طلال سلمان

على الطريق اللجنة الثلاثية تستعيد وعيها … في ضيافة معمر القذافي؟

ركزوا أبصاركم، وأسماعكم، على طرابلس الغرب، هذه الأيام، فقد يأتيكم منها وعبرها “البعث” الجديد للجنة العربية الثلاثية، وقد ينجح معمر القذافي في فتح “الطريق المسدود” ودفع اللجنة إلى استئناف مهمتها “اللبنانية” التي ثبت أن لا بديل لها ولا عوض عنها بشهادة.. مجلس الأمن الدولي!
لقد أنجزت التمهيدات، على المستويات كافة، دولياً وعربياً، وكانت الذروة فيها هذا التحرك السوفياتي النشط والفعال، والمطلوب من الجميع، وبقي أن يتوج الجهد بقرار العودة الملكية عن الاستقالة.
ويبدو إن “التتويج” سيكون هدية العيد العشرين لثورة معمر القذافي،
فهل أفضل من هكذا مناسبة، تأتي وكأنها مصادفة، فتجمع أعضاء اللجنة الثلاثية (الملكين الحسن الثاني وفهد بن عبد العزيز والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد)، وتوفر فرصة للقاء – يبدو وكأنه غير مقصود – مع الرئيس السوري حافظ الأسد، وفي ضيافة صديقه الحريص عليه معمر القذافي، وبغياب “بطل” حرب ميشال عون “التحريرية” ومغذيها بالمال والسلاح والخبرات الرئيس العراقي صدام حسين؟!
من الواضح إن اللجنة ذاتها تبحث عن مخرج يحفظ “المقامات” والكرامات الملكية حتى لا يبدو استئنافها لمهمتها وكأنه تراجع عن موقف متسرع زادت علانيته من درجة العيب فيه، وحتى لا يكون “تقدمها” وكأنه توغل في حرب ضد الطرف العربي الأقوى في لبنان، سوريا، المحصن بقرارات قمة الدار البيضاء، وبدوره كقابلة قانونية للجنة الملكية – الرئاسية!
وبرغم إن اللجنة تفكر بالإنكليزية فغنها تفضل أن تتحدث بالعربية،
وبرغم إنها إنما تطلب الضوء الأخضر من واشنطن فلا مانع لديها من أن تتلقاه من موسكو، خصوصاً وإن الرعونة الفرنسية تعطي الذريعة والعذر.. فباريس تحاول عبثاً إقناع العالم بأنها حركت أسطولها لإشعال الضوء البرتقالي التحذيري فاشتعل الأحمر وولولت صفارات الإنذار قبل الأوان.
و”التحسب” أفضل من الارتجال”، على حد تعبير وزير خارجية فرنسا في رسالته التوجيهية، التي جاء بها إلى المنطقة، أمس، فرنسوا شير، وقد أعلنها دوماً قبل أن تسلم إلى الموجهة إليهم، ربما من باب التحسب وتوكيداً على تجنب الارتجال!
ولقد قالها حسني مبارك ببساطة، بلا تزويق أو فذلكة: خير لنا كعرب أن نستر عارنا وأن نتولى أمورنا بأيدينا من أن يفتضح عجزنا حتى عن تلقي التأييد الدولي واستيعابه فكيف بتوظيفه لما ينفعنا؟!
إن اللجنة العربية الثلاثية كانت مثقلة بالضغط الأميركي (والغربي) الذي أبطأ خطوها وحرفها عن مسارها الطبيعي،
وهي كانت بحاجة ماسة إلى هذا التحرك السوفياتي الذي ينفعها في استعادة توازنها،
فالسوفياتي – وحده – بين الدول الكبرى القادر على محاورة الأطراف المعنية جميعاً، في لبنان، وبين العرب وفي العالم،
فلا هو بصاحب مطامع في لبنان، ولا هو خصم أو في مرتبة الخصم لأي طرف داخلي، وقد انتزع الإقرار بدور له، إيجابي وحيوي، حتى من الأميركي، كما لقي القبول محلياً حتى من عتاة خصومه “العقائديين” والسياسيين،
ثم إن السوفياتي هو أهم وأقوى صديق – بين الدول – لسوريا،
وفي الوقت ذاته فإن علاقته بالعراق، على اختلالها في الفترة الأخيرة، تسمح له بعد بتوجيه النصح إلى حكامه ومحاولة ترشيد سياستهم في المسألة اللبنانية،
كما له علاقات طيبة، مباشرة وغير مباشرة، معلنة وخفية، مع أطراف اللجنة الثلاثية، بما فيها السعودية،
وله منزلة مميزة لدى الفرنسيين تنفع في لجم تسرعهم واندفاعهم الجموح إلى “كبير” دورهم المتواضع في لبنان والمنطقة.
كذلك فإن معمر القذافي هو أفضل من يعهد إليه بـ “إنجاز” مهمة تعويم اللجنة الثلاثية،
فالجماهيرية صاحبة دور وليست صاحبة مطامع،
