طلال سلمان

على الطريق الكويت وعودة الوعي؟!

جميل أن نسمع من مسؤول كويتي عالي المقام، أخيراً، ما يشير إلى احتمال عودة الوعي إلى هذه الإمارة المنكوبة بثروتها وسوء إدارتها لهذه الثروة,
أحسنت يا شيخ صباح!
مع التمني بأن يكون ما أعلن هو تعبير فعلي عن سياسة جديدة سينتهجها النظام الكويتي، وليس مجرد مجاملة اقتضاها المقام وأنتجها الدهاء السياسي لمهندس الدبلوماسية الكويتية استرضاء لدمشق، ومن خلفها لعموم العرب الذين عاشوا مأساة الكويت مرتين: الأولى مع جريمة صدام حسين، والثانيةمع رد الفعل شبه العنصري الذي صدر عن تيارات مشاركة في السلطة الكويتية أو قريبة منها.
ففي لحظة بدا وكأن الجريمة التي أدت إلى كارثة قومية قل نظيرها، إنما تستكمل أبعادها برد الفعل ا لكويتي الذي بتلور على شكل عداء للعرب كلهم، وللعراق بالمطلق وصولاً على حمورابي وشرائعه، مروراً بهارون الرشيد والأمين والمأمون ودار الحكمة في بغداد وخرائط بلاد الرافدين في الكتب المدرسية.
كان المواطن العربي، في مخت لفأقطاره، الضحية مرتين،
ولم يكن منطقياً ولا عملياً أن يذهب الكويتيون في عصبيتهم وفي انتقاميتهم إلى حد الخروج من الأمة وعليها، وأن يهدروا – هم أيضاً – دماء إخوانهم الذين قاتلوا معهم أو قاتلوا من أجلهم وباسم الرابطة القومية وتحت لواء الإيمان بالمصير الواحد وليس طمعاً بدنانيرهم أو بأرباح شركاتهم الاستثمارية (وهي في أي حال تذهب إلى آخرين خارج الكويت وسائر الأرض العربية).
ما علينا… أهلاً بالعائدين، إذا كانوا قد قرروا أخيراً العودة إلى موقعهم الطبيعي ودورهم وهويتهم غير القابلة للتعديل أو التبديل!
فكويت إعلان دمشق ليست هي كويت “عاصفة الصحراء” والمفاوضات متعددة الجنسيات والتقرب إلى واشنطن عبر الانجراف مع موجة الشعور بالانسحاق تحت وطأة الهزيمة بحيث يتم الاستسلام للعدو الإسرائيلي وبشروطه.
وأهمية إعلان دمشق تظل رمزية، وبهذا المعنى فهو قوي بوصفه تأكيداً للانتماء العربي وليس كدخول في حلف عسكري يتجاوز بقدراته ذلك “التحالف الدولي” على الأمة العربية كلها عبر الكويت بذريعة جريمة صدام حسين.
أما الأمر الآخر الذي يشير إلى عودة الوعي (سياسيا ً) فهو تأكيد الشيخ صباح على وحدة التراب العراقي بعد لقاءاته مع أطراف المعارضة العراقية الموجودين في دمشق.
من زمان كان العرب ينتظرون أن يستفيق الكويتيون من صدمتهم فيدركون أن ” عدو هم”هو هو من عانى ويعاني العراقيون من استبداده ومغامراته الحمقاء وحروبه الخطأ في المكان والزمان والهدف.
من زمان كان العرب ينتظرون أن يستعيد أخوتهم الكويتيون وعيهم بحقائق الحياة وأبسطها أن صدام حسين قد آذى العراق والعراقيين خاصة (والعرب عموماً) بأكثر مما أذاهم هم.
… و إن العلاج بالتالي لا يمكن أن يكون إلا من طبيعة قو مي ة ، فالشرط الأول لإنقاذ الكويت هو أن يتمكن العراقيون من إزاحة الكابوس عن صدورهم ومن تحرير إرادتهم واستعادة وحدتهم الوطنية وقدرتهم السياسية على مواجهة الطاغوت.
