طلال سلمان

على الطريق المبعدون… وإسرائيل “العربية”!

آخر ما حرر أن يتلقى “العرب” دروساً في الوطنية من “العدو” الإسرائيلي!
آخر ما حرر أن يباهينا “العدو” الإسرائيلي بأنه أرأف بالمواطن العربي من الحكومات العربية، فهو يكتفي بإبعاد من يعتبرهم إرهابيين وخطراً على أمنه، بينما “الدول” العربية تطاردهم بالرصاص بهدف إبادتهم!
وفي حين يتلهى العرب في مخاصمة بعضهم البعض، وينشغل الفلسطينيون (وهم بعض العرب) في مناكفة بعضهم البعض عبر محاولة كل طرف استغلال موضوع المبعدين أو توظيفه لتسجيل نقطة على “خصمه” أو “منافسه” على الزعامة، تنصرف إسرائيل إلى مواجهة العالم بتظهير هذه المواقف العربية وتجسيمها لطمس جريمتها الأصلية.
قديماً قيل: “وإذا بليتم بالمعاصي فاستتروا”.
أما بعض الحكومات العربية فإنها تفاخر بارتكابها المعاصي، ربما لأنها تفترض إنها بهذا تزكي نفسها لدى السيد الأميركي أو لدى السيد الآخر: الإسرائيلي.
وموضوع المبعدين الفلسطينيين بقوة حراب الاحتلال الإسرائيلي إلى الأرض اللبنانية المحتلة، يعكس في بعض جوانبه المأساة القومية التي تهون أمامها مأساة هؤلاء المجاهدين الذين يواجهون في المجتمع الدولي صقيعاً أقسى من هذا الذي ينخر عظامهم في السديم الوعر بين “معبر” زمرياً ومرج الزهور في البقاع الغربي.
ولولا شيء من قوة الذاكرة لافترض العالم أن لبنان هو الذي أبعد المجاهدين الفلسطينيين الـ 415 عن أرضهم فلطسين، وألقى بهم في الوعر والصقيع والابتزاز السياسي.
ولولا بقية من خجل، أو تهيب، لطالب بعض القادة العرب لبنان بأن يسدل الستار على هذا الجرح النازف، حتى تلتهمه لجة النسيان في ما التهمت من قضايا العرب وحقوقهم.
ولولا شيء من الخوف لحكم المنطق الإسرائيلي السياسة الرسمية العربية في موضوع المبعدين، فتحولوا من مناضلين من أجل قضية عادلة إلى “مدانين” أو “مطلوبين للعدالة” أو “متهمين” يتوجب تقديمهم إلى المحاكمة كإرهابيين!
فحي يقف وزير خارجية مصر العربية، عمرو موسى، وفي اجتماع رسمي لما يسمى “دول الطوق”، ويطرح ما سمعه من “نده” وزير خارجية إسرائيل شيمون بيريز، مع جنوح إلى تبنيه أو – أقله – أخذه في الاعتبار، يكون الغلط قد عشش في ما تبقى من العقل الرسمي العربي فأفسده تماماً… والغلط هنا أشنع من الانحراف وأدهى!
قال عمرو موسى، لا فض فوه، إن شيمون بيريز قد “استهجن” الضجة العربية حول المبعدين والاجتماع الطارئ في القاهرة، مؤكداً أن قرار إسرائيل بشأنهم نهائي وإن لا مجال لإعادة النظر فيه والعودة عنه.
وقال موسى نقلاً عن بيريز : إن المبعدين هم مجموعات من الإرهابيين اعتدوا على الجيش الإسرائيلي (!!) وعلى المستوطنين الإسرائيليين (!!) وإنهم يشكلون خطراً على أمن إسرائيل!
وأضاف موسى، ودائماً نقلاً عن بيريز: إن إسرائيل تدافع عن نفسها، تماماً كما تدافع الحكومات العربية عن نفسها في مواجهة هؤلاء الإرهابيين.
