طلال سلمان

على الطريق المارونية السياسية في الكويت: الشخص – الطائفة – الامتيازات أم الوطن؟

… وهي فرصة للجنة العربية للمساعي الحميدة لكي تسمع منطق “المارونية السياسية” وطروحاتها وتصوراتها للمستقبل في لبنان، بغير وسيطز
لقد التقت اللجنة، من قبل، البطريرك الماروني، وسمعت منه بعض رأيه، لكنه في نهاية الأمر رجل دين لا رجل دنيا، ثم إنه كان المتحدث الأول من الموارنة، وهذا يحرجه ويدفعه إلى التحفظ، حتى لا يجيء “الفعاليات” بعده فيزايدون عليه أو يناقصون أو يتلطون خلف موقفه محتفظين لأنفسهم بحرية الحركة وهامش المناورة والقدرة على اهلاب الفرص!
أما اليوم فاللجنة العربية ستلتقي بخلاصة الخلاصة وعصارة العصارة لموقف المارونية السياسية من مختلف المسائل والقضايا موضع الصراع في لبنان.
وإذا ما أسقطت اللجنة ستارة المجاملات واللياقات، وحذفت عبارات المحاباة، حتى لا نقول النفاق، خصوصاً وإن بين أعضاء الوفد الخمسة أربعة مرشحين محتملين لرئاسة الجمهورية، فلسوف يكون اللقاء صريحاً إلى حد القسوة، ولكنه سيكون مفيداً ربما أكثر من اللقاءات السابقة مع الأطراف اللبنانيين.
أما إذا “استفردت” اللجنة أعضاء الوفد المركب بعناية بحيث لا “ينفرد” طرف برأي ولا “يجرؤ” طرف على الاعتدال، واستمعت إلى كل منهم على حدة، فلسوف تكتشف من الحقائق ما يشيب لهوله الولدان.
وبحسب الخبرة والمعرفة الشخصية فإننا نفترض أن الوفد سيظهر في بداية اللقاء قدراً من التماسك، فإذا ما امتد الوقت وطاب الكلام فلسوف تنشأ مشكلة حادة مبعثها التنافس على حق الكلام… ذلك إن الوفد يضم نخبة من “الكلمنجية”، وكلهم قادر على أن يضرب الرقم القياسي في التحدث بلا توقف وفي أي موضوع، أو حتى بلا موضوع.
ثم إن أعضاء الوفد من البارعين في علم الخلط بين الموضوعات، وإضاعة الموضوع الأصلي بإغراق السامع في أبحاث تاريخية مستوحاة مما أهمله التاريخ، وفي محاضرات عن التسامح الديني عند العرب الذي يفرض على الأقليات طلب حماية الأجنبي وضماناته التي تتحول مع الوقت إلى امتيازات فإلى حقوق ثابتة، هذا إضافة إلى كم هائل من التفاصيل وتفاصيل التفاصيل التي قد تبدأ “ببوسطة” عين الرمانة وقد تشطط عند حصار المرافئ. إلا إنها تمنع النقاش وتعطل الحوار وتحوله إلى سفسطة أو إلى عراك… لغياب الديموقراطية عند العرب!
لنتاجوز هذه “التفاصيل” ، ولنفترض إن “حزم” الشيخ صباح الأحمد معززاً “بانضباطية” الشاذلي القليبي، و”بالتزام” أعضاء الوفد تعليمات رئيسه – رئيس “الجبهة اللبنانية” – رئيس الكتائب اللبنانية، كل ذلك قد فرض جواً من الجدية والمصارحة، فماذا تراها تقول “الجبهة” الذاهبة من بيروت وقد تبنت مذكرة العماد ميشال عون إلى اللجنة العربية في تونس؟!
ماذا تقول “الجبهة” إذا ما سألتها اللجنة العربية، مثلاً، رأيها في العماد ميشال عون؟
*هل يقول رئيسها، وأعضاء الوفد، حقيقة رأيهم في “الضابط الصغير” ، وهو ما يتداولونه همساً في أوساطهم ومع الآخرين في الغرف المغلقة، أم تراهم يقولون ما يخالف اقتناعهم بحجة الحرص على كرامة الطائفة العظمى التي باسمها يحتل ميشال عون القصر الجمهوري ويخاطب العالم من تحته؟!
*هل يقولون إن ميشال عون أرعن ومختل التوازن النفسي ويحكمه جنون العظمى؟!
*هل يقولون إن ميشال عون “أكثر تهوراً من بشير الجميل وأقل صدقاً من أمين الجميل”، كما يقول أحد رفاق السلاح، بل واحد القادة العسكريين السابقين للجيش ممن يعرفون أصل ميشال عون وفصله؟!
