طلال سلمان

على الطريق الكتائب والجيش والمشروع الوطني للإنقاذ

في سياق توصيف “معركة تحرير عين الرمانة” وتبريرها قدمت الكتائب، على السنة قياداتها “المدنية” و”العسكرية” كما عبر أجهزة أعلامها، مطالعة فخمة المنطق حول نظرتها إلى الجيش ودوره في الحال والاستقبال.
والمطالعة من الوضوح والقطع في الأحكام بحيث تفرض على المواطن خياراً بائساً مؤداه، حامل لأيديولوجيتها، مدموغ بصبغتها الطائفية الفاقعة، وأما أن لا يكون لك جيش ولا دولة ولا شرعية، ومن باب أولى أن لا تكون “مواطناً” في هذا البلد الأمين!
فالجيش في عين الرمانة (يوم كان فيها) لم يوفر لها ولأهلها لا الأمن ولا الأمان ولا الكرامة” بل إنه – وبرغم مرور سنة على وجوده هناك – “لم يبادر إلى وقف الفوضى وأعمال الخوة والاعتداء على حياة المواطنين وأملاكهم” كما يقول بيار الجميل وبشير الجميل وكريم بقرادوني وإذاعة الكتائب ووكالتها وصحيفتها “العمل”.
… وعلى هذا دخلت قوات بشير الجميل “محررة” فوضعت “حداً لهذا الوضع الشاذ”!
بصيغة أخرى: “لقد دخل الجيش بتراضي الفريقين (الكتائب و”الأحرار”) وبمهمة واضحة هي حفظ الأمن لا فرض الأمن.. ولكن حبل الأمن ظل فالتاً في المنطقة، فدخلت القوات اللبنانية وحسمت الأمر”.
هذا معناه أن ألفين ومائتين من ضباط الجيش ورتبائه وجنوده قد عجزوا وعلى امتداد سنة كاملة عن ضبط الأمن في منطقة ربما لا تزيد مساحتها على عشرة كيلومترات مربعة.. فأي شهادة للجيش بالجدارة والقدرة والشعور بالمسؤولية هي هذه الشهادة؟!
فإذا كان ذلك صحيحاً، والكتائب في هذا المجال أدرى خصوصاً وإنها هي مصدر شهادات حسن السلوك للجيش وسائر مؤسسات الشرعية، فكيف تريده – هي – أن يدخل المناطق الأخرى “ليحررها” ويفرض فيها وعليها الطاعة للشرعية والانضواء تحت لواء السيادة؟!
مع ذلك يهتم الأعلام الكتائبي، بأن يؤكد أن “كرامة الجيش لم تكن على بساط البحث في عين الرمانة”.
وانى تكون كرامة الجيش على بساط البحث إذن؟!
ففي المنطق الكتائبي لا يمس كرامة الجيش أن يفرض عليه رفع حواجزه لتسهيل مرور “جيش بشير الجميل” ليحرر ويضبط الأمن في منطقة هو المكلف بحفظ الأمن فيها.
كذلك لا يمس كرامة الجيش أن يفرض على العديد من عناصره، ضباطاً ورتباء وأفراداً الاستسلام للميليشيات، وأن يجردوا من أسلحتهم ويطردوا من مواقعهم مع تمنينهم بحياته وان يصادر العديد من آلياته التي بالكاد تسلمها واستكمل تدريبه عليها.
.. ولا يمس كرامة الجيش، عدة الوطن ومرتجاة في الشدائد، أن تستنفر الغرائز الطائفية في صفوف جنوده لاستمالة قسم منهم بحيث شاركوا فعلياً في الهجوم على مواقع “الأحرار” متجاوزين – بالسلاح – مواقع رفاقهم في السلاح ناهيك بالكرامات!
كل هذا، مما جرى على الأرض، جهاراً نهاراً لا يمس كرامة الجيش، ولا يمسها أيضاً أن يقول آل الجميل:
-إن “القوات اللبنانية” هي السند الشعبي الذي حمى الشرعية!
-إن “القوات اللبنانية” هي الحليف الطبيعي الوحيد للجيش في لبنان، فكلاهما يفترض أن يكون ساعد الشرعية وسند السيادة.
-إن الكتائب تحاول أن تعوض بذاتها العجز السياسي في الحكم والعجز العسكري في الجيش.
-إن “القوات اللبنانية” هي خط الدفاع الأول عن الجيش، فإذا اصطدم بها يكون كمن كسر أجنحته بيديه.
-لا تطمئن الكتائب إلى الشرعية والجيش إلا بمقدار ما لا يطمئن إليهما الآخرن؟!
… فماذا إذن، يمس كرامة الجيش؟!