وتساءل عمرو موسى بلسان شيمون بيريز، أو بالعكس: إن حكوماتكم تقتل أمثال هؤلاء بالرصاص، وكل ما فعلته حكومتنا إنها طردتهم لتحمي أمن شعبنا!
الأخطر أن موسى قال بلهجة لا تخلو من الحماسة أن بيريز سأله بحدة: ألستم تطاردون “رفاق” المبعدين ومن قال قولهم واعتنق مبدأهم، على امتداد أرض مصر من صعيدها إلى مرسى مطروح؟! ألا يقتلهم رجال الأمن والقوات المسلحة عندكم في الشوارع؟! ألا تطارد حكومة تونس أشباههم وأمثالهم ورفاقهم؟! ألا تقتل حكومة الجزائر كل يوم بعضهم؟!
الطريف أن الحاضرين قد استقبلوا الكلام بشيء من الوجوم ، وساد الصمت لفترة، قبل أن يكتشفوا أنهم على وشك الوقوع في فخ المنطق الشكلي الإسرائيلي، وكان أن نبه بعضهم إلى هذا الخطر مشيراً إلى أن إسرائيل – كدولة – هي الخارجة على القانون، وإنها تمارس إرهاب الاحتلال على أهل البلاد المحتلة وأصحاب الأرض الخاضعة لاحتلالها، وإنه بغض النظر عن مدى الصحة أو الخطأ في ما تقوم به الحكومات العربية المعنية فإنها إنما تواجه بعض مواطنيها الخارجين على القانون فيها، ولا وجه للشبه بين ما يصدر عنها وبين اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم ورميهم في العدم.
لولا أن الحكومات العربية قد سبقت فأبعدت مائتي مليون عربي عن ساحة العمل العام، فمنعتهم من المشاركة في القرار، وغيبتهم عن دائرة الفعل، وبالذات في مجال مواجهة العدو، لما جرؤت إسرائيل على إبعاد من أبعدت من مجاهدي فلسطين.
ولولا أن القيادة الفلسطينية قد تحولت إلى “نظام” يمنع المعارضة (ولو باستيعابها وتذويبها وطمس طروحاتها، عن طريق إشراكها في المغانم!!) لتردد العدو الإسرائيلي ولفكر عشر مرات قبل أن يقدم على جريمته الجديدة.
إن إسرائيل تحاول تقديم نفسها الآن كنظام “عربي” آخر، يحمل النزعة التعسفية إياها، يرفض الاعتراض والمعارضة ويواجه أي تحرك مضاد بالنار، يرى في كل من يخالفه إرهابياً يستحق الموت قتلاً.
مع فارق جوهري: إن إسرائيل تواجه العالم كله من موقع المنتصر على العرب كلهم، وهي تدوس على قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وتتحدى “الضمير العالمي” لأنها تمسك بالقرار في مركز القرار، واشنطن وسائر العواصم.
في حين أن الحكومات العربية لا تواجه إلا مواطنيها، ثم تطاطئ الرأس أمام إسرائيل كما أمام مركز القرار الكوني في واشنطن، ولم تعد تجرؤ حتى على دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة لأن في ذلك ما قد يغضب السيد الأيمركي.
أيها العرب: موتوا بصمت حتى لا تزعجوا الاحتلال الإسرائيلي.
أيها العرب: موتوا بصمت حتى لا تستفزوا حاكمكم فيقتلكم تطميناً للسيد الأميركي، ومعه الإسرائيلي، إنه ما زال قوياً بما يكفي لضمان أمن إسرائيل… منكم!
أيها العرب: موتوا بصمت في مرجع الزهور… السوداء، وسط تلك الهالة البيضاء التي تتعدى الثلج لتكمل لوحة الموت العربي مع نهاية السنة الثانية من العقد العاشر من القرن العشرين.

Exit mobile version