم بكفاءة بهيج طبارة كانوا يفضلون رجلاً لا يعمل لدى الحريري أو ليس وكيلاً لبعض مؤسسات الحريري أو مستشاراً قانونياً لبعض مصارفه وشركاته بما فيها الشركات العقارية ذاتها.
فليس عادلاً ولا منطقياً أن يرتطم كل صاحب حق في الوسط التجاري، أو كل صاحب حلم في عاصمة ممتازة لبلاده، برفيق الحريري كيفما التفت وأنى ذهب… إذ هو الحاكم والحكومة، وهو في مجلس الإنماء والإعمار، وهو في الشركة العقارية ثم إنه في المرجع الأخير للتظلم والمطالبة بالإنصاف: العدلية.
5 – كان اللبنانيون يتمنون لو أن المساهمين العرب الآتين لاستثمار أموالهم كانوا أكثر حرصاً على أخوتهم، وأكثر دقة في أحاديثهم عن بيروت والمصايف وسائر المناطق اللبنانية، فلا يتصرفون وكأنهم مكتشفون عثروا أخيراً على الذهب في أرض خراب، فتنادوا لاستخلاصه من أيدي أهل البلاد الأصليين وكأنهم – أيضاً – هنود حمر لا يفقهون شيئاً من الاستثمار وسائر فنون استيلاد الدولار من الليرة والدينار من القرش والبيضة من الحجر وهلم جرا.
إن رفيق الحريري يوشك أن يرتكب خطيئة وما زال أمام الرجل فرصة لكي يستنقذ نفسه ويقدم جهداً متميزاً في إنقاذ البلاد.
إنه يحاول اختزال الدولة والحكم في شخصه، وهذا خطأ قاتل.
ثم إن جمعية أهل النفاق المحيطة به تصور له أنه يحمل تفويضاً الهيا مفتوحاً، فمن يناقشه مارق أو كافر، ومن يعترض على قرار له أو اقتراح متآمر أو مدسوس.
إن جماعة “نعم نعم” هي ذاتها “جمعية قتل الكبار” بتزييف واقعهم وتحويلهم إلى أصنام بدل أن يظلوا بشراً من لحم ودم، يشعرون بما يشعر به الناس ويتالمون مثلهم قبل أن يتالموا لألمهم.
إن عصبة “الموافقين” وعصابة “صدق الملك” هم حفارو قبور الأحلام العظيمة.
إن الصامتين في مجلس الوزراء هم شياطين خرس لا يريدون الخير لا للحريري ولا للبنان، أما الموافقون الدائمون فهم نهازو فرص يقنصون بعض الربح الشخصي ولو على حساب المال العام أو الخير العام… فهم يعتبرون كل “العام” خاصاً وخاصاً جداً!!…
ويظل الأمل في أن ينتبه رفيق الحريري إلى أن النفاق لا يمكنه تحويل الخطأ إلى صح، وإلى أن ثقة الناس مكلفة وعليه أن يثبت جدارته بها كل يوم وفي مختلف المجالات، ولاسيما في تلك التي يديرها أو يشرف عليها أو تعود ملكيتها أو منافعها إليه.
لقد عرف لبنان كثيراً ممن قالوا إنهم جاءوا ليعطوا، ثم تبين إنهم أخذوا كثيراً وكثيراً جداً ولم يعطوا إلا ما يفتح لهم باب الأخذ.
والباب مفتوح بعد أمام رفيق الحريري لتصحيح الخطأ، في الحكم أو في الشركة العقارية أو في تلك العلاقة الشوهاء بينهما والتي تسيء إليه وإلى الحكم وإلى الشركة وإلى اللبنانيين جميعاً.
وبعد ذلك، يجيء حديث بن لادن وسائر المساهمين العرب… في الخطأ اللبناني!

Exit mobile version