طلال سلمان

على الطريق المقاومة بين الفتنة والشهادة!

يمكن اعتبار السادس والعشرين من كانون الأول 1989 يوماً نموذجياً يلخص الأبعاد المدمرة للحرب الأهلية في بلد هش التوازن، دقيق التركيب، مقطوع الصلة بتاريخه وهويته، كلبان الذي كان جميلاً وواحة للديمقراطية في يوم مضى.
فما بين طهران المضطربة بصراعات الثورة الإسلامية، ونيويورك حيث مجلس الأمن الدولي، وفلسطين المحتلة بالكيان الصهيوني، مروراً بالعديد من العواصم العربية وبينها عواصم اللجنة العربية العليا واتفاق الطائف، كانت الجمهورية اللبنانية الممزقة أصلاً تتلقى المزيد من الطعنات التي تكرس واقع الانقسام بين أبنائها وتمد في عمر الحرب الأهلية وتثبت “الحالة العونية” وتمكن لها بتعميمها على سائر الطوائف والمناطق على حساب حلم الوطن وحياة مواطنيه.
وكالعادة، لم يكن اللبنانيون مجرد ضحايا، بل كان من بينهم الأدوات وبعض الجلادين، وإن بقي دور البطولة محتكراً – بالتحريض كما بالانتفاع – للعدو الإسرائيلي بغير شريك.
من مرج الزهور ومزرعة النبي صافي وكفرمشكي ولبايا بجوار راشيا الوادي في البقاع الغربي، إلى جباع وكفرملكي وعين قانا وعين بوسوار وجرجوع وكفرفيلا وكفرحتى في إقليم التفاح، مروراً بالقصر الجمهوري في بعبدا الذي صار مركزاً للتمرد على الجمهورية، وإلى الحوض الخامس للمرفأ الشرعي في بيروت والمستشفى الحكومي الذي صار “مجلساً حربياً” للطائفة العظمى، وصولاً إلى ذلك الدير الأنيق في الرميلة على ساحل إقليم الخروب، توالت سلسلة من الأحداث ينظمها سياق واحد هو : الحرب الأهلية بالدور الإسرائيلي النافر والفاقع والصارخ فيها.
ففي حين كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي تطارد المقاومين البواسل، ومن الشيوعيين هذه المرة، براً وجواً، وبكل أنواع الأسلحة، كانت الصراعات السياسية المموهة بلبوس الطوائف والمذاهب واسم الله، تحاول جر اللبنانيين إلى وهدة اليأس القاتل من الحاضر والمستقبل، من الوحدة والسلام المرتجى.
وبقدر ما كان مفزعاً أن يحتشد جمهور غفير من اللبنانيين تحت شعارات تقسيمية بذريعة الحرص على وحدة الطائفة، فقد كان مروعاً أن يستمر الاقتتال بالسلاح بين أبناء البيئة الواحدة والأسرة الواحدة بذريعة إثبات الأحقية والجدارة في تمثيل الطائفة ذاتها بل المذهب عينه.
لا في “يوم المقاومة” وجد جعجع “القوات اللبنانية” وقتاً كافياً أو فرصة مناسبة للإشارة إلى المحتل الإسرائيلي، فذلك يسقطه في مباراة المزايدة مع الجنرال على بطولة “التحرير”،
.. ولا كان لدى المقتتلين حول “قرار الجنوب” وشروط “الأمن” فيه الهداة الضرورية لاستذكار إنهم إنما يتذابحون على مرمى حجر من المحتل الإسرائيلي الذي قدم – بالتأكيد – كل ما يستطيعه من “عون” لكي تزداد النار اشتعالاً فلا تنطفئ إلا بنهر من دماء الفقراء الذين قاوموه بلحمهم الحي ذات يوم.
كانت الفتنة هي الحاضر الأكبرن أما المقاومة فكانت في مكان آخر،
مرمى حجر؟! واللحم الحي؟!
سقى الله أيام زمان، أيام إن شكل أبناء جبل عامل الطيبون والبسطاء والفقراء إلا بإيمانهم بربهم والأرض والعروبة، الحاضنة والمعلم الهادي لانتفاضة فلسطين المجيدة،
لكأن المقتتلين على أرض الجنوب الآن يرمون أطفال الحجارة، الجنوبيين بعدوى المقاومة، بحجر يشج رؤوسهم.
لكأنهم ينحرون، مع لبنان وحلم الوطن، فلسطين وحلم التحرير، وطهران وحلم الثورة الإسلامية،
لكأنهم يعملون لحساب التقسيميين في لبنان، ويخدمون المشروع الإسرائيلي في المنطقة كلها، ويمكنون لعودة النفوذ الأجنبي من أوسع الأبواب ليحمينا من ذاتنا.
ولكم كان الناطق الإسرائيلي دقيقاً ومحدداً وهو يدمج، في تبرير غارته على قواعد المقاومين البواسل من الشيوعيين، بين التصدي للاحتلال الإسرائيلي في بعض الجنوب المحتل وبين التصدي للحالة “العونية”، التقسيمية في الجزء الآخر من لبنان.
وبقدر ما إن الوحدة لا يحققها جنرال التحرير، فإن “المقاومة” لا يعبر عنها منطق حكيم الكرنتينا.
واستنقاذ الجنوب كاستنقاذ لبنان لا يتم بالابتعاد عن العروبة بل بسلاحها.
كذلك فهو لا يتم باعتبار أرضه إقطاعاً لتنظيم أو لشخص أو لجهة، خصوصاً وإنه الميدان الأخير للمواجهة مع العدو الذي يجب أن يكون مفتوحاً لكل مناضل من أجل الوحدة والعروبة والديموقراطية.
وفي أي حال فالمعركة واحدة ضد التقسيميين وضد الحالة “العونية” في كل لبنان بجنوبه وعاصمته وشمالة والجبل،
ومن لا يقاتل هنا لا يمكنه أن يزعم أنه إنما مشغول بتحرير الجنوب، والعكس صحيح.
وليكن دم الشهداء الذين شرفوا الحزب الشيوعي اللبناني، يوم أمس، نبراساً هادياً للمجاهدين عموماً، لاسيما منهم من ضاع أو ضل الطريق في اتجاه الهدف الصحيح.

Exit mobile version