طلال سلمان

على الطريق القليعة والقمة!

اغتصبت الصهيونية فلسطين باسم اليهود وها هي الآن تغتصب جنوب لبنان باسم المسيحيين والموارنة منهم بشكل خاص،
وكما حدث في العام 1948 يحدث الآن: الكل يرفع الصوت “منبهاً” غيره إلى الخطر، متهماً “الآخرين” بالتقاعس عن الدفاع ومن ثم بالتسبب في ضياع الأرض المقدسة،
ومن أسف فإن لاكل يجيء متأخراً عن موعده بضع سنين،
ومن أسف، أيضاً، فإن هذا الاغتصاب الصهيوني يتم وفوق أرض لبنان ثلاث فوق أو يزيد من القوات السورية المسلحة الداخلة لغرض آخر، وكان دخول مثلها – ذات يوم – غاية من غايات العمل الوطني في لبنان، ومن أجل منع مثل هذا الاغتصاب للجنوب، تحديداً!
ومن أسف، أخيراً، فإن هذا الاغتصاب يتم تنفيذه، عملياً، في الفترة الفاصلة بين قمتين عربيتين إحداهما ملكية سداسية والأخرىعشرينية فيها أصناف الملوك والرؤساء والسلاطين والشيوخ جميعاً،
وهكذا يفرض الجنوب نفسه كبند أول على قمة القاهرة المفترض انعقادها بعد غد الاثنين في إطار جامعة الدول العربية، ملخصاً ليس فقط “المسألة اللبنانية” بل “القضية القومية” بما فيها الصراع العربي – الإسرائيلي المتمحور حول فلسطين شعباً وأرضاً وثورة وحقوقاً تاريخية.
ماذا في الجنوب؟!
ثم ماذا يطلب من القمم عموماً إزاء الجنوب؟
نبادر فنقول: ليس المطلوب، بأي حال، بطانيات وخيماً وشوادر ووكالة غوث وبعض الطحين،
كذلك ليس المطلوب بعض البنادق وصناديق الذخيرة، ولا قوات أمن عربية ناهيك بقوات الطوارئ الدولية،
المطلوب هو قرار عربي جديد إزاء التعامل مع العدو الإسرائيلي.
إن في الجنوب نوعاً من التواطؤ بين العنصرية الصهيونية والطائفية السياسية اللبنانية المتحالفة مع الرجعية العربية.
وإذا كانت الطائفية هي الأخت الشقيقة للصهيونية باعتبارهما دعوتين عنصريتين بالضرورة، فإن أمام اليمين العربي فرصة لإثبات أن موقفه المعادي للتقدم الاجتماعي لا يستتبع بالحتم الخيانة لانتمائه القومي.
إن الطائفيين اللبنانيين يشكلون الآن حرس حدود محلياً للعدو الإسرائيلي،
وإسرائيل تستخدم هؤلاء قوة دفاع “للسياج الحسن” الذي قررت إقامته على الشريط الحدودي قبل شهور مستخدمة من أجل تزيينه صهريج ماء ومستوصفاً نقالاً على بابه كاميرا تلفزيونية لتصوير المرضى من المتعاملين مع العدو… صحياً!
وهي تستخدمهم كذلك قوة إرهاب للمواطنين الآخرين الذين لم يقبلوا بعد فكرة “الجسور المفتوحة” مع العدو بديلاً عن التعايش مع المقاومة الفلسطينية، ولو كانت تبعاته ثقيلة.
إن قرية صغيرة مثل القليعة ترهب الآن ليس فقط الجنوبيين، بل كل اللبنانيين الرافضين أن يخونوا وطنهم، ومعهم كل العرب الذين أعلنوا استعدادهم لوقف الحروب العربية في لبنان ولحماية هذا البلد وأهله والمقيمين فيه.
والطائفيون الانعزاليون الذين يقاتلون في القليعة لحساب إسرائيل ويبيعونها الوطن والقضية ودماء الضحايا لا يتحرجون أبداً إزاء حلفائهم من الحكام العرب.
إنهم يفرضون على “أصدقائهم” هؤلاء القبول بعلاقتهم مع إسرائيل،
والمطلوب من قمة القاهرة أن تحدد، مرة أخرى، موقفاً عربياً واضحاً ومحدداً من إسرائيل ومن المتعاملين معها من العرب، حتى ولو أنكروا هم هويتهم القومية.
إن إسرائيل تتقدم الآن لتقبض ثمن الحرب: حكماً مباشراً لبعض لبنان وهيمنة على بعضه الآخر، أما البعض الثالث فمتروك لربح الخلافات العربية – العربية.
وعلى القمة أن تضع الموقف الإسرائيلي في حسابها وهي تقرر إرسال “شرطة عربية” إلى لبنان… فلسنا نريد أن يجيء مزيد من الجيوش العربية لنخسر مزيداً من الأرض اللبنانية.
إن العروبة مصدر حماية وامن وطمأنينة، في مفهوم الناس، فلا نريد من القمة أن تجعلها مصدر الخطر.
إن الأنظمة العربية تدعي إنها وقفت مع الانعزالية اللبنانية ضد الوطنيين في لبنان، بحجة التلاقي على عداء الشيوعية، فماذا تراها تقول عن “التحالف” المباشر والمكشوف مع إسرائيل؟!
إن ما يحدث في جنوب لبنان الآن يتجاوز حتى اتفاق سيناء، ويتجاوز إنهاء حالة الحرب مع إسرائيل.
إن إسرائيل تفتح باب الحرب الخامسة عبر الجنوب،
وما نريده من مؤتمر القمة أن .. يأخذ علماً،
إن هذا الذي يحدث في الجنوب الآن هم حكم بالإعدام على النظام الفريد السائد في لبنان منذ استقلال 1943، بتهمة الخيانة العظمى،
وإذا لم تكن قمة القاهرة في مستوى “المسألة” اللبنانية ممثلة بما يحدث في الجنوب فإن هذا الحكم بالإعدام – وبالتهمة ذاتها – سيشمل الأنظمة العربية جميعاً،
ولسنا نطلب إنقاذ لبنان أو إنقاذ المقاومة الفلسطينية فحسب،
بل إننا نطلب إنقاذ العرب جميعاً ، ممالك وإمارات ومشيخات وآبار نفط،
فالذي بدأ بفلسطين وثنى بلبنان لن يتوقف طالما بقي عربي واحد في هذه الأرض المنداحة بين المحيط والخليج.
و”القليعة” موجودة أصلاً في كل أرض عربية!

Exit mobile version