أن يطالب المطالبون ببنائه على قاعدة من التوازن الوطني، بحيث يكون جيشاً للوطن لا جيشاً لطائفة بالذات، أو لحزب، أو لطبقة، أو “كوتا” يتوزعها زعماء الإقطاع السياسي وأقطاب المال والأعمال ومستغلو النفوذ؟!
أو أن يذكره المذكرون بأن عدوه، عدو الوطن، عدو الأمة، هو العدو الإسرائيلي، وإن الجيوش العربية حليفة له بالضرورة، وإن المقاومة الفلسطينية تطلب مساعدته وتحتاجها ولا تطلب ولا تريد ولا تعطى أن تكون بديلاً عنه، إلا إذا تخلى هو عن مهماته الوطنية والقومية، وارتضى أن تسقطه الأحزاب الطائفية في حماة الطائفية فينتهي به الأمر رديفاً عسكرياً طائفياً لحزب عسكري طائفي يقوده ويحدد له أهدافه بشير الجميل وحده بغير شريك!
لقد كانت الكتائب تضع نفسها – تاريخياً – في موقع رديف الجيش، باعتباره سيف الشرعية وسندها أما الآن وقد أصبحت – بنظر نفسها – هي الشرعية فقد حددت للجيش موقع الرديف “لقواتها المسلحة” وأوكلت إليه مهمة محددة حددتها التصريحات والكتابات الكتائبية، علناً وهي: التمركز في خطوط التماس ومحاور القتال لكي يؤمن لها التغطية والحماية وجو الهدوء اللازم لقيام دولتها العتيدة.
من هنا، وفي مواجهة الإصرار الشعبي على كشف الحقائق ومحاسبة المسؤولين عن سقوط الجيش في عين الرمانة، رفعت الكتائب نبرة التهديد والوعيد للدولة (مع تذكيرها بعجزها) وللحكومة (مع تذكير الوزان بأنه لا يملك أن يحاسب نملة، وإنها قادرة على إسقاط حكومته وحرمانه من اللقب الفخم) وللجميع بأنها مستعدة لأن تدفع الأمور إلى أقصاها وليحدث الفراغ في أي مستوى من مستويات السلطة، فهي قد ملأت بذاتها مكان الدولة في “مناطقها” وليكن في المناطق الأخرى ما يكون.
إن الكتائب تعامل الدولة وتحاسبها بوصفها واحدة من “المصالح” في حزب الكتائب مثل مصلحة الطلاب أو الشؤون الاجتماعية أو الشرطة الكتائبية الخ، فإذا ما حاولت الدولة – ونادراً ما تحاول – أن تتصرف كدولة أنذرتها بنزع الغطاء الطائفي عنها فتصبح “منبوذة” ولا من مغيث.
وفي ظل الإرهاب الطائفي هذا، والخضوع بل الاستسلام المطلق له، تضيق دائرة الأمل في أن تكون الدولة دولة والجيش جيشاً وفي أن يبقى الشعب شعباً، إذ من الطبيعي أن يسود المنطق الطائفي ويطغى ويفرض نفسه على حساب الوطن ومصالح “مواطنيه وطموحاتهم المشروعة إلى غد أفضل”.
وفي ظل هذا الإرهاب الطائفي لا تتسبب الكتائب (ومن ماثلها في الطرح) في تقسيم لبنان إلى لبنانين بل إلى مجموعة من الطوائف والقبائل، والعشائر والعائلات وبطونها والأفخاذ، وصولاً إلى نقسام أهل البيت الواحد شيعاً ومذاهب، وتمزق الفرد وضياعه في حمى الصراع بين الغرائز والعواطف والعقائد، بين المصلحة والمبدأ بين إرادة الحياة بأي ثمن والخوف الدائم من الموت لأي سبب.
وهكذا تزيد مسؤولية الوطنيين عموماً، حيثما وجدوا ولاسيما في المناطق غير الخاضعة للهيمنة الكتائبية.
فالمطلوب من هذه القوى الوطنية والقومية والتقدمية جميعاً ليس فقط مقاومة المشروع الكتائبي، بل طرح مشروعها الخاص لإنقاذ الوطن ودولته ومؤسساتها جميعاً بما فيها الجيش، وقبل ذلك كله: لإنقاذ الإنسان، في لبنان وفي سائر أرجاء الوطن العربي.
فالمعركة، بداية وانتهاء، هي معركة كل عربي يحلم – حقاً – بالحرية والكرامة والتقدم، بالديمقراطية والسعادة واللحاق بركب الحضارة الإنسانية ذي السرعة الضوئية وهو يعد نفسه لاستقبال القرن الحادي والعشرين.

Exit mobile version