طلال سلمان

على الطريق القيادة بالمعارضة؟!

… وفي منتصف الولاية يتبدى الوضع السياسي في لبنان أشبه بلوحة سوريالية تتداخل فيها الخطوط والألوان، وتتماهى الحدود بين المواقف، وتتشابك صلاحيات المواقع بحيث يصعب تحديد “الجهات الأصلية” ورأس اللوحة!
ولقد أفسد دخول رفيق الحريري النادي من بابه العريض “اللعبة”، إذ اختلط الحابل بالنابل وتبادل اللاعبون الأدوار وتخاطفوا الكراسي بحيث اختلف ما كان بعده عما كان قبله اختلافاً بيناً.
ولا تكمن الطرافة في وضع الحكم وحده، ولكن قبل ذلك في وضع المعارضات:
فبعض المعارضة يعارض الحكم كله، بالجملة وبالمفرق، وابتداء من اتفاق الطائف وحتى يشيب الغراب،
وبعض المعارضة يعارض فقط المجلس النيابي الذي ولد برغم مقاطعته،
وبعض المعارضة يعارض شخص الياس الهراوي،
وبعض رابع يعارض الحكومة ما عدا رئيسها،
هذا إذا ما تجاهلنا أن بعض غلاة المعارضين صاروا وزراء في حكومة الحريري “لأنه آت لإنقاذ لبنان ولا يجوز أن نتخلى عنه”،
أما المجلس النيابي الذي ما زالت ملامحه وتياراته قيد التشكيل فقد بوغت بهبوط الحريري على الرئاسة الثالثة، فانصرف همه إلى حماية ذاته من إغراءاته.. ولأنه وعى أن الاعتراض مرفوض والمعارضة متذرة، فقد هرب إلى مشاريع القوانين يناقشها ويقول فيها تقنياً وقانونياً ما لا يستطيع أن يقوله في السياسة.
هي الهدنة “الاضطرارية”، أو “هدنة الاذعان” كما يسميها البعض؟!
إذن فكيف يفسر موقف حزب الكتائب هذا الذي اندفع فجأة إلى “خط النار”، متقدماً “القوات اللبنانية” والبطريرك الماروني وتيار ميشال عون الرافض كل شيء وكل الناس خارجه بل خارج “قائده”؟!
إن الخطاب السياسي “الجديد”؟ لهذا الحزب العتيق والمستجد في كار المعارضة يوحي وكأنه “ذاهب إلى المعارضة والناس راجعة”…
وبينما خصومه ومنافسوه وبعض أصدقائه يتساءلون علناً إذا ما كان للكتائب كحزب وجود مؤثر بعد، ويتهمونه بأنه قد هرم وشاخ وصار من ذكريات زمن الحرب والأزمان السابقة عليها والتي ولدته وولدتها، فإنه يرفع الصوت مستنجداً بالشباب وينتدب نفسه لدور في بناء المستقبل.
يقول الآخرون: لقد تحملنا هذا الحزب ثلاثين عاماً في الحكم، وهو لم يستطع أن يتحمل ثلاثين يوماً في المعارضة، فخرج على الناس شاهراً شعارات انقلابية.
ويقول الآخرون: الأمر بسيط، فزعامة الموارنة، وبالتالي المسيحيين، تكون لرئيس الجمهورية أو لقيادة (أو قائد) معارضته في الشارع،
ويستشهدون بالتاريخ: لما أضعفت السلطة بزعامة بشارة الخوري، أخذها من الشارع كميل شمعون، فلما أضعف الشارع زعامة كميل شمعون أخذ الرئاسة منه فؤاد شهاب، ثم من الشارع أخذ “الحلف الثلاثي” الزعامة – وقد ضم إلى شمعون ريمون اده وكتائب بيار الجميل – وبها استطاع أن يحمل إلى الرئاسة سليمان فرنجية.
على أن الكتائب لا تستطيع أن تقدم نفسها، مرة أخرى، بوصفها حزب الطائفة، فلا الطائفة بقيت طائفة، أي كتلة متراصة ومتماسكة، بل أصابها ما أصاب الطوائف الأخرى، وربما أكثر بحكم الموقع الممتاز، ولا الحزب بقي حزباً جماهيرياً يستطتيع ادعاء تمثيل كل من جمعتهم “الحرب الأولى” تحت لوائه.
من هنا ربما تبدو الكتائب وكأنها “تقاتل” خصماً وحيداً: رئيس الجمهورية،
ومن هنا، أيضاً، يبدو الياس الهراوي وكأنه غير مهتم إلا بشطب الكتائب من خريطة القوى السياسية، حتى لو اضطره ذلك إلى التحالف مع قوى متحدرة من الكتائب ولكنها شقت عصا الطاعة عليها وانكرت أبوتها،
الطريف أن الفريقين يتوجهان بالخطاب الجديد إلى المسلمين،
فزعامة المسيحيين في “العهد الجديد” تنطلق كما في بدايات عهد الاستقلال من لدن المسلمين.
لكن تجربة “العهد القديم”، أي ثنائية بشارة الخوري – رياض الصلح، لم تعمر طويلاً، ثم انقلبت إلى النقيض تماماً،
ثم إنها لم تعد مقبولة ولا قابلة للحياة اليوم، فكيف في مشروع الجمهورية الثالثة التي يطمح حزب الكتائب أن يكون من ركائزها؟!
ومعضلة حزب الكتائب أخطر من أن تحلها الخصومة مع المنافس “الشرعي” الأكبر: رئيس الجمهورية!

Exit mobile version