طلال سلمان

على الطريق القمة وهامشها المهم!

لو إن الدعاء وحده يفيد لكانت القمة الإسلامية التي تفتتح اليوم في الكويت أنجح القمم في التاريخ نتيجة لكمية الدعاء والابتهالات التي أطلقها المعنيون الذين يقودون مليار مسلم (؟!) يتوزعون على رقعة هائلة الاتساع من بلغاريا إلى المغرب ومن اليمن إلى الصين بغير أن ننسى جزر القمر وموريشيوس والمالديف.
في أي حال، فإن اللبنانيين الذين اعتصرتهم محنتهم حتى غرقوا في لجة يأس بلا قرار وصاروا يتعلقون بحبال الهواء ويحاولون تصديق أية أوهام حول “الحل”، أي حل، يتمنون لهذه القمة أن تنجح مع إنهم لا يعرفون تماماً كيف يكون نجاحها وبالتالي كيف يمكن أن ينعكس خيراً عليهم.
يكفي بالنسبة للبنانيين أن ينعقد أي لقاء على مستوى عال ليفترضوا أنه قد يمنحهم قدراً من الانفراج الذي قد يتطور ليصير هدنة تحترم لبعض الوقت قبل أن يقتلها إطلاق النار أو ارتفاع الدولار أو الأمران معاً.
… فكيف إذا كان المؤتمر ينعقد في الكويت بالذات ويشارك فيه معظم الملوك والرؤساء العرب، وبالتحديد الرئيسان أمين الجميل وحافظ الأسد اللذان سيلتقيان الآن بعد حفوة امتدت سنة كاملة، وبغير وسطاء، من أي نوع، وبعد تجربة غنية بالدروس والعبر والآلام؟!
ولهذا يمكن اختصار مكمن الأمل في هذا اللقاء ذاته، وفي الجو المحيط به، وهو جو مساعد.
أما المؤتمرن كمؤتمر، فحظه من النجاح محدود، شأنه شأن أي مؤتمر يجمع مثل هذا الحشد من الدول المتعددة الأهواء والارتباطات والمصالح.
فهو ليس مؤتمراً إسلامياً بالمعنى الفقهين ليكون الدين كرابطة في الإيمان والعقيدة بين عوامل النجاح.
إنه مؤتمر سياسي لدول تعتنق شعوبها الدين الإسلامين لكن السياسة، أي المصالح والارتباطات، هي التي تحكم وتقرر وليست وحدة العقيدة.
وبالمعنى السياسي، مثلاً، يمكن أن يقال إن الولايات المتحدة الأميركية هي الأكثف حضوراً، برغم إنها ليست دولة مسلمة ولا هي مدعوة أو ممثلة أو مشاركة ولو من موقع ضيف الشرف.
فريتشارد مورفي الذي جال في المنطقة مطمئناً أصدقاء واشنطن لم ينف عن نفسه تهمة المساعدة على إنجاح هذا اللقاء بين إتباع الدين الحنيف.
الوجه الآخر للمفارقة إن إيران، وهي الدولة الوحيدة التي تعلن نفسها جمهورية إسلامية وتحمل راية الثورة الإسلامية غائبة رسمياً عن هذا المؤتمر المحكوم بمناخ الحرب العراقية – الإيرانية، عموماً، والمحكوم في هذه الأيام بالذات بدوي المدافع على مشارف البصرة التي كانت الكويت، في نظر عبد الكريم قاسم، جزءاً من محافظتها ولم يسلم بها أبداً دولة ذات سيادة، حين جلا عنها البريطانيون قبل ربع قرن ونيف.
وبالمعنى السياسي، مثلاً، يمكن أن يقال إن مجموع الدول المشاركة في المؤتمر قد أقرت أو قبلت أو سلمت بمضمون معاهدة الصلح المنفردة التي وقعها نظام السادات مع العدو الإسرائيلي، بدليل إن الرئيس المصري حسني مبارك قد خص لوحده بدعوة رسمية كويتية عززت موقعه في المؤتمر الإسلامي بأصوات عربية…
