طلال سلمان

على الطريق المحاسبة والإدانة

آن الأوان لكي تتم محاسبة المسؤولين والسياسيين جميعاً محاسبة وطنية تتجه إلى مواقفهم العملية ولا تكتفي بكلامهم وتصريحاتهم الصحافية المبهمة والموزعة برسم الاستهلاك المحلي.
فما قيمة أن يعلن وزير الداخلية، مثلاً، أن التقسيم شر، في حين تعمل “نموره” وميليشيا حزبه لتكريس التقسيم – عملياً – بين المواطنين والمناطق اللبنانية؟
وما أهمية الموقف المعلن لبيار الجميل من “مؤامرة التقسيم” والتصرفات العملية لحزبه ولميليشياه ولمناصريه الذين تعددت دكاكينهم وأسماؤهم، لا تفعل إلا التمكين لهذه المؤامرة ومنفذيها المجهولين المعلومين (وإسرائيل بالتأكيد منهم وفيهم وبينهم)؟
وما أهمية تأكيدات رئيس الجمهورية، في الكلمات المنقولة على لسانه، على وحدة لبنان أرضاً وشعباً بينما موقفه العملي لا يخدم هذا الفرض بوضوح، وبينما بعض المحسوبين عليه (من نجله طوني إلى حراس الأرز إلى الرهبانيات والآباتي قسيس) لا يقولون ولا يفعلون غير ما يوحي بالاستعداد للمرحلة المقبلة: جمهورية كسروان – زغرتا المارونية؟
ثم… ما قيمة التحذيرات العربية من خطر التقسيم على لبنان والأمة العربية طالما ظلت المواقف العملية لعديد من الحكام العرب تخدم – موضوعياً – التقسيم والمقسمين في لبنان وخارجه؟
لقد آن أن ينتهي زمان الكلام ويبدأ العمل الجدي والدؤوب لإحباط التقسيم وإدانة القائلين به والعاملين له إدانة صريحة قاطعة لا لبس فيها ولا غموض.
إن كل مواطن في لبنان مطالب بأن يرفع صوته محدداً موقفه وبالتالي موقعه في النضال ضد التقسيم.
إن كل مسؤول مطالب، وبشكل بديهي فإن رئيس الجمهورية – صاحب اليمين الدستورية – مطالب بإعلان إدانته الصريحة ليس للتقسيم كمشروع ولكن للعاملين من أجل التقسيم ولمكرسيه على أرض الواقع.. لبنان الواقع أرضاً!
إن كل حاكم عربي مطالب بإعلان موقف قتالي ضد التقسيم، ليس فقط لدواعي السلامة القومية، بل أساساً لدواعي سلامة “قطره” إن لم نقل لسلامة حكمه وشخصه الكريم!
لم يعد ثمة مجال لمعتذر “بخطر الشيوعية الداهم” أو لمتذرع “بنقص في المعلومات عن اللغز اللبناني” يمنعه من تحديد موقفه عملاً بقاعدة “من قال لا أدري فقد أفتى”.
إن السعودية مطالبة بمقدار ما سوريا مطالبة. وكذا العراق ومصر والجزائر وتونس واتحاد الإمارات واليمنان والكويت وليبيا وموريتانيا والسودان وحتى حكم قابوس في سلطنة عمان.
إن الصامت عن هذه الجريمة القومية أكثر من شيطان أخرس، إنه يعرض نفسه لتهمة التواطؤ والضلوع المباشر مع الانعزالية الطائفية في لبنان ومع إسرائيل في التآمر على الأمة العربية كلها وليس فقط على لبنان وشعبه الذي يحاول أن يقيم بجثث شهدائه سداً في وجه المؤامرة.
على أن أول المطالبين هم المواطنون المسيحيون، وهم قادة الرأي العام المسيحي، وعلى رأسهم غبطة البطريرك الماروني.
إنهم مطالبون بموقف تاريخي. وطبيعي إنه موقف لا يقدم عليه ولا يتخذه إلا الشجعان وإلا المخلصون وإلا المستعدون لمقاومة الإرهاب الفكري والطغيان، إذ متى وكيف وأين أمكنت حماية الأوطان بالصمت، أو بالنية الطيبة وحدها؟
وبصراحة نقولها: لم يعد الصمت، الآن، موقفاً وطنياً، بل لعله بات خدمة لأعداء الوطن.

Exit mobile version