*هل يقولون إن ميشال عون لا يسمع لأحد ولا يستشير أحداً ولا يرد على أي مرجع من مراجع الطائفة العظمى، يستوي في ذلك البطريرك الماروني ورئيس “الجبهة اللبنانية” وقائد “القوات اللبنانية” والنواب الموارنة وسائر الفعاليات والقيادات السياسية والفكرية والاقتصادية، فكيف بغير الموارنة وغير المسيحيين وغير الرهائن المحتجزين في المنطقة “الشرقية”؟!
*هل يقولون إن ميشال عون قد أخذهم إلى الحرب ضد سائر اللبنانيين وضد سوريا من دون أن يسألهم رأيهم أو يسمح لهم بإبدائه، أم سيدعون إنهم يوافقونه على إن ساعة “التحرير” قد دقت، وإنه لا مجال للتراجع، إذ ليس في التحرير إلا النصر أو الشهادة؟!
*هل يقولون للجنة العربية أن ميشال عون قد أوهم الناس في “الشرقية” إنه إنما يريد “تحريرهم” من سيطرة ميليشيات “القوات اللبنانية”، فلما قاسمته المال والنفوذ وسلمت “بشرعيته” أعاد ربط تحالفه معها على قاعدة إنه “قائد مسيرة التحرير” وإنها عسكره؟!
*هل يقولون له رأي “القوات” الحقيقي فيه، وكيف إنه سرق منها شعار “التحرير” ولكنها لا تريد أن تناقشه لأنها تخاف من رعونته وطيشه أن يرتد عليها بالمدفع فيذبحها بوصفها متقاعسة عن المهمة “الوطنية” الجليلة وليس كمنافسة على السلطة؟!
إن “القوات” تقول بلسان قيادييها إنها لم تكن تريد أن تصل بالأمور إلى حد الحرب ضد سوريا، كانت تهاجم دمشق ولكن من أجل أن تفتح لها باب الحوار، وإنها تعرف حجمها وتعي الحقائق السياسية في المنطقة، وبينها أن ميزان القوى وبأي معيار هو لمصلحة سوريا، ولذا فقد كانت ترفع شعار “التحرير” وهدفها الوصول إلى “الصمود” في انتظار أن يتعدل الميزان أو تتبدل الظروف والسياسات،
و”القوات” تقول إن “الضابط الصغير” يهدد، بتهوره، مصالح الموارنة وموقعهم الممتاز،
وبعض قيادة “القوات” يوجه إلى ميشال عون اتهامات ونعوتاً لو صدرت عن غيرها لتسببت في حرب أخرى انتقاماً لشرف الطائفة العظمى المسفوح.
بين ما يقال، مثلاً، إن سمير جعجع سأل ميشال عون، في أول لقاء تم بينهما بعد “حرب القرار المسيحي” في “الشرقية” “- بشرفك العسكري، يا جنرال، هل كنت تصدق إنني أريد أن أقتل عائلتك وأدبر لك إهدن أخرى”؟! وكان رد الجنرال: – قطعاً لا!
وعاد سمير جعجع يسأل: “- بضميرك يا جنرال. هل تعتقد إنني كنت أنظم انقلاباً لأشلحك السلطة؟!”.. وكان رد الجنرال: – أبداً..
وتساءل سمير جعجع: – إذن لماذا وجهت إلينا هذه الاتهامات الخطيرة؟!
فكان رد الجنرال ببساطة – إنها معركة وجود، وهي تبرر كل شيء!!
*هل يقولون للجنة العربية إن ميشال عون قد بدل رأيه فيها وفي مهمتها فانقلب من مؤيد متحمس إلى معارض ومعترض وناقد وناقم، وإنه بعد تونس مباشرة كان لا يتعب من امتداح الحكمة العربية والرعاية العربية والحرص العربي على لبنان، وإنه اليوم لا يتعب من شتم “البدو” والتشهير بمزاجيتهم وتقلبهم وجبنهم وتعصبهم الديني؟!
*هل يقولون للجنة العربية إن ميشال عون قد استعدى جميع الدول، إلا فرنسا وموقفها يحتاج إلى وقفة خاصة، فاستفز سفراء الدول الصديقة، ووجه اتهامات مقذعة إلى رؤساء الدول الكبرى وأدان جبن أوروبا الغربية، و”نفاق” الدول الاشتراكية.
هل يروون للجنة مثلاً بعض ما وقع بين الجنرال عون وبين السفير الأميركي، وما هي طبيعة الانذار الذي وجهه “الضابط الصغير” إلى الشخص الثاني في سفارة الدولة العظمى، الولايات المتحدة الأميركية، دانيال سمبسون؟!
وهل تراهم يحدثونها بحديث الجنرال مع السفير البريطاني!؟
أم تراهم يبلغونها رأي الجنرال في موقف ألمانيا الغربية وفي سفيرها ببيروت؟!
