طلال سلمان

على الطريق المفاوضات الجديدة… بالكويتي!

الكل يتحرك ويستعد وكأنه ذاهب إلى مفاوضات جديدة.
ورؤساء الوفود العربية الذين يتقاطرون إلى واشنطن، عشية الموعد المقرر للجولة التاسعة للمفاوضات، إنما يذهبون – هذه المرة – للتثبت من أن واشنطن ما تزال في مكانها وعلى موقفها من مشروع التسوية للصراع العربي – الإسرائيلي.
كانت واشنطن جورج بوش قد غدت أليفة ودافئة ومحكومة بعقدة التعويض على العرب المهزومين في “عاصفة الصحراء”، فقدمت مؤتمر مدريد كجائزة ترضية بداية، ثم وكاندفاعة طموحة إلى ترسيخ النفوذ الأميركي واعتماد واشنطن مرجعية عربية لشؤون الحرب والسلم على حد سواء،
… خصوصاً وإن واشنطن تحظى بدور المرجع والمرجعية لشؤون الحرب والسلم بالنسبة لإسرائيل.
وكان ذلك تطوراً نوعياً ليس فقط في الموقف الأميركي من العرب، بل أساساً في الموقف العربي من الولايات المتحدة التي احتلت على امتداد عقدين، وربما ثلاثة من الزمن، موقع “العدو” في وجدان المواطن العربي.
ولقد اقتضى هذا التطور أن تتوغل السياسة الأميركية داخل المؤسسة الحاكمة في إسرائيل فتناصر “المعتدلين” فيها ضد “المتطرفين”، وتعمل لإيصال القائلين بالخروج من الحرب إلى التسوية (ولو بالشروط الإسرائيلية) على حساب العاملين للمشروع الإمبراطوري الإسرائيلي بالحرب، وليس بالحرب، حتى لو مست نيرانها مصالح “حلفائهم الكبار” وفي الطليعة منهم الولايات المتحدة الأميركية.
مع إدارة كلينتون تبدل المناخ وتغيرت اللغة وبدا وكأن السياسة الإسرائيلية قد نجحت في التوغل داخل المؤسسة الحاكمة في واشنطن فغلبت منطق “التطرف” على “الاعتدال” الأميركي. خصوصاً وقد نجحت في أن تقنص من الإدارة الجديدة دور “الشريك العامل” لإسرائيل بدلاً من دور “الشريك الكامل” في المسؤولية عن نتائج المفاوضات من أجل التسوية.
فالإدارة الجديدة تحصد ثمار “عاصفة الصحراء” وليست معنية بأن تعوض عن خصائر العرب فيها،
بل لعلها أقرب إلى القول بضرورة تعويض إسرائيل عن “الخسارة” التي لحقت بصورتها المهابة وبدورها “القيادي” في المنطقة،
… وهكذا بات على المفاوض العربي العاجز عن التأثير على مجرى هذه التطورات، أن يدفع الفاتورة مضاعفة:
1 – عليه أولاً أن يسهل المهمة على الرئيس الأميركي الجديد!!
وليس من حق العربي أن يناقش طبيعة التحول في المهمة نتيجة وصول كلينتون إلى الرئاسة وتحول “الصديق القديم” بوش إلى سائح تستقدمه الكويت لتكرمه بينما هي تدعو إلى إسقاط المقاطعة عن إسرائيل.
حتى لو كانت المهمة إسرائيلية فعلى العرب أن يتحملوا الغرم!
2 – كذلك فعلى الطرف العربي أن يوفر فرص النجاح لحكومة “الاعتدال” الإسرائيلي،
حتى لو كانت حقوق شعب فلسطين، في أرضه وفي مستقبله فوقها، وحقوق السوريين واللبنانيين في أراضيهم وسيادتهم عليها، بعض شروط الإنجاح الأميركي “للاعتدال” الإسرائيلي!
