طلال سلمان

على الطريق المؤامرة على طرابلس مؤامرة على لبنان

تجاوز الوضع في طرابلس حجم المأساة، صار مؤامرة!
مؤامرة لا تستهدف عروبة المدينة ووطنيتها فحسب، بل عروبة كل لبنان وكل اللبنانيين وكل العرب وبالتحديد من لهم تواجد فيها أو إلى جوارها، مباشر أو غير مباشر، علني أو متستر بلافتات محلية تموه حقيقة انتمائه أو حقيقة ولائه أو حقيقة أغراضه.
إن القذيفة التي تطلق في طرابلس تصيبنا جميعاً، في بيروت كما في البقاع، في الجنوب كما في الجبل، بل هي تصيب أيضاً دمشق وحمص وحلب ودير الزور، وتصيب نابلس وحلحول والقدس الشريف.. حتى لكأنما قذيفة إسرائيلية مهما جعجع مطلقها في ادعاء العداء لإسرائيل.
إنها قذيفة مسمومة تكفي لإنهاء آخر بارقة أمل في إمكان أن يتلاقى العرب، أو بعضهم المعني، على العداء لإسرائيل وقتالها بدل أن يبتدعوا أسباباً للخلاف تشغلهم عنها بصدام مروع لا يمكن أن ينتهي بنصر لأي منهم، ولا يمكن أن يحمل إلى أي طرف إلا الخزي والعار والمزيد من العجز.
إنها المفارقة المفجعة دائماً: لا نقاتل العدو، لهذا السبب أو ذاك، فنقتتل بالنتيجة ولو بلا سبب، ويجيء طيران العدو لضربنا جميعاً فنكاد ننشغل عن رده لأننا منهمكون في الاقتتال، ولأن كلا منا يرغب في أن “يمرك” على الآخر إنه مقصر وغير كفؤ ومن ثم غير جدير بقيادة الأمة ونضالها.
… ثم نندفع نبكي ونتباكى على تقهقرنا وتعثرنا في مواجهة خطر الاجتياح الإسرائيلي.
ولأن الوضع صار في حجم المؤامرة لم تعد المناشدات والنداءات العاطفية تكفي، ولا عاد يجوز السكوت عن المتسبب في هذه الكارثة القومية وطمس الاسم وهويته وأغراضه والتحدث عما يجري من فواجع وكأنها نتيجة لحرب بين أشباح مجهولة الأسباب والمسببات والغايات الخبيثة.
فلا هذا الذي تشهده طرابلس يحدث بفعل المصادفة ولا هو ابن ساعته ولا نتيجة فورة أعصاب عارضة.
إن ما يعيشه أهلنا في طرابلس الصابرة من أهوال، هو نتيجة لقرار سياسي خطير اتخذه أحد ما، اتخذته جهة ما نافذة وقادرة، مستهينة بحياة الناس وأمنهم، فارضة عليهم الذعر والجوع والعطش والظلام ومعايشة الموت كل لحظة، وقبل هذا كله: اليأس والخجل بعروبتهم والسقوط النفسي وافتقاد القدرة على التمييز بين الصديق والخصم، الحليف والعدو، الشقيق والغاصب الدخيل، وإلا فمن أين جاءت كل هذه الأسلحة المدمرة وكل هذه الذخائر التي تنفجر في صدور النساء والأطفال والخارجين بحثاً عن رغيف.
ولماذا حشدت في طرابلس التي ليس بين أبنائها ذاتهم أو بينهم وبين جيرانهم مخاصمات وثارات تستدعي أن تتحول عاصمة الشمال إلى جبهة تتقاطع فيها خطوط الدفاع والهجوم عبر النوافذ والغرف في البيوت المتلاصقة”.
إن الذي خزن كل هذه الكميات من الأسلحة والذخائر في أحياء طرابلس وأزقتها وحواريها الفقيرة، إنما كان يستهدف اغتيال طرابلس والعروبة في لبنان.
والذي أفسد جو العلاقات بين الأهل، بين الأشقاء، بين جيران العمر ورفاق السصلاح وشحنه بكل هذا التوتر المسموم نتيجة تسعير الحمى الطائفية، لا يمكن أن يكون ساعياً لا إلى خدمة قضية فلسطين ولا إلى توطيد العلاقة المميزة بين لبنان وسوريا ولا إلى تمكين الوطنيين من دحر المشروع الكتائبي لصهينة لبنان.
إنها المؤامرة.
فليكن هدفنا إذن كشف المتآمرين وضربهم، وإلا كرت سلسلة من المآسي والنكبات والحروب الأهلية التي طالما التهمت فرص النهوض والتقدم والوحدة، وأضاعت على أمتنا إمكانية تحقيق ذاتها وفق طموحاتها المشروعة.
ويا طرابلس: ما أشرفك في جوعك وتعاستك. لكأنك تلك العربية التي فضلت الجوع على أن تأكل بثدييها.
ما أشرفك وأنت تقبلين الجوع والعذاب والليل المسهد بقلق الموت، لتحمي نفسك وأهلك من خط الانحراف والانسياق مع أغراض المؤامرة.
وستبقين يا طرابلس قلعة صمودنا الوطني، قلعة انتمائنا العربي، وسيسقط المنحرفون والمتآمرون مهما كانت أسماؤهم والشعارات الطنانة التي يرفعون، والتي جاء أوان انكشاف التزوير فيها والبهتان.
وستظلين يا طرابلس منارتنا خصوصاً الآن وقد تعمدت عروبتك مرة أخرى بالدم.
وكما أجبرتن ذات يوم غير بعيد، الأجنبي على التسليم بعروبتك، ستجبرين الآن الكثير من أخوانك العرب على إشهار عروبتهم.
وبذلك فقط تسقط المؤامرة ويسقط المتآمرون.
وهذا ما سيكون، هذا ما سيكون. وفي هذا لك ولنا بعض العزاء.

Exit mobile version