طلال سلمان

على الطريق المطلب الكاشف

فقط في ظل ترد عام كالذي تعيش في أساره المنطقة العربية بعد إيقاف حرب رمضان المجيدة، يمكن للبنان الرسمي أن يفكر بطرح مطلب خطير كالذي يسعى الآن لطرحه على مجلس الدفاع العربي المشترك، مطمئناً إلى أنه لن يصد بعنف الرفض العربي للهزيمة إذا هو لم يلق من “الأشقاء” قبولاً حسناً!
ففي ظل هذا التردي يمكن – أولاً – إخفاء خطورة مطلب كاستقدام قوات طوارئ دولية لوضعها كحاجز إضافي بين لبنان الرسمي وإسرائيل. ويكتمل معنى الكلام الذي أعلنه رئيس حكومته قبل أيام: لسنا شرطة لإسرائيل… فليشكل لها العالم شرطة خاصة تقيم على أرضنا.
ومن هذا التردي يكتسب المطلب اللبناني بريقاً منطقياً، فيبدو منسجماً مع مجمل الأوضاع العربية السائدة: إذا كان أولئك الذين خاضوا غمار حرب رمضان يتصرفون وكأنها “آخر الحروب” فلماذا يطلب منه، إذن، أن يكون المحارب الوحيد في عصر السلام الذي صنعه “العزيز هنري”؟
وفي ظل هذا التردي يمكن للبنان ليس فقط أن يرفض عروض الأسلحة والجيوش العربية، بل أن يشهر بهذه العروض: يريدون منه أن يذهب إلى الحج والناس راجعة! يريدون أن يتخلصوا من سلاحهم وبعض من جيوشهم أيريدون أن “يورطوه” – هو الذي نجح في إبعاد نفسه عن الحروب الثلاثة الأخيرة – في حرب يواجه فيها إسرائيل منفرداً كأنه “الفلسطيني” الوحيد بينهم!
ففي ظل هذا التردي تبدو العروض مزايدة، وعلى من؟ على الحكم الذي جاهر ويجاهر بضعفه وبعجزه عن مواجهة إسرائيل علناً، وفي مواقف مشهودة؟!
وهكذا فبوسع لبنان أن يذهب إليهم، إلى المحاربين السابقين، وفي مجلس الدفاع العربي بالذات، ليقول: أريد حصتي من التسوية بيريهات زرقاء كالتي تمركزت في سيناء والجولان ففصلت بين الجويش العربية وجيش الدفاع الإسرائيلي! صحيح إنني لم أقاتل، لكن إسرائيل تدعي إن الفلسطينيين يقاتلونا من أرضي، فلتأت القوات الدولية إذن لتفصل بين “الجيش المقاتل” – وإن يكن جيشاً فلسطينياً – والجيش الإسرائيلي!
على إن المنطق اللبناني، بصراحته هذه، قد يرتد عليه بعكس المرجو منه..
فمثل هذه الصراحة لا تكشف فقط حقيقة الموقف اللبناني “فلسطينياً وعربياً” بل إنها تكشف مواقف العرب الآخرين، فمن سيوافق منهم على المطلب اللبناني سيكون كمن يؤكد إن حرب رمضان كانت عنده، فعلاً، آخر الحروب، وإن ما أعقبها ليس كما يصفه “هدنة مؤقتة” لامتحان الموقف الأميركي أو حتى “النوايا الإسرائيلية”، بل إنه وضع نهائي ودائم، بغض النظر عن كونه مرفوضاً من كل مواطن عربي بين المحيط والخليج.
إن المطلب اللبناني، إذا طرح جدياً، خطير ومريب.
وهو لهذا سيكون بمثابة نور كشاف على سياسة الحكام العرب يظهر للملأ ليس فقط موقفهم من قضية لبنان وشعبه المهدد، أو حتى من قضية فلسطين وشعبها المشرد، بل أيضاَ موقفهم من شعوبهم التي لا يفتأون يمنونها بخيرات الانفتاح الآتي مع “السلام” ومنه.
إذ لا يعقل أن يكون التفريط بقطر عربي خيراً لقطر غربي آخر، ومن يبع لبنان يبع غيره.
أما فلسطين فما أكثر البائعين، وما أعز المشتري!

Exit mobile version