أما حديث فرنسا فهو فضيحة نادرة المثال للطرفين في الأليزيه وفي بعبدا والتنافس على مرتبة الأكثر رعونة وخفة ونزقاً، حتى لا نستخدم الكلمة النبية “الجنون”؟!
للمناسبة ترى هل سيبلغ وفد “الجبهة” اللجنة العربية إن الجنرال قلق من احتمال أن ينظر إليه الناس كمجنون، ولذلك يحرص على أن يسأل بعض زواره، وبينهم صحافيون أجانب، إذا كانوا يشتبهون في إنه مجنون أم يرونه سوياً؟!
أغلب الظن إن وفد “الجبهة” سيدافع عن الجنرال عون، عن مواقفه وعن تصرفاته. وسيحاول توجيه الحديث إلى الدور السوري في لبنان وتصوير الأزمة بأنها لبنانية – سورية وإن اضطر إلى الإقرار بأن لها بعض الجوانب المحلية.
وبرغم إن وفد “الجبهة” يعرف إن السبب الأساسي للأزمة المتفجرة هو موضوع الاصلاح السياسي لوجوه الخلل الفاضح في النظام اللبناني، فإنه سيحاول الهروب في اتجاه ضرورة تثبيت وقف اطلاق النار وإيجاد مخرج لمشكلة الحصار البحري والبري والجوي، مفترضاً إن الهدوء قد يمهد لإجراء انتخابات رئاسية في المدى المنظور.
عند موضوع الاصلاح سينتهي التعارض وسيعود التلاقي بين منطق “الجبهة اللبنانية” وبين الطروحات الرعناء لـ “الضابط الصغير”، لأن الأمر يمس ما لا يمس: امتيازات الطائفة العظمى!
حتى الاختلاف، إذا ما بقي منه شيء، فلسوف ينحصر في الشكل وفي الأسلوب،
فلقد عودتنا المارونية السياسية أن تدمج بين شخص الرئيس وبين رئاسة الجمهورية، وبين الرئاسة والنظام، وبين النظام والكيان ، وبين الكيان والطائفة العظمى بامتيازاتها – الضمانات التي بزوالها يزول لبنان، أو تنتفي الحاجة إليه!
من قبل ميشال عون المقيم في قعر القصر، كان للطائفة العظمى الموقف ذاته من الشيخ أمين الجميل ، (ومن العديد من الرؤساء السابقين)…
كانت قيادات الطائفة تعترف – مضطرة – بأن أمين الجميل غير كفؤ، وغير نزيه، وغير صادق، وغير أمين، وغير مؤهل لأن يكون رئيساً لإقليم المتن الكتائبي…
فإذا ما طولبت هذه القيادات بموقف منه رفعت شعار كرامة الطائفة وحقوقها وامتيازاتها، واعتبرت إن المطالبة بعزل أمين الجميل أو تقصير مدة ولايته تهديد لوجود لبنان ولمصير المسيحيين في الشرق!
وقيادات الطائفة العظمى تقول اليوم في ميشال عون ما لم يقله مالك في الخمر، ولكنها إذا ما طولبت بموقف، والأمر مع “الضابط الصغير”، أيسر، فلا هو زعيم خطير ولا هو رئيس منتخب، بغض النظر عن ظروف الانتخاب، نادت بالويل والثبور وهاجت وماجت وصورت الأمر وكأنه حرب على الوجود الماروني بل والوجود المسيحي في الشرق كله!
أي رئيس، شرعي أو غير شرعي، منتخب أو معين، يجسد كرامة الطائفة العظمى وامتيازاتها حتى لو كان لصاً أو مختلاً أو عديم الكفاءة، أو مرتهناً لإرادات خارجية (حتى لا ننسى مرارة التجربة مع العدو الإسرائيلي التي ما زلنا نتجرعها حتى اليوم) أو مهدماً للنظام ومدمراً لصيغته الفريدة.
أي رئيس بالمطلق أهم من الجمهورية، لأن الطائفة العظمى أهم من الوطن.
لا الأرض تهم، لا السيادة تهم، لا الاستقلال يهم، لا الوحدة الوطنية تهم،
المهم “الشخص – الطائفة”
حتى الدستور يطرح أرضاً متى تحدد الخيار بينه وبين الرئيس،
فهذا الدستور قدس الأقداس، ممنوع لمسه أو الاقتراب منه بالتعديل أو بالتغيير،
ولكن، إذا شاء “الرئيس – الطائفة” أن يجدد فلا بأس من تعديل الدستور وتناسي قداسته التي تشهر سلاحاً في وجه الاصلاحفقطز
أي إن حق فرد واحد ينتمي إلى الطائفة العظمى أعظم أثراً وأخطر تأثيراً من حقوق الأكثرية الساحقة من اللبنانيين ، بمسلميهم والمسيحيين، وبينهم معظم الموارنة،
هل هذا معقول، يا شيخ صباح؟
إن الأزمة في لبنان سياسية، أولاً وأخيراً، وعلى حلها تتوقف حلول سائر المسائل الناجمة عنها، وبينها على سبيل المثال لا الحصر مسألة الوجود السوري في لبنان،
والأزمة أساساً في قلب الطائفة العظمى،
ولقد انتهى زمن الهروب من مواجهة الأزمة في عينيها، كما يقول الأصدقاء الفرنسيون!
