طلال سلمان

على الطريق المطرودون إلى الداخل!

أعظم به “مطروداً” هذا الذي أخرج إلى الناس، في أربع رياح الأرض، ليكون الشاهد والشهادة على إن “الوطن” هو فلسطين، وعلى إن هوية الأرض عربية سمراء مضمخة بعطر زهر الليمون،
… وليكون الشاهد والشهادة على إن “إسرائيل” الجبارة القوة، المنتمية بحكم غربتها إلى النادي النووي، المالكة لأعظم أساطيل الجو في المنطقة، هي قوة احتلال لا صفة لها غير هذه الصفة المصفحة بالدعم الأميركي،
والوطن باق لا يحول ولا يزول، مهما “اقتلع” من مواطنيه،
أما قوة الاحتلال فتبقى ما بقيت لها القدرة على التفوق فإذا زال اندثرت وصارت أثراً بعد عين، ولم يتبق منها إلا بضع صفحات في كتب التاريخ تقول “… وبين سنة كذا وسنة كذا أقيمت بالحراب دولة غربية وغريبة عن المنطقة على أرض فلسطين، ثم انتهت كسابقاتها حين ثقلت الحراب على حامليها فناءوا بها وأسقطوها فأسقطتهم”!
أعظم بهم فرساناً أربعة أخرجوا، أمس، من فلسطين الصغرى إلى فلسطين الكبرى، فإذا هم أشبه بالدعاة يحملون رسالتهم وأرضهم في لون بشرتهم إلى العالم كله.
أعظم بهم رجالاً هوؤلاء الذين “اقتلعتهم” قوة القهر الإسرائيلي من جلودهم، وحملتهم في طائرة، حتى لا يراهم أحد من أهلهم، وعصبت عيونهم حتى لا يخاف منهم الجند، ثم ألقتهم “خلف” الحدود، وليس ثمة حد إلا البحر وكل ما خلف البحر فلسطين العربية..
*جبريل محمود رجوب (34 عاماً)
*بشير أحمد خيري (45 عاماً)
*عصام عثمان محمد الحداد (26 عاماً)
*جمال محمد شاكر جبارة (28 عاماً)
أربعة: تجمعت عليهم قوة إسرائيل لإخراجهم!!
لكم هم جبابرة… ولكم هي هزيلة دولة الطاغوت هذه!
نعرف إنكم حزانى، أيها الفرسان المصلوبون على طائرة معادية، فإسرائيل خصتكم بالعقاب الأقسى من القتل،
ونعرف إن لا شيء يعوض ما أنتم معرضون الآن لفقدانه، مهما جمل الكلام.
لكننا ونحن نتابع حركتكم، أمس، بين غزة بني هاشم وبين سفوح جبل الشيخ التي تربط فتصل فلسطين بلبنان وسوريا، كنا نرى – أكثر ما نرى – جذور أشجار الزيتون ترسم الطريق إلى “الداخل” أمام أهل “الخارج”.
ولقد رأى العالم، كما رأينا، إنهم إنما يوسعون بجريمتهم الجديدة “حدود” فلسطين، فيجعلونها باتساع دنيا العرب، ويجعلون قضيتها ما ينبغي أن تكونه: مالئة الدنيا وشاغلة الناس،
فأنتم الشاهد والشهادة على إن “إسرائيل” ترى نفسها قادرة على مواجهة العالم كله، فتتحداه بدوله جميعاً، وتحرج فتخرج حتى بناتها وحماتها فيه،
ولكن الأهم إن “فلسطين” تخرج عبركم، مرة أخرى، إلى العرب وإلى العالم لتقول إنها باقية بعد، لم تزل ولن تزول، فهي حبالة وولادة، كل جيل ينافس سابقه في الصلابة والصمود والتحدي ويسابقه إلى الشهادة، لتبقى الأرض باسمها – باسمه، بهويتها – هويته، بلونها – لون بشرته، او لون نجيعه مضمخاً بترابها الزكي.
نعرف إن “أحزانكم يعقوبية” أيها الفرسان التي لما يتيسر لكم أن تنزلوا إلى ساح المعركة إلا متأخرين،
ونعرف إن هزيمتنا في “الخارج” هي التي تباعد بينكم (بيننا) وبين موعد النصر في الداخل”.
ونعرف إنكم لن تجدوا ما يعزيكم لدينا، فنحن تجاوزنا مرحلة الحزن إلى تعاسة القنوط، أو نكاد،
وبمجيئكم، الآن، نذراً بالزلزال الذي نسمع هديره آتياً من فلسطين، قد يتحرك هذا المستنقع نكاد نختنق فيه فتغور مياهه الآسنة في رمل الهزيمة، ليكون من بعده الربيع العربي النوار.
إننا نحتاجكم، هنا، ربما بأكثر مما يحتاجكم الذين في الداخل.
فنحن نحتاج إلى من يدخلنا عصر مقاومة الذات، وقهر الشعور بالقهر، لتتحرر الإرادة ولتتحرر الأيدي المغلولة فتسارع إلى التقاط الحجارة المباركة وإلى رشط الأصنام التي تشكل سوراً منيعاً يحمي إسرائيل منا ولا يحمينا منها!
لقد وصلتم في موعدكم تماماً،
فهيا اكملوا هنا، بنا ومعنا، ما بدأتموه،
لقد انتقلتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، فهيا إلى العمل، ولا تسقطوا في كمائن فرسان الجمل الثورية، ولا في الشعارات المزوقة لمسوقي الانحراف والتفريط،
كونوا “العرب” بيننا، نحن “فلسطينيي الخارج”، ولا تكونوا “الفلسطينيين” بيننا، نحن “عرب الخارج”.
… والمعركة واحدة ومفتوحة باتساع الأرض العربية، حتى لو تعامى أو تجاهل حكامها الذين اقتطع كل منهم “شقفة” منها وهرب بها إلى الظلام ثم أصدر قراراً بمنع دخول الشمس إليها!
كونوا الدليل إلى الداخل،
ظلوا الداخل،
اجعلونا الداخل،
ففي الداخل البداية والنهاية: بداية فلسطين بداية العرب ونهاية إسرائيل… بكل ما معها وما خلفها من قوى ومن أساطيل ومن أعلام حماية متعددة النجوم!

Exit mobile version