ولعل الترحيب الإسرائيلي برفع “الفيتو” عن مصر وقبولها عضواً كامل الحقوق في المنظمة والقمة، يتجه إلى هذا المعنى بالذات، وهو المعنى الذي تحفظت عليه قوى عربية أساسية أهمها سوريا.
وبالمعنى السياسي، أيضاً، فإن هذا المؤتمر سيكون أدنى بمطالبه وطموحاته من مستوى قمة فاس ومشروعها “المتطرف”، الذي أراده واضعوه بديلاً عن كامب ديفيد ثم جاء “الإسلاميون” يفتون بغير ذلك، والله أعلم.
وبالمعنى السياسي فإن “الحاضرين” قلة قليلة وسط هذا الحشد من الملوك والرؤساء الذين ندر بينهم املنتخب، بينما “الغائبون” هم الأبرز تأثيراً، خصوصاً إذا ما تذكرنا إن الاتحاد السوفياتي قد جاهر بتأييده لانعقاد المؤتمر برغم إن “مسلميه الماركسيين” في أفغانستان قد “طردوا” منه بعد توغل قواته فيها مباشرة.
صحيح إن المؤتمرين سيتمكنون من حل بعض مشاكلهم الثنائية ومن حسم بعض قضاياهم العالقة، وقد يحصلون على بعض المساعدات، لكن “المسائل الكبرى” و”المشاكل الأساسية” ستنتظر مزيداً من الوقت، ريثما تنجز صفقات التغيير أو التعديل بالحذف أو بالإضافة، وعلى مستوى آخر، حتى لا نقول أعلى.
وبرغم إن الكويتيين “مهرة” إلى حد إن البعض يعتبرهم “سحرة” فإن المشاكل والهموم الضاغطة على المؤتمرين لن ينفع معها السحر حتى وهو مرفق بالدعوات الصالحات معززة بشيء من عائدات النفط المباركة.
وبرغم إن الكويت قد ربحت مدنية هائلة الفخامة، باسم المؤتمر ومن أجله، كلفتها بضع مئات الملايين من الدولارات، فإن حشد الدول الفقيرة إلى حد الجوع المشاركة فيه لن تجد منفذاً لأزماتها الاقتصادية الخانقة التي تهدد معظم أنظمتها بالسقوط لضيق ذات اليد، أو ربما لضيق ذات الصدر، أو ربما للأمرين معاً.
إن الحلول تجيء من خارج المؤتمر، حتى لو شارك في صياغتها بعض “الأعضاء الكبار” فيه.
وإذا كانت الحروب التي تعيشها المنطقة، قد وقفت عند باب المؤتمر فلم تمنع انعقاده، فإن رياحها قد حددت مساره وحصرته بين شط العرب ومضيق هرمز مسقطة على الطريق قضايا أخرى أبرزها الصراع العربي – الإسرائيلي.
فعلى الجميع، وعلى اللبنانيين خاصة، أن ينتظروا بعد أن “ينضج” الحل لمسألتهم المعقدة.
أما الفلسطينيون فقد حولتهم قيادتهم إلى بند تفصيلي في العلاقات الثنائية بين حسني مبارك والملك حسين.
ثم إن رئيس لجنة القدس، أمير المؤمنين الحسن الثاني، قد غاب عن المؤتمر منعاً للإحراج فغيب معه الموضوع وهكذا استراح وأراح المؤتمرين.
ومع هذا كله نتمنى أن تنجح اللقاءات الجانبية التي تعودنا أن تكون أهم ما في المؤتمرات، وأهم من المؤتمرات ذاتها، فالهامش عادة أهم من المتن وأخطر، ونحن على الهامش أصلاً، فلعله ذلك من محاسن المصادفات!
… وأقصى طموحنا الهدنة في الداخل، في انتظار الحل الذي لا يجيء!!

Exit mobile version