وقد نجح معمر القذافي ومع الحفاظ على أفكاره ومواقفه المتميزة، في نسج علاقات طيبة مع أطرافها جميعاً، الجزائري بطبيعة الحال، والمغربي الذي يجيئه زائراً للمرة الأولى منذ قيام الثورة في الفاتح من أيلول (سبتمبر)، العام 1969، والسعودي الذي تجاوز خلافات الماضي وعقد مع القذافي معاهدة عدم اعتداء قوامها أن يقبل كل منهما الآخر كما هو،
ثم إن معمر القذافي في موقع الحليف الدائم لسوريا حافظ الأسد، لم يغادره أبداً برغم إن له وجهة نظر مختلفة معروفة ومعلنة في كيفية معالجة المسألة اللبنانية،
دائماً كان القذافي يحذر سوريا، من موقع رفيق السلاح وبدافع الحرص، من مخاطر المستنقع اللبناني،
ولكن القذافي كان، بعد التبليغ، يلتزم بدعم سوريا والوقوف إلى جانبها، حتى لا تستفرد، فهي – في نظره – وبعد كل حساب – الأخبر والأدرى بالشأن اللبناني، وهي التي ستتحمل النتائج وبالتالي فعليه صدق النصيحة ولها أن تقرر ما يتناسب مع أمنها ودورها القومي ومصالحها العلياز
بهذه المواصفات، وفي ضوء هذه المعطيات جميعاً، وبالاتكاء على المبادرة السوفياتية، وعلى القرار الدولي العام باعتماد اللجنة العربية الثلاثية “مرجعاً” محلفاً للمسألة اللبنانية، يمكن لمعمر القذافي أن يعيد وصل ما انقطع بين اللجنة وبين دمشق، وأن يطلق حواراً صريحاً ومباشراً حول الخلاف الذي شجر والذي اعتبرت اللجنة إنه يسد طريقها ويعطل دورها، وهي لما تكمل شهرها الثاني من مسيرتها الطويلة والمتعبة فوق حقل الألغام اللبناني.
إن تنازلت اللجنة فهي لا تبيع تنازلها لشامت، بل إن القذافي هو المؤهل لأن يلعب دور صاحب المساعي الحميدة للتوفيق بين رؤيتها (في ظل الظروف المعلومة القائمة) وبين رؤية الرئيس حافظ الأسد لصورة الحل في لبنان، واستطراداً صورة علاقات المستقبل بين “الشعب الواحد في دولتين”.
وغني عن البيان إن اللبنانيين عموماً ينتظرون – من حيث هجرتهم “حرب” عون التحريرية – مبادرة عربية لإعادة الروح إلى اللجنة العربية لعلها تمنحهم هدنة طويلة يلتقطون خلالها أنفاسهم، ويعيدون فيها تجليس الأمور فلا يظل الجانب السياسي من معضلتهم – وهو الأساس – مطموساً تحت ضغط التفجير الأمني المتعمد والمتصاعد باستمرار حتى يمنع الحديث في جوهر الصراع وأسبابه الداخلية المتصلة بطبيعة النظام وضرورة إصلاحه جذرياً.
ولعل الكلام الذي أطلقه البطريرك الماروني، أمس، حول الاصلاح يشجع اللجنة على تصحيح مسارها والتركيز على الجانب السياسي من الأزمة المعقدة، لأنه المدخل الوحيد – الطبيعي والشرعي – لمسيرة الحل،
وكلام البطريرك صفير، ولو جاء متأخراً، مهم للغاية، وهو مؤهل لأن يشكل نقطة تحول إيجابية في مسار الأزمة باتجاه الحل،
وهو أكثر فائدة بما لا يقاس من الاعلانات المدوية والمستفزة عن زيارة محتملة قد يقوم بها البابا يوحنا بولس الثاني لبعض لبنان وبعض اللبنانيين، في حين كانوا جميعاً على استعداد للترحيب به، لو اختار توقيتاً أفضل ومنطقاً آخر لفهم ماساتهم.
كذلك فهو أكثر فائدة بما لا يقاس من هذا الهذر الفرنسي المتدفق كالسيل الذي لا يفعل غير تعقيد الأمور وكشف مدى تورط صديقهم الجنرال الحبيس في الطابق الثالث تحت الأرض للملجأ الجمهوري في بعبدا، ليواصل من هناك تحرير لبنان من اللبنانيين معتمداً على أسطولهم البعيد الذي فقد – أمس الأول – أول ضحيتين من جنوده بلا مبرر إلا ذلك الحنين المرضي لأمجاد الإمبراطورية الغابرة.
… هل يقدم معمر؟
وهل تغتنمها اللجنة فرصة ذهبية لاستعادة دورها الذي لا بديل له، والذي يبدو تخليها عنه أبشع من الفرار من الجندية في زمن الحرب؟!
لننتظر أخبار طرابلس،
وقديماً قال بعض حكماء الإغريق: من ليبيا دائماً يأتي الجديد!

Exit mobile version