أليس هذا “المطلوب” أكثر مما يستطيع العرب أن يقدموا، وربما أكثر مما يملكون فعلاً؟!
مع ذلك فالنقاش العربي – العربي في مكان آخر : لعله يتركز على كيفية التقديم أكثر منه على جوهر الشروط الأميركية – الإسرائيلية الجديدة.
وصحيح أن العرب يعيدون الآن التفاوض مع الأميركيين ليتحققوا هل هم مدعوون فعلاً إلى واشنطن أم إلى تل أبيب،
لكن كثيرين منهم يتصرفون وكأنهم قد باتوا فعلاً في تل أبيب ويتحدثون إلينا من هناك متسائلين عن سبب التأخير في الحضور!
وإلا فما معنى هذا الكلام الكويتي “الرسمي” عن إسقاط المقاطعة العربية لإسرائيل، والذي كان قد تم التمهيد له بقصف إعلامي شرس هتك الكثير من المحرمات، وجعل الخيانة سياسة معتمدة و”الوطنية” أو “العروبة” وجهة نظر متخلفة أو بائدة أو بعض مخلفات الماضي البغيض؟!
لقد انتحل بعض آل الصباح صفة الكتاب الصحافيين وأصحاب الآراء فجهر بأن إسرائيل صديقة الكويت وليست عدوتها. في حين أن العرب بمجملهم هم الأعداء والطامعون والغاصبون.
وقيل آنذاك: هذا فتى غر “يجتهد” تحت وطأة الذكريات السوداء لاجتياح صدام حسين للإمارة، لكنه لا يمثل وجهة نظر “دولة الكويت” ولا يعبر عن سياسة أسرتها الحاكمة،
أما هذا الدهقن والخبير المجرب والدبلوماسي المحنك صباح الأحمد الذي تعرف به الكويت، أميراً وإمارة ودولة عظمى، فلا يمكن اتهامه بأنه لا يعبر عن سياسة أحفاد “مبارك الكبير” الذي سيحمل جورج بوش قلادته تعبيراً عن “الوفاء” والامتنان الأبدي!
وإذا كانت أحقاد بعض العرب على بعضهم تصل على لسان صباح الأحمد إلى الإعلان عن الاستعداد للصلح مع “العدو” الإسرائيلي ورفض أية محاولة “للتفاوض” مع “الأخوة الضالين” من العرب كالأردنيين والفلسطينيين واليمنيين والسودانيين الخ، فالمشكلة تكون في الداخل وتأتي نتائجها المنطقية من الخارج (الأميركي) على شكل هزيمة جديدة وشاملة أيضاً.
ويصبح السؤال شرعياً: من تبدل أكثر الولايات المتحدة أم إسرائيل أم العرب أصحاب القضية؟!
ولا يكفي القول بأن شيوخ الكويت لا يمثلون العرب لكي تسوى المسألة. فهي أكثر تعقيداً من ذلك بكثير،
… والكويت تدفع لبوش، اليوم، بعض ثمن “تحريرها”، لكن العرب يذهبون إلى واشنطن ليدفعوا لكلينتون ما هو أغلى بكثير من الكويت ذاتها، ثمناً “لتحريرها”.
والحمد لله على كل حال: لقد “ربحنا” الكويت وخسرنا الأمة!
أو هكذا يراد لنا،
والجولة التاسعة هي “معركة عربية – عربية” من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، قبل أن تكون مواجهة مع الأميركي، ومباشرة لحرب من نوع أقسى مع الإسرائيلي، الذي كان وما زال وسيبقى عدواً لكل عربي بمن في ذلك هؤلاء الذين أعماهم الحقد والغرض والأنانية واحتقار الذات والتنصل من تاريخهم في الكويت، وبمن فيهم أولئك الذين يحرضون بصمتهم الملكي الكويتيين على الاندفاع قدماً على طريق الضلال المبين!

Exit mobile version