طلال سلمان

على الطريق الكرم العربي وجُند الضيم!

… وضرب له مثلاً بالكرم العربي، قال:
“- إنهم قوم سخاؤهم بلا حدود واستعدادهم للعطاء بلا سقف، لا يردون قاصداً ولا يمنعون سائلاً ولا يبخلون بغال أو نفيس، في الأرض أو في المال أو حتى في الروح، إذا ما استنخى شهامتهم ملهوف أو مستجير حتى لو كان من أعدائهم، بل لاسيما إن كان من أعدائهم!
“انظرإليهم في أيامنا هذه، أيام الشح والحاجة والأزمات الاقتصادية والغلاء المستحكم واقتصاد السوق والليبيرالية والديون الهالكة والعجز الفاضح في ميزان المدفوعات الخ.
“لقد تحملوا بطيبة نفس عز نظيرها كلفة الحرب، برغم إنهم كانوا ذريعتها وميدانها وأدواتها وضحاياها،
“وها هم الآن يبدون حماسة ملفتة لتحمل كلفة “السلام”، برغم إنه سيتم على حساب أرضهم وتضحياتهم الهائلة على امتداد نصف قرن إلا قليلاً، وعلى حساب طموحاتهم إلى السيادة والاستقلال والكرامة وخبز الفقراء منهم،
“إنهم طيعون، متجاوبون، أصحاب شهامة، حتى لكأن كلا منهم هو ذلك الذي عناه الشاعر العربي بقوله: “ما قال لا قط إلا في تشهده”! ولقد تنامت إلينا أخبار لم تؤكد بعد إنهم ربما علقوا النطق بالشهادتين، في هذه الفترة الحساسة، حتى لا يعتبرها المتطرفون الإسرائيليون تحريضاً للجمهور العربي على رفض “السلام”، فكلمة “لا” بالعربية خطرة حيثما وقعت”!
إسرائيل تذهب إلى “مؤتمر السلام” ومدافعها مستمرة في القصف، تدمر كل ساعة بيتاً في جنوب لبنان وتشرد أسرة وترمي إلى المجهول مصير شعب أنهكته الحرب حتى كاد يكفر بكل شيء إلا أرضه،
وإسرائيل تذهب إلى “مؤتمر السلام” وهي تبني كل يوم مستوطنة إضافية على بعض المحتل من الأرض العربية، بحيث لا ينتهي المؤتمر إلا وقد امتلأت “أرض إسرائيل” التوراتية بمساكن أقيمت على عجل للأحباش والبولونيين والليتوانيين والخزرج المسحوبين من بلادهم ليشكلوا شعباً بديلاً لشعب فلسطين على أرضها.
مع ذلك فقد تنافس أغنياء العرب على تمويل نفقات الوفود إلى مؤتمر السلام، فأراد الملك حسين أن يدفع كلفة “رعاياه” السابقين من الفلسطينيين، وأراد عرفات العكس، وحاولت السعودية أن تدفع عن الجميع، بمن فيهم الأميركان والإسبان (ولعلها فعلت)، مع الإشارة إلى أن الوفد الأميركي وصل تعداده إلى ألفي نفر، وإنه ضم بين جنباته رئي سالولايات المتحدة والكثير من عملاء المخابرات وبعض النجارين والسباكين حتى لا يكون ثمة نقص في أي مجال.
فهل بعد هذا كرم، وهل ثمة من يبز العربي في سمعته التاريخية المجيدة هذه؟!
خذ مثلاً أخيراً، المفاوضات المتعددة الأطراف التي ستتركز على خمسة مواضيع هي: الحد من التسلح، اللاجئين الفلسطينيين، التنمية الاقتصادية، مصادر المياه وحماية البيئة!
لقد بادر معظم العرب إلى التبرع بالحضور، حتى لو لم توجه إليهم الدعوة، حتى لا يسجل أحدهم على نفسه إنه قال “لا”!! وإنه رفض طلباً لصديق عزيز مثل الأميركيين الذين أعلنوا “إن المرحلة الثالثة ستضم الراغبين في المشاركة”.
ما هم أن يذهب الجولان طالما إن “السلام” آت!!
وما هم أن يُدمر الجنوب وأن يُشرد أهله الذين زين لهم الوسواس الخناس أن يقاوموا لتحرير أرضهم، طالما إن الرخاء مقبل على حصان عربي مطهم؟!
“اعط القليل تأخذ الكثير”، هذه هي القاعدة في العالم كله،
أما عند العرب فالقاعدة تصير: اعط الكثير ولا تأخذ، اعط الأرض يعوضك الباري عز وجل من جنته التي بلا حدود، أو هو يعوضك من رحمته الواسعة… وفي كل الحالات فالعوض على الله الذي لا يحمد على مكروه سواه،
وقديماً قال أعظم شعراء العرب:
“واعرق أهل الأرض في الذل “ملة”
تضام وفيها لمن ضامها جند”
… وسلام على من أتبع الهدى.

Exit mobile version