طلال سلمان

على الطريق الكل مقصر لكن العدو هو إسرائيل..

بعد كل ضربة توجهها إلينا إسرائيل نغرق في جدل “داخلي” سرعان ما يتحول إلى شجار حول “المسؤولية” و”التقصير”، وينتهي الأمر بأن ننسى “العدو” ويتخذ بعضنا من بعضنا “أعداء”، ولو إلى حين،
بين المزايدة والمناقصة، تختفي مسؤولية العدو الأصلي، ويكاد يحظى – بعد تحقيق هدفه من الضربة – “بالبراءة”،
أي إننا لا نكتفي فقط بالانشغال عن الرد عليه، بما نملك من وسائل محدودة، ولكننا أيضاً نحقق بعض أهدافه الاستراتيجية بتصديع الوحدة الوطنية وتوسيع الفجوة بين الشعب وبين الحكم، وغالباً ما ينقسم الحكم ذاته فتتبادل مؤسسات الاتهامات،
وينتهي الأمر بأن يدين كل منا الآخر، وننسى إسرائيل تماماً…
آخر النماذج الكاشفة لهذا الحول في العقل السياسي ما وقع من جدل في شأن المسؤولية عن تفجير كنيسة سيدة النجاة في ذوق مكايل بكسروان، ومع يقع الآن في تحديد المسؤول عن التقصير في خطف مصطفى الديراني في قصرنبا بالبقاع.
منذ اللحظة الأولى عرف اللبنانيون “بطل” تفجير الكنيسة، وأعلنوا بلسان المراجع المختلفة، الرسمية والشعبية، الزمنية والروحية، إن إسرائيل هي قاتلة المصلين الصائمين، لأنها الطرف الوحيد المستفيد من مثل تلك الجريمة البشعة،
ثم بعد ذلك جاء زمن الشقاق، وبدأ التشكيك بالتحقيق ومجرياته، مع اقترابه من تحديد هوية الأداة المحلية المنفذة… وسرعان ما عمد المشككون إلى احتياط الغرائز الطائفية، فإذا المتهم بريء طالما أن لا توازن طائفياً في المحاسبة، وإذا توجيه الاتهام إلى إسرائيل ذاتها موضع طعن لأنه “يستهدف فئة معينة”، ويحول الجريمة إلى مسرح لمحاكمة سياسية للمنفذين الذين، صيروا فجأة رمزاً طائفياً مقدساً!
أما في عملية قصرنبا التي نفذها الكوماندوس الإسرائيلي فجر يوم عيد الأضحى،
ونجح في اختطاف أحد مسؤولي “المقاومة المؤمنة”، الحاج مصطفى الديراني”، وأهالي القرية الذين توافدوا بعد اختفاء الجنود الخاطفين،
… أما في عملية صرنبا فقد اندفع كل طرف معني إلى تبرئة نفسه وإخفاء تقصيره برمي المسؤولية على الأطراف الأخرى، ولاسيما الجيش ومن ثم الدولة بمؤسساتها كافة،
وليس من شك في أن الكل مسؤول، ولا أحد يستطيع أن ينفي عن نفسه تهمة التقصير أو الغفلة أو الإهمال أو القصور وضعف الإمكانات في الرد،
وبدلاً من أن يلتقي الجميع لتدارس وسائل الرد، سياسياً ودبلوماسياً ومقاومة، على هذه القرصنة الإسرائيلية، وأن يشغلوا أنفسهم بتحصين الوضع الداخلي حتى لا تستغله إسرائيل في تنفيذ عمليات أخرى، أو في استثمار الخلاف المحلي لتجسيم صورة قدرتها غير المحدودة وغير المقيدة، وإعادة تظيرها عالمياً لاستعادة الوهج الذي ذهبت به الانتفاضة المجيدة داخل فلسطين وبعض العمليات النوعية للمقاومة في المحتل من الأرض اللبنانية،
… بدلاً من ذلك صار الاعتداء الإسرائيلي موضوعاً جديداً للانشقاق وانفراط عقد المستهدفين بالاعتداء،
فمصطفى الديران، في هذه اللحظة، ليس شخصاً بذاته.
إنه عنوان لبناني وسوريا و”إسلامي”، أي “إيراني” ضمناً.
واختطافه يمس الجيش بقدر ما يمس المقاومة، “إسلامية” أو “وطنية”،
إن اختطافه انتهاك للسيادة، وانتقاص من كرامة كل حملة السلاح من أجل التحرير أو باسم المقاومة أو حتى من أجل الدفاع عن التراب الوطني، وضمنه عن السلامة الشخصية في غرفة النوم بالمنزل.
واختطكافه يظهرنا جميعاً كأسرى، أو رهائن، يستوي في ذلك “العسكري” و”المدني”، الغربي الهوى أو الإسلامي الاتجاه أو الذي ما زال على إيمانه بالقومية العربية أو ذاك الذي لم يغادر فينيقيته بعد،
ففي ظل الاحتلال بذراعه الطويلة والتي لا تجد من يقطعها أو يشلها سيبقى كل مواطن أسيراً ولو كان في المغرب الأقصى أو في جمهورية النورس والغراب باليمن السعيد،
… والشقاق وتبادل الاتهامات والتشكيك كل ذلك بين الممهدات الضرورية للضربة الإسرائيلية التالية.
و”الأرض المحروقة” في الجنوب، والمواسم التي يتلفها العدو أمام عيون أصحابها الذين بذلوا من أجلها عرق الجبين، تحدد هوية العدو بالنار، لمن أعماه الدخان.

Exit mobile version