إنها أزمة نظام بقدر ما تفترض الطائفة العظمى إنه نظامها، من أجلها ابتدع ومن أجلها يستمر، حتى لو أدى استمراره عبر ممثليها “الشرعيين” من أمثال أمين الجميل وميشال عون، إلى تدمير مشروع الوطن ومصالح الطائفة بما فيها الامتيازات المقدسة.
إنها أزمة نظام سياسي متخلف أصلاً وقد تجاوزه الزمن ولم يعد يكفي لإطالة عمره أن تزور الأسباب والنتائج، فتصور كل مطالبة بالاصلاح وكأنها افتئات على “حقوق” الطائفة العظمى وامتيازاتها التي صارت عنواناً لاستمرار الحرب الأهلية في لبنان إلى أجل غير مسمى.
ونفترض إن مرافعة الدكتور جورج سعادة، على بلاغته، لن تستطيع طمس هذه الحقيقة،
أما بقية الوفد فيا حبذا لو أنابوا “كبيرهم” إذن لارتاحوا وأراحوا،
وأما اللجنة العربية فمطالبة بعد وصلة الاستماع الأخيرة بموقف صريح وواضح،
ومثل هذا الموقف ضروري من أجل الموارنة أولاً، ثم من أجل سائر اللبنانيين،
لقد أفادت الرعونة الفرنسية التي يجتهد اليوم الوزير برنار كوشنير في مسح آثارها المؤذية، أفادت، بالنتيجة، في تنبيه الموارنة إلى خطورة المصير الذي يقودهم إليه هوس “الضابط الصغير”،
ومن شأن الحكمة العربية إذا ما جاءت مقرونة بالصراحة، ولو قاسية، في إعلان الموقف الصحيح، أن تساعد أيضاً في ترشيد الموارنة وفي حسم خيارهم: إن الامتيازات هي طريق الحرب المفتوحة وإن الاصلاح هو طريق الحل، طريق السلام الوطني، في بلد “يحتفل” من تبقى من أبنائه اليوم بالذكرى الخامسة عشرة لاندلاع الحرب المتعددة الأسماء والوجوه والشعارات فيه.
الاصلاح، الاصلاح، الاصلاح،
لا كيان بلا إصلاح، ولا نظام بلا إصلاح، ولا جمهورية بلا إصلاح،
وميشال عون حالة مؤقتة وعارضة، قد تعيق وقد تؤخر أو تعطل لبعض الوقت، ولكن كلفتها أغلى بكثير من قيمتها، ثم إنها لن توقف سير التاريخ،
ونفترض إن التعجيل بإزالة اغتصاب ميشال عون للسلطة وهو مطلب مسيحي ومصلحة مارونية، فالخسارة شاملة للوطن والمواطنين بأسرهم، لكن الموارنة سيخسرون ما لا يمكن تعويضه: الجدارة بالرئاسة والموقع الممتاز، الذي لم يطرح حتى الآن للمناقشة ولكنه سيغدو – مع استمرار عون وأمثاله – خارج أي مناقشة في المستقبل.
ونفترض إن الشيخ صباح يمتلك القدرة على الإقناع، حتى إقناع المغلقة عقولهم وعيونهم بالتعصب أو بالأنانية أو بادعاء الانتساب إلى عرق أو قومية أرقى من قوميتنا العربية….
… فإذا تعذر ذلك على البدوي الكويتي فلعل المثقف التونسي الذي “يهدر” بالفرنسية كأبنانئها يقدر على إقناع وفد “الجبهة” ومن خلفهم الطائفة العظمى، بما لم تقنعها به دروس أربع عشرة سنة من الحرب المفتوحة.
الاصلاح، الاصلاح، الاصلاح ومعه الانتخاب وبعده يكون الحديث ممكناً في كل الشؤون والشجون، من الاحتلال الإسرائيلي إلى قيام الدولة إلى الوجود السوري في لبنان.
للمناسبة نرجو أن يتذكر وفد “الجبهة” إن إسرائيل ، ما زالت تحتل قسماً من أرض لبنان وقسماً أكبر من إرادته، وهو ما نسيه وينساه دائماً “الضابط الصغير”!

Exit mobile version