لا كويت حرة مع عراق مدمر وممزق ومهيض الجناح.
ولكي تأمن الكويت على ذاتها فلا بد من عراق معافى في ظل حكم وطني حقاً، قومي التوجه حقاً، ولديه من الإدراك وحسن القراءة السياسية ما يكفي لفهم التحولات والتطورات السياسية في العالم وضمان ذلك كله أن يكون للشعب العراقي دور غير قابل للإلغاء أو الطمس والتخطي في صياغة القرارات السياسية لبلاده الغنية والعظيمة الإمكانات والقدرات، والأهم للعرب (وللعالم) من الكويت وما حولها، في الأحوال الطبيعية.
حتى موضوع الأسرى والمفقودين الكويتيين في العراق (أو في الحرب الحرام)، لا يمكن علاجها خارج الإطار القومي.
إنها بهذا المعنى قضية قومية من الدرجة الأولى.
وهي ليست مجرد مسألة إنسانية يعالجها الصليب الأحمر الدولي أو منظمات حقوق الإنسان، على أهمية الدور التنفيذي الذي يمكن أن تلعبه أية هيئة من هذه الطبيعة.
لقد فقدت الأمة بعض زهرة شبابها في “الحرب الحرام” وعلى هوامشهأ، ولا بد أن تتحرك قياداتها ومؤسساتها (كجامعة الدول العربية) لإنقاذ من يمكن إنقاذه بعد، أو – أقله – لتحديد مصير ضحايا ذلك الخطأ السياسي القاتل، ممن لا يزالون في حكم الأسرى أو المفقودين أو المجهول مصيرهم.
ومع التقدير الفائق، والتعاطف الكلي مع ذوي هؤلاء الذين لا يعرفون أهم موتى فيبكونهم أم أحياء فينتظرونهم، فإن على الحكومة الكويتية أن تتعاطى مع هذه المسألة بعقل سياسي وبتوجه قومي سليم.
ويفترض بالقيادات والمؤسسات العربية (ولاسيما الجامعة العربية) ألا تترك هذه المسألة أيضاً للأميركيين كي يبتزوا بها العراق والكويت (ومن خلفهما العرب جميعاً) في آن.
أحسنت يا شيخ صباح!
لكن الكلام وحده لا يكفي، مهما كان منمقاً وحسن الوقع.
المهم أن تتم ترجمته عملياً، و”على الأرض”، كما يقال في زمن الحروب الحرام والاقتتال الأهلي.
لقد كبرت الكويت بأهلها العرب وليس باتساع نطاق صحرائها الغنية بالنفط، ولا فقط بالحكمة التي تحلى بها السلف الصالح من حكامها.
كذلك فقد بنيت الكويت بأيدي أهلها العرب وخبراتهم، بعرق رجالهم وزنود فتيتهم وعقول علمائهم، من غير أن نسقط دور “الأجنبي” كشريك ثان في هذا كله، (بيوت خبرة ومقاولات تعمل بالأجرة وللأجر ولا شيء إلا الأجر الباهظ والفوري… والأجر على الله)!
ولن تحمي الكويت هذه “الخوازيق” التي تدق في الرمال الآن لتضع حداً “لأطماع” العراق فيها.
بل يحميها أن تكون الأكثر عروبة، والأصفى قومية، والأعظم استعداداً لأن تعطي أمتها التي أعطتها وجودها مرتين.. حتى الآن!
والعراق باق بعد صدام حسين وجورج بوش وشوارتزكوف وسائر الحكام في مشارق الأرض ومغاربها.
ولن تكون “الخوازيق” ستاراً حديدياً… خصوصاً وإن المصالح وحدها هي التي تحدد من أين يمكن أن تهب “عاصفة الصحراء” المقبلة!